البذخ والحياة الفاخرة في فيديوهات مواقع التواصل الاجتماعي.. بين الواقع الاقتصادي المتأزم والحياة الخيالية

رزان حبش – شام إف إم
لا بد أن العودة إلى العمل مع بداية كل أسبوع والاستيقاظ مبكراً باستمرار للذهاب إليه بشكلٍ يومي روتيني واعتيادي وانتظار المرتب في نهاية كل شهر هو شيء متعب ومرهق نوعاً ما.
ولكن مؤخراً ومع انتشار مواقع التواصل الاجتماعي وسيطرتها على حياتنا اختلفت مفاهيم العمل، أو العمل المُنتج كوصفٍ أدق، أي العمل الذي ينتج عنه سلعة مادية أو فكرية..
وأصبح عبارة عن عمل معرفي يُدر دخلاً على الشخص، وليس بالضرورة أن ينتج عنه سلعة ما، حيث يمكن أن يكون مقطع فيديو على "إنستغرام" مثلاً!!
"مجتمع العمل يختفي":
وقد أطلق عالم الاجتماع والفيلسوف الألماني البريطاني على هذا العصر اسم عصر "رأس المال من دون عمل، لأن مجتمع العمل يختفي".
أصبح بإمكان أي شخص من منزله ومن هاتفه المحمول وعبر حسابه على أي موقع من مواقع التواصل الاجتماعي أن يربح ويكسب مبالغ كبيرة مقارنةً بالمرتبات التي قد تمنحها الشركات الكبيرة!
وغالباً ما يكون ذلك عن طريق استعراض الحياة اليومية المثالية الخالية من العيوب وذات المظاهر الثرية للغاية، ويمكننا أن نرى انتشار هذا النوع من مقاطع الفيديو بشكل كبير عبر مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة.
الثراء الفاحش والحياة الفاخرة على الشبكة الاجتماعية:
عرض مؤثري مواقع التواصل الاجتماعي حياتهم الباذخة وثرائهم الفاحش، يمكن أن يثير استفزاز العديد من الأشخاص، وخصوصاً في ظل الأزمة الاقتصادية التي يعيشها العالم ككل.
وحول هذا الموضوع حظرت السلطات الصينية حسابات في منصات التواصل الاجتماعي تابعة لعدد كبير من نجوم هذه المواقع والمعروفين بمحتواهم المنطوي على رفاهية أو بذخ.
حيث يخضع الإنترنت في الصين لقوانين صارمة، ولا تتردد الجهات الرقابية في الاستبعاد الرقمي للأفراد أو الشركات الذين ترصدهم السلطات أو الذين يُحتَمَل أن يثيروا اضطرابات.
وكانت هيئة تنظيم الإنترنت في الصين أطلقت في نيسان الماضي حملة لإزالة أي محتوى "يسلط الضوء عمداً على أساليب الحياة الباهظة ومظاهر الثروات" من وسائل التواصل الاجتماعي.
وعلى سبيل المثال حُظِرَ حسابٌ لمدون اسمه "وانغ هونغ كوان شنغ" يتابعه أكثر من 4 ملايين مشترك، ومعروف بنشر مقاطع فيديو تظهر فيها ملابس من تصنيع ماركات أو رحلات من الدرجة الأولى، وكان متاحاً على منصة "دوين"، وهي النسخة الصينية من "تيك توك".
وأوضح أحد المنشورات بإيجاز أن الحساب حُظر "بسبب انتهاكه إرشادات دوين".
وأكّدت المنصة أنها ستبدأ في اتخاذ إجراءات صارمة تجاه الأخبار المزيفة التي تنتشر عبر الشبكة الاجتماعية وترمي إلى زيادة عدد المشاهدات.
أسباب ونتائج ظاهرة استعراض الرفاهية:
انتشار الثراء والرفاهية المبالغ فيها على الإنترنت والبعيدة نوعاً ما عن حقيقة ما نعيشه هو ظاهرة لها أسبابها ونتائجها، وبمقدورنا فصل مشاعرنا بين ما نشاهده عبر شاشات هواتفنا وبين ما نريد أن نعيشه حقاً على أرض الواقع.
وحول هذا الموضوع ذكرت الاختصاصية النفسية والاجتماعية رندة ديب لبرنامج "البلد اليوم" على "شام إف إم" أن سبب انتشار هذه الفيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي يعود إلى اختفاء الطبقة الوسطى من المجتمع، الذي أصبح عبارة عن طبقتين فقط، الطبقة المرفهة والطبقة ذات الحال المعتدل.
كما بيّنت الاختصاصية النفسية والاجتماعية أن التكنولوجيا هي المسيطرة حالياً في كل مجالات الحياة، والمنتج الرائج عبر مواقع التواصل الاجتماعي هو المطلوب والمرغوب من أغلب فئات المجتمع، ما جعل الغايات المجتمعية أكثر سطحية وابتعاداً عن العمق.
وقالت ديب إن انتشار هذه الفيديوهات بين فئات الشباب قد يخلق حقداً طبقياً بين من هم أغنى ومن هم أفقر!
أما فيما يخص الأثر النفسي على من هم مقبلون على الدخول لسوق العمل، بعد أن رأوا الحياة من منظور مواقع التواصل الاجتماعي الفاخر والثري، وانصدموا بواقع اقتصادي ومادي مغاير، أشارت ديب إلى أن فيديوهات الثراء قد ترفع من طموح هؤلاء الشباب بما لا يتناسب مع حقيقة الواقع المعاش.
ونوّهت أيضاً إلى أن أهداف الشباب قد تغيرت لتصبح أكثر مادية، بعد أن كانت تُعنى بالتطور المهني وتحقيق الذات بمجالٍ علمي معين.
كيف يتخلص شبابنا من آثار هذه الظاهرة:
من جانبٍ آخر لفتت الاختصاصية النفسية والاجتماعية إلى أن أحد أهم أسباب توّجه الجيل الجديد لمتابعة مواقع التواصل الاجتماعي هو ملء الفراغ، داعيةً الآباء إلى إشغال هذا الفراغ بما هو مفيد، بحيث يشعر الطفل أو المراهق بالإنجاز.
زيادة الوعي بما يتعلق بمواقع التواصل الاجتماعي هو الحل الأفضل لمواجهة التأثيرات السلبية لها.
كما أن اعتزال مواقع التواصل الاجتماعي بين كل فترة وأخرى يعتبر حلاً مجدياً للكثيرين، للاقتراب أكثر من حياة الواقع.