2010 ... عام الصعوبات الاقتصادية في مصر

شهدت أسعار المواد الغذائية في مصر قفزات متتالية خلال العام الحالي لأسباب عديدة في مقدمتها ارتفاع قيمة الدولار أمام الجنيه المصري في الوقت الذي تعتمد فيه مصر على الاستيراد لتوفير جزء كبير من احتياجاتها الغذائية.
ومما يزيد التأثير السلبي لصعود الدولار حقيقة ارتفاع قيمة العجز في الميزان التجاري وفقا لأحدث أرقام معلنة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء من 8.8 مليار جنيه "1.5 مليار دولار" في أيلول/سبتمبر2009 إلى 11.2 مليار جنيه في أيلول/ سبتمبر من العام الحالي ، إذ بلغت الزيادة في قيمة الواردات عبر تلك الفترة أربعة مليارات و600 مليون جنيه بينما لم تتجاوز الزيادة في قيمة الصادرات مليارين و200 مليون جنيه .
وكان عجز الميزان التجاري قد وصل خلال العام المالي الماضي المنتهي في 30 حزيران/يونيو الماضي إلى 12.25 مليار دولار. ولم تتجاوز نسبة تغطية الصادرات للواردات العام الماضي 49 بالمئه وبلغت فيه كلفة استيراد القمح فقط مليار و 402 مليون دولار وفقا لبيانات وزارة التجارة والصناعة المصرية.
وكانت وحدة البحوث الاقتصادية "سي. آي. كابيتال" التابعة للبنك التجاري الدولي بالفعل قد توقعت منتصف الشهر الحالي المزيد من الضغوط التضخمية ، بعد هبوط الجنيه المصري لأدنى مستوياته أمام الدولار منذ شباط/ فبراير 2005، وتوقعت ان يصل متوسط سعر الدولار خلال الربع الأخير من العام المالي الحالي إلى 5.73 جنيه مقابل 694ر5 جنيه في الربع الثالث.
وتجاوز الدولار منذ ايام حاجز 5.82 جنيه في اتجاه صعودي " بدأ منذ نحو شهر ونصف وكان سعره وقتها لا يتجاوز 5.60 جنيه " بحسب على حريري رئيس شعبة الصرافة في اتحاد الغرف التجارية.
وعزا حريري في تصريح لوكالة الأنباء الألمانية "د.ب.أ" هذا الارتفاع الى تسارع وتيرة الواردات في اعقاب قرار البنك المركزي تخفيض التأمين النقدي على المستوردين للبنوك من مئة في المئة من قيمة الاعتمادات المستندية إلى 50% فقط ، وهي الخطوة التي اقدم عليها المركزي لتخفيض كلفة استيراد بعض السلع الأساسية كالسكر واللحوم .
في حين أرجعت ريهام الدسوقي محللة الاقتصاد الكلي في بنك الاستثمار "بلتون" ضعف العملة المصرية هذا إلى " عوامل موسمية " على حد تعبيرها متعلقة بقرب نهاية العام الذي يواكب خروج الأجانب من البورصة و بيعهم لآذون الخزانة لتسوية المراكز المالية للشركات .
وقالت لوكالة الأنباء الألمانية " لا يعني هذا بالضرورة انتعاش الصادرات كنتيجة طبيعية " لانخفاض سعر صرف الجنيه " ، بما يعنيه هذا الوضع من تنافسية اكبر للصادرات المصرية ...فانتعاش الصادرات محكوم كذلك بالجودة وليس بالسعر فقط ".
وتابعت " لكن على الجانب الآخر ساهم ارتفاع سعر الدولار بالفعل في ارتفاع اسعار الأغذية بالإضافة لعوامل آخرى كحلول الأعياد المسيحية التي تدعم الطلب على السلع الغذائية بصورة خاصة ...بخلاف الارتفاع الكبير في اسعار الغذاء عالميا ".
وكانت أسعار الغذاء قد شهدت خلال العام الحالي ارتفاعا شديدا بحسب منظمة الأغذية والزراعة العالمية " فاو " . إذ جاوزت على سبيل المثال اسعار السكر في السوق العالمية 380 دولارا للطن في تشرين ثان/نوفمبر الماضي ، وشهدت أسعاره ارتفاعا كبيرا في السوق المصرية لدرجة ارتفاع اسعاره في المجمعات الاستهلاكية المملوكة للدولة بالرغم من تعهد الحكومة بعدم " تحريك " اسعار السكر في تلك المجمعات قبل نهاية العام .فيما سجل سعر طن القمح الامريكي الصلب ارتفاعا من 283 دولارا الشهر الماضي إلي 322 دولارا قبل أسبوعين تقريبا.
وكان البنك المركزي المصري قد قال في بيان له قبل أيام أن الزيادات في اسعار الفاكهة و الخضراوات واللحوم والدواجن منذ بداية العام لا تزال تمثل نصف المعدل السنوي للتضخم العام.
إلا ان شيرين الشواربي كبيرة الخبراء الاقتصاديين في مكتب البنك الدولي في مصر قللت في تصريح لوكالة الأنباء الألمانية من تأثير سعر صرف الجنيه على مستويات الاسعار عموما " فوفقا لدراسة صادرة عن البنك "الدولي في مصر " ... تراوح هذا التأثير بين عشرة بالمئة الى 15 في المئة ابان الطفرة في الاسعار التي شهدتها السوق المصرية عام 2005 في اعقاب تعويم الجنيه عام 2004" على حد قولها.
وعلى العكس ترى سلوى العنتري الرئيسة السابقة لوحدة البحوث في البنك الاهلي المصري التي تحدثت لوكالة الأنباء الألمانية أن لسعر الدولار تأثيرا واضحا في ارتفاع اسعار الواردات وخاصة الواردات من السلع الغذائية ، إلا انها تشير كذلك لدور "الطبيعة الاحتكارية لأسواق الغذاء في الداخل" المصري" التي تحول دون انخفاض الأسعار حتى في حال انخفضت اسعار الغذاء عالميا او تحسن آداء الجنيه ".
تلك "الطبيعة الاحتكارية "ينفيها محمد النجار رئيس الشعبة العامة للمستوردين في اتحاد الغرف التجارية في تصريحه للوكالة، في حين قلل من تأثير " التذبذب " في سعر الجنيه في مقابل الدولار على تعاملات المستوردين ، إلا انه طالب البنك المركزي مع ذلك بالتدخل لوقف انخفاض سعر الجنيه عبر ضخ العملة الأمريكية في السوق .
هذا المطلب ترفضه عالية المهدي عضو لجنة السياسات في الحزب الوطني الحاكم وعميدة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة التي ترى أن " تحديد سعر الجنيه " مقابل الدولار والعملات الرئيسية " لابد ان يظل محكوما بوضع الميزان التجاري ...فوضع الجنيه وسعره لن يتحسنا الإ بزيادة الصادرات مقارنة بالواردات ...وواقع الأمر ان الصادرات المصرية مازالت دون الحجم المطلوب للوصول بالجنية للسعر المناسب وهو ما يتضح من حجم العجز الكبير في الميزان التجاري ...العملة هي سلعة كأي سلعة لابد ان يحكمها قانون العرض والطلب " على حد قولها .
وترى المهدي في تصريح لوكالة الأنباء الألمانية أن الحل قصير المدى للمستهلكين الفقراء الذين سيعانون من ارتفاع أسعار الواردات في حال لم يتدخل البنك المركزي لكبح ارتفاع سعر الدولار هو دخول الحكومة مجال الاستيراد لتوفير السلع الرئيسية وإضافة كميات أو أصناف جديدة من السلع المدعومة إلى سلة السلع التي تقدمها الحكومة لأصحاب الدخل المحدود عبر بطاقات التموين أو المجمعات الاستهلاكية التابعة للحكومة.
شام نيوز - وكالات