100 يوم على حكومة سفر..غياب لاستراتيجية المسقبل ولاحسم لهوية الاقتصاد السوري

لا تحسد حكومة الدكتور عادل سفر على الظروف التي جاءت فيها، فالأحداث الداخلية التي تشهدها البلاد منذ نحو أربعة أشهر والضغوط الخارجية الكبيرة التي تزامنت معها فرضت عليها تحديات قاسية، فمن جهة تجد الحكومة نفسها مطالبة ضمن حيز زمني قصير بإنجاز وتنفيذ إصلاحات جذرية شاملة أعلنت عنها القيادة السياسية، ومن جهة ثانية فهي معنية بإعادة النظر وتقييم نتائج السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي نفذت خلال السنوات السابقة لجهة تصويبها وتصحيح مسارها بما يخدم المواطن السوري وطموحاته، وكل هذا يأتي في إطار مهمة ثالثة كبيرة تقتضي منها التعامل مع تداعيات الأحداث والضغوط بطريقة تحافظ على التوجه الإصلاحي الشامل، والحد من نتائجها على نواحي الحياة العامة والمستوى المعيشي للمواطن السوري..

 

نحو مئة يوم تقريباً مرت على إعلان تشكيلة حكومة الدكتور عادل سفر، وكما هو متعارف عليه فإن أي حكومة جديدة تعطى عادة مدة ثلاثة أشهر أو مئة يوم قبل الحكم على توجهاتها وسياساتها العامة، ورغم أن حكومة سفر جاءت في ظروف استثنائية وبالتالي فهي قد تحتاج لمدة أطول كما يرى البعض، إلا أنه يبدو من المهم والضروري تقديم قراءة في مسيرة المئة يوم السابقة، لجهة ما تحقق وما لم يتحقق، وما كان مطلوباً أن يتحقق... ‏

 

إسعافية ‏

نبدأ بما صدر عن حكومة سفر وهنا يمكننا التمييز بين نوعين، النوع الأول ويشمل الإجراءات والقرارات الإسعافية التي اتخذت لمواجهة الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد، والنوع الثاني يشمل ما يسمى التوجهات الإستراتيجية... ‏

 

عقدت الحكومة منذ تشكيلها نحو 19 جلسة بما فيها جلسة امس ناقشت خلالها عشرات الموضوعات والملفات المهمة واتخذت العديد من القرارات المهمة أيضاً التي يدخل معظمها في إطار الإجراءات الإسعافية الرامية لدعم الاقتصاد الوطني وتحسين مستوى معيشة المواطن، كان أبرزها إقرار مشاريع لعدد من المراسيم التي صدرت معظمها لاحقاً، وتعلقت بتثبيت العاملين المؤقتين في الدولة، تخفيض رسم الإنفاق الاستهلاكي على عدد من المواد الغذائية، وتخفيض الرسوم الجمركية على عدد من المواد الداخلة في الصناعة، وإعفاء مشتركي التأمينات الاجتماعية من غرامات التأخر.. وغيرها، كما أقرت تخفيض سعر مادة المازوت من 20-15 ليرة لليتر الواحد، تغذية الآبار الارتوازية بالكهرباء والاستمرار بتوزيع المعونات الغذائية على المتضررين من الجفاف في المنطقة الشرقية، إحداث برنامج لتشغيل الخريجين الجامعيين الشباب لدى الجهات العامة، تطوير آلية عمل مكاتب التشغيل.. ‏

 

وبالتوازي مع تلك الإجراءات تحركت الحكومة مجتمعة عبر رئيسها مع بعض الوزراء أو عبر فريق وزاري أو من خلال الوزراء كل على حدة للتفاعل مع المجتمع، فرئيس الوزراء زار مع عدد من الوزراء فعاليات اقتصادية للاستماع إلى ملاحظاتها ومطالبها، بينما كانت لجنة الخدمات الوزارية تزور كلاً من محافظتي دير الزور وحلب لدراسة واقع المشاريع واحتياجاتها التنموية والمشاكل والصعوبات التي تواجه المحافظتين، وبين هذا وذاك قام عدد من الوزراء بزيارات ميدانية إلى عدد من المحافظات لمتابعة شؤونها تبعاً لمسؤولية كل منهم. ‏

 

أما فيما يتعلق بالتوجهات الإستراتيجية والتي تتركز في ناحتين الأولى تنفيذ البرنامج الإصلاحي الشامل الذي أعلنت عنه سورية، والثانية في تحديد ملامح مسيرة وتوجهات الاقتصاد السوري خلال السنوات والعقود القادمة.. ‏

 

ففي الحالة الأولى أعدت الحكومة عدة مشاريع تشريعية كان أبرزها مشاريع المراسيم المتعلقة بإنهاء حالة الطوارئ، إلغاء محكمة أمن الدولة، وتنظيم حق التظاهر السلمي، وفي خط مواز شكلت الحكومة عدة لجان لإعداد مشاريع قوانين وتشريعية تصب في التوجه الإصلاحي للبلد كان من أبرزها اللجنة المشكلة لإعداد مشروع قانون للأحزاب، اللجنة المكلفة وضع آليات لمكافحة الفساد، لجنة لإعداد مشروع قانون للانتخابات العامة، لجنة لإعداد مشروع لقانون جديد للإعلام، لجنة خاصة للإصلاح الإداري، لجنة لدراسة الواقع الاجتماعي والاقتصادي وتقديم المقترحات لاستكمال برنامج الإصلاح الاقتصادي..الخ. ‏

 

على الطرف الآخر ‏

 

أما في الناحية الثانية، وعلى أهمية الخطوات السابقة مقارنة بالظروف التي تمر بها البلاد فإن ما يؤخذ على الحكومة أنها، ورغم تقديم بعض الوزارات لتوجهاتها العامة المستقبلية، لم تقدم برنامجاً وطنياً واضحاً وشاملاً لأولوياتها خلال المرحلة المقبلة، أو بالأحرى لم تحسم ماهية النهج الاقتصادي الذي سوف تسير عليه البلاد، سواء من خلال صمتها حيال مستقبل ما ورد في الخطة الخمسية الحادية عشرة، أو إعلان موقف واضح ومحدد من اقتصاد السوق الاجتماعي... ‏

 

وفي جانب الانتقادات التي يمكن أن توجه للحكومة خلال فترة الـ100 يوم السابقة فإنه يؤخذ على بعض قرارات حكومة سفر أنها صدرت كردة فعل أحياناً ولتلبية مطالب شعبية أحياناً أخرى ولم تصدر كإجراءات مدروسة، فمثلاً تخفيض سعر ليتر مادة المازوت الذي هو، ورغم ما تتحمله خزينة الدولة من أعباء مالية، خطوة سيكون لها انعكاسات اقتصادية إيجابية، لكن هذه الخطوة لم تكن مترافقة بخطوات عملية وإجراءات تنفيذية للحد من عملية التهريب، والسنوات التي سبقت قرار الحكومة برفع أسعار المادة في أيار من العام 2008 هي خير مثال كان يمكن أن يتخذ في دراسة الخطوة قبل اتخاذها.. ‏

 

كذلك الأمر فيما يتعلق بمراسيم تخفيض الرسوم الجمركية على المواد الأولية المستوردة الداخلة في الصناعة، وتخفيض رسم الإنفاق الاستهلاكي على عدد من المواد الغذائية...وغيرها، فهذه الخطوة كانت قد اتخذت سابقاً وكلفت خزينة الدولة مبالغ كبيرة، ففي شهر شباط الماضي خفضت الحكومة السابقة رسم الإنفاق الاستهلاكي على عدد من المواد الغذائية كان أبرزها السكر والحليب المجفف.. الخ وكانت النتيجة أن التخفيض كلف خزينة الدولة نحو 7 مليارات ليرة، بينما لم يحصد المواطن من ذلك التخفيض شيئاً، فالتخفيض ذهب إلى جيوب التجار والصناعيين ويجب ألاّ ننكر ذلك، وإلاّ لما كانت الحكومة تعمد مرة أخرى إلى التخفيض لو أن أسعار المواد الغذائية كانت مناسبة، طبعاً نحن هنا لا نقلل من تأثير ارتفاع الأسعار عالمياً على الأسواق المحلية، إنما بالمقابل كان يفترض بالحكومة وقبل أن تقدم على اتخاذ قرار جديد بخفض الرسوم الجمركية ورسم الإنفاق الاستهلاكي، وما يعنيه من فقد الخزينة العامة للدولة من إيرادات كبيرة تقدر بعشرات المليارات، أن تبادر إلى وضع الآليات المناسبة التي تضمن للمواطن الحصول على هذا التخفيض وعندئذ لن يتاح لنا القول إن الخزينة العامة خسرت إيرادات مادام أن المواطن استفاد بشكل مباشر وكما ترغب الحكومة، وانعكس ذلك إيجابا على مستواه المعيشي، لكن هي ستخسر حتماً عندما تذهب تلك الإيرادات لجيوب فئات محددة. ‏

 

لدى الحكومة مشاريع كثيرة وعلى عاتقها تقع اليوم مهام كبيرة، لكن للأسف الوقت ليس متاحاً لها كما كان في السابق متاحاً لحكومة المهندس محمد ناجي عطري التي أضاعت منه الكثير، لذلك فإن ثمة حاجة ملحة للتعامل مع الوقت بالأهمية نفسها التي يتم التعامل بها مع الملفات والقضايا المختلفة الموجودة على طاولة الحكومة. ‏

 

‏ نقد ذاتي ‏

هي رؤية حاولنا أن نكون فيها موضوعيين في تلمس وتتبع نتائج عمل حكومة الدكتور عادل سفر خلال الفترة القليلة الماضية، ونأمل أن تتجه الحكومة نفسها إلى إجراء تقييم دوري موضوعي، تحدد فيه نقاط القوة في الفترة السابقة وأين تعثرت مشاريعها وطموحاتها التنموية؟ فذلك هو الطريق الأمثل لتحقيق أداء أفضل، وتقييم ردود فعل المجتمع على قراراتها وإجراءاتها... ‏

 

 

 

زياد غصن

تشرين