الذكريات والتجارب الحياتية والمشاكل النفسية، كطول القامة ولون العينين.. قابلة للتوارث عبر الأجيال!!

الذكريات والتجارب الحياتية والمشاكل النفسية، كطول القامة ولون العينين.. قابلة للتوارث عبر الأجيال!!

رزان حبش – شام إف إم

تنقل الجينات الوراثية تاريخنا الوراثي من جيل إلى جيل، إلا أن هناك طرقاً أخرى يمكن أن تنتقل بها الصفات عبر الأجيال، حيث يمكن لبعض تجارب الحياة أن تترك "علامات" توضع على الجينات مسببةً ظهور تغيرات على الشفرة الوراثية.

وباتت تندرج دراسة هذه التغيرات التي تورث إلى الأجيال اللاحقة، تحت مسمى علم "ما فوق الجينات" الذي يمكنه الكشف عن تشابك البيئة بالجينات.

وتوصلت بعض أبحاث العلم العصبي على الفئران إلى نتيجة فحواها أن بعض التجارب والحوادث التي يعيشها الوالدان يمكن أن تؤثر بشكل ملحوظ على الأجيال اللاحقة!

وأفادت دراسة بأنه بعدما تم تعويد نوع من الفئران على الخوف الشديد من رائحة معينة عن طريق صعقهم كهربائياً، لوحظ أن ذلك الخوف انتقل إلى الأجيال اللاحقة، والتي أصبحت تخاف وتتحسس بشدة من نفس الرائحة عند التعرض لها لأول مرة، رغم أنها لم تُدرب على الخوف ولم تشم تلك الرائحة من قبل.

 

وهذا يُولد هنا سؤالاً.. هل لدى البشر حقاً إرادة حرة؟؟ أم أن القرارات المصيرية والسلوك تجاه الحوادث العديدة التي تواجه الأشخاص في حياتهم يمكن أن تعتمد بشكل كبير على جيناتهم الوراثية؟؟ أم أن هذه الفكرة ستكون "علّاقة" جديدة للأخطاء التي يرتكبها البشر؟؟

 

التجارب العلمية حول توريث الذكريات:

حول ذلك أشار رئيس قسم البيولوجيا في كلية العلوم بجامعة دمشق الدكتور شادي سكرية إلى أنه ولفترة قريبة من الزمن كان هذا الموضوع يشكل معضلة شغلت بال الكثير من الباحثين العاملين في هذا المجال، وقد كان هناك تجارب حيوانية خلال السنوات الـ 20 الماضية.

وبيّن د. سكرية أن نتائج هذا الأبحاث كانت بالإيجاب، أي أنه يمكن توريث الصفات المكتسبة من البيئة المحيطة، ونمط الحياة المُعاشة، وطبيعة الغذاء أيضاً، وحتى الضغوط النفسية التي يتعرض لها الآباء إلى الأبناء والأحفاد كذلك، منوهاً إلى أن ذلك يشمل الصفات الجسدية والنفسية معاً.

وذكر د. شادي سكرية أنه من المعروف عن الوراثة التقليدية أنها كل الصفات الشكلية التي نتمتع بها، كطول القامة، ولون العيون والبشرة، وقابلية الإصابة بالأمراض، وهي ما يتم توريثه للأبناء وفيما بعد للأحفاد، ولكن إذا اكتسب الأهل صفات من طبيعة حياتهم، على سبيل المثال قيام أحد الأبوين بحمية غذائية معينة، ممكن أن تؤدي إلى أن يكون جسم أحد الأطفال نحيل البنية!

 

علم "ما فوق الوراثة":

ولفت رئيس قسم البيولوجيا إلى أنه لا يمكن القول إن هذه التأثيرات الوراثية هي تأثيرات مباشرة، بل يُطلق عليها مصطلح "علم ما فوق الوراثة أو ما فوق الوراثيات"، وهو علم جديد يُشير إلى أنه ليس بالضرورة أن الجين أو المورثة هي من تحمل الصفات فقط، بل الحياة المُعاشة يمكن أن تغير التعبير الجيني للمورثات.

كما أوضح د. سكرية أنه تبيّن عبر دراسات أصبحت مثبتة الآن أن الأهل الذين تعرّضوا لحوادث صادمة، أو عانوا من الاضطرابات النفسية ما بعد الصدمة، يمكن أن يوَّرثوا ذلك لأبنائهم وحتى لأحفادهم، كالأشخاص الذين عاشوا صراعات وحروباً، فيكون أولادهم أكثر قابلية للإصابة بالاكتئاب والقلق.

وأكد د. شادي أنه يُشترط لانتقال هذه الذكريات والحوادث والتجارب أن تحصل قبل الإنجاب، وليس بعده، ومن غير الضروري أن تكون الصفة واضحة وظاهرة.

لافتاً إلى أن ذلك يعتمد على البيئة المحيطة بالأبناء، حيث من الممكن أن تكون عاملاً إيجابياً وتساهم في ظهور هذه الأمراض عندهم، والعكس صحيح..

 

الوقاية من الأمراض الوراثية:

وكشف د. شادي سكرية عن وجود طرق وتدابير وقائية من الأمراض الوراثية المعروفة، تبدأ بمراحلها الأولى عن طريق تفادي زواج الأقارب الشائع في مجتمعاتنا، والقيام بالاختبارات اللازمة قبل الزواج، للتأكد من التناسب الجيني بين الزوجين.

ومن ثم يأتي دور الفحوصات الدورية، في حال كان الشخص على علم بالاستعداد الوراثي لديه لمرضٍ ما كسرطان الثدي مثلاً، فيجب عليه بعد عمر معين البدء بإجراء فحوصات دورية، ما يُتيح الكشف المبكر عن الأمراض، وبالتالي يكون علاجه أسهل أكثر.

 

ونوّه رئيس قسم البيولوجيا في كلية العلوم إلى إمكانية توريث الصفات الإيجابية أيضاً وليست فقط السلبية، مثل الصفات التي نكتسبها من التربية كالمسامحة، والطيبة وغيرها من الصفات الحسنة.

 

دون أي دراية، وعبر ممارسة الحياة اليومية الطبيعية، والتعرض للتجارب الكثيرة المؤلمة منها والسعيدة.. قد تكون بتفاصيلها جزءاً من تركيبة الجيل القادم وأحاسيسه ومشاعره، وحتى تصرفاته وطريقته في التعامل مع المواقف المختلفة.