2011 عام الأوراق المالية الحكومية..

تنتظر المصارف العامة والخاصة المزيد من إعلانات المزادات على الأوراق الحكومية. ورغم اعتراضها على العائد والفوائد بأنها أقل من نسبة التضخم إلا أن حجم السيولة الكبيرة المعطلة فيها تجعل أدنى عوائد أفضل من لاشيء.. ولذلك فإن إعلان المالية لمصرف سورية المركزي عن إطلاق مزادات حكومية في العام 2011 لحوالى 30 مليار ليرة سورية رفع سقف تطلعات المصارف للفوز باستثمار جزء من هذه الأوراق المالية.. مع الاستمرار بمطالبها بفتح هذه السوق وذلك تحديد العائد للعرض والطلب.
والجديد في هذا المجال ما أعلنه الدكتور محمد الحسين بأن المرسوم رقم 23 تاريخ 14/2/2011 تضمن المادة رقم 4 التي تنص على إعفاء فوائد وعوائد الأوراق المالية الحكومية من ضريبة الدخل مهما كانت صفة حاملها حيث تنص القوانين الحالية الناظمة على مشاركة المصارف العاملة في سورية في مزادات الأوراق المالية الحكومية ومن الممكن أن يتم تعديلها حيث يتم السماح لمؤسسات أخرى أو حتى أفراد بصفة مباشرة أن يشاركوا في هذه المزادات.
كما أشار الوزير إلى أنه سيصدر قريباً قراراً يبين الرسوم والعمولات التي يجب أن يدفعها المشترك في هذه المزادات لقاء عملية إدارة مصرف سورية المركزي لعملية الإصدار والتسوية والحفظ المركزي للأوراق المصدرة.
جاء إعلان وزارة المالية وبلاغها لمصرف سورية المركزي عن الروزنامة التأشيرية لمزادات الأوراق المالية الحكومية (أذونات وسندات خزينة) لعام 2011 وبمجموع إصدارات يصل إلى 30 مليار ليرة سورية بمنزلة إعلان نهاية للقلق الحكومي من التعاطي في قضايا المال والدين أو الاستقراض وفتح صفحة جديدة لاستكمال شروط اقتصاد السوق بالتوازي مع مسار الإصلاح.
والفرق الجوهري بين المرحلة الجديدة وما قبلها، أن الحكومة سابقاً كانت تقترض من صندوق الدين العام من مصرف سورية المركزي فيقوم المصرف بتأمين ما نحتاجه من مال بالتمويل بالعجز وعبر طباعة العملة المطلوبة وهذا مايزيد عرض النقود ويحدث التضخم بينما تقتضي المرحلة الجديدة. أن تقوم وزارة المال بطلب الأموال من المركزي أيضاً. الذي يقوم بدوره بالإعلان عن مزادات لأذونات وسندات الخزينة بصفته مدير الإصدار.
ويتم المزاد بحضور عارضين من المصارف العامة والخاصة وتطبق عليها القواعد والبروتوكولات المتعارف عليها في تنظيم وإدارة المزادات وفض العروض.
بدأ التحول ووقف آلية التمويل بالعجز وإيجاد سبل بديلة للتمويل منذ العام الماضي، حين أعلن المصرف المركزي عن إشراك المصارف في المزاد الذي تم إعلانه لتمويل شراء طائرات للشركة السورية للطيران، وقبل ذلك إشراك المصارف في المزاد المعلن لتمويل موسم الحبوب لعام 2010 كوسيلة بديلة عن تمويل العجوزات التموينية عن طريق الاقتراض المباشر من مصرف سورية المركزي.
وكان آخر هذه المشاركات قيام 10 مصارف بتمويل موسم الأقطان للعام 2010 -2011 بقيمة بلغت 13 مليار ليرة سورية وبكفالة وزير المالية وهو ما اعتبر حل مؤقت حتى يتم إصدار سوق الأوراق المالية الحكومية.. الذي صدر فعلاً بعد ساعات معدودة من طرح الموضوع.
في إطار الإصلاح المالي الذي تقوم به سورية، أصدر الرئيس بشار الأسد مرسوماً تشريعياً يقضي بإحداث سوق الأوراق المالية الحكومية أو سوق (سندات الخزينة) ويعد هذا النص التشريعي الجديد أحد أهم التشريعات التي صدرت في قطاع المالية العامة لأنه ليس نصاً تشريعياً فقط بل هو نقطة تحول عميقة في المالية العامة.. إضافة إلى أن أهمية وجود هذا السوق تنبع من كونه عاملاً مؤثراً بجميع نواحي الاقتصاد. هذا ما أكده وزير المالية الدكتور محمد الحسين.
الدكتور أديب ميالة حاكم مصرف سورية المركزي قال: إن المصرف المركزي يسعى إلى وقف آلية التمويل بالعجز عبر إشراك المصارف بإيجاد سبل بديلة للتمويل.
وأشار ميالة إلى أنه لم يعد هناك أية موازنة تغطي إيراداتها نفقاتها بالكامل لذلك نلحظ وجود عجز بمختلف موازنات دول العالم، وعلى اعتبار أنه من الخطورة بمكان أن تمول هذه العجوزات تمويلاً تضخمياً عن طريق المصرف المركزي وطباعة عملة لتغطية العجز فقد حظرت الدول هذا النوع من التمويل بموجب قوانينها وما ينطبق على دول العالم ينطبق على سورية فالآثار السلبية الناجمة عن التمويل عن طريق المصرف المركزي خطيرة جداً ولا يجوز الاستمرار بهذا النوع من التمويل.
باسل حموي، المدير التنفيذي لبنك عودة يقول: إن دور سندات الخزينة دور أساسي في تحفيز الاقتصاد بأية دولة وذلك لما تقوم به من تحديد لأسعار الفائدة المدرجة في السوق عن طريق كمية السندات المعروضة في السوق من قبل المصارف وطريقة تسعير السوق لهذا العرض من السندات.
في سورية تم إطلاق السندات بنهاية 2010 وعوضاً عن اللجوء للسوق لتسعير هذه السندات تم إعطاؤها سعراً تأشيرياً من قبل وزارة المالية، الجهة المصدرة للسندات.
ولكن على الرغم من المبالغ المنخفضة للسندات التي تم طرحها فقد تم الاشتراك بأكبر من النسبة المطلوبة حيث تراوحت نسبة الاشتراك بين 120 -200%
إن هذا الإقبال ما هو إلا دليل على تعطش السوق للسندات ولكن نسبة الفائدة على هذه السندات كانت دون نسبة التضخم.
فمثلاً السندات التي مدتها 5 سنوات قد طرحت بفائدة أقل من 3% بينما التضخم السنوي 3% ما يعني أنها قد بيعت بسعر جيد للمقترض ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: ماذا لو كانت كمية السندات المطروحة كبيرة؟
ماذا كان سيحل بالتغطية وماذا كان سيحل بسعر الفائدة؟ لو فرضنا أن الحكومة أصدرت سندات لدعم محاصيل القمح والقطن وغيرها هل سيتم تحديد سعر الفائدة نفسه؟ وما هو الأثر على أسعار الفائدة وعلى الاقتصاد ككل؟ برأينا، إن هذا سينعكس على عمل المصارف فعلى سبيل المثال تقدم المصارف ما نسبته 3% فائدة على الودائع في الفترات الدنيا وفوائد أعلى على الفترات الأطول قد تصل إلى 7%؟
المطلوب هو أن يكون السعر محدداً من قبل السوق وليس من قبل المقترض، بهذه الطريقة ستكون هناك مشاركة أكبر من قبل القطاع الخاص والذي كان دوره محدوداً جداً في عملية إصدار السندات مؤخراً حيث إنه بمشاركة القطاع الخاص سيتم الوصول إلى أسعار فوائد متطابقة مع حاجات السوق والمقترض.
فلو أمكن إطلاق سندات خزينة من قبل شركات خاصة فسيتم استقطاب ودائع مصرفية جديدة من الداخل والخارج.
بالنتيجة، برأينا، إن ما نحتاجه حالياً هو مزاد آخر للسندات إما بالتركيز على المصارف الخاصة أو بطريقة يتم تحديد أسعار الفائدة فيها من قبل السوق، الأمر الذي له أثر أكبر على القطاع المصرفي ككل وعلى سوق السندات بصورة عامة.
عبد القادر الدويك، الرئيس التنفيذي – بنك سورية الدولي الإسلامي: قال: يأتي إطلاق سوق الأوراق المالية الحكومية من خلال إصدار أذونات وسندات الخزينة، استكمالاً للإصلاحات التي تقوم بها سورية على المستوى الاقتصادي بشكل عام والقطاع المالي على وجه الخصوص والذي يعتبر قاطرة النمو الاقتصادي، والداعم الأساس لأي عملية تنمية اقتصادية في أي مجتمع، ويأتي هذا الإطلاق للسوق في وقت مهم جداً تسعى فيه سورية إلى إقامة مشروعات تنموية ومنشآت المرافق العامة والبنية التحتية والذي يحتاج إلى مبالغ مالية ضخمة، ووجود سوق سندات حكومية محلية يتيح عائداً خالياً من المخاطر يتم بموجبه تسعير الأدوات الأخرى بما فيها المشتقات المالية، ومن شأن هذه السوق ان تساعد على الحد من حالة عدم الاستقرار التي يمكن أن تنجم عن عدم تسعير المخاطر.
كما إن مشاركة المستثمرين المحليين في سوق السندات سيكون عامل استقرار ودعم مهم للسوق، ومع وجود الثروة المتراكمة في السوق سيكون بالإمكان الاعتماد على المستثمرين لتوفير السيولة في ظل ضعف جاذبية الفرص الاستثمارية البديلة، أيضاً سيكون لهذه السوق دور كبير في تشغيل السيولة الكبيرة الموجودة لدى المصارف المحلية العامة والخاصة.
ومن ناحية أخرى فإن سوق السندات المحلية ستتيح للمصرف المركزي فرصة لامتلاك أداة فعالة لإدارة السياسة النقدية وأن يضفي طابعاً عملياً على عمليات السوق المفتوحة حيث يمكن لشراء السندات الحكومية أن يضخ السيولة في السوق بينما يؤدي بيعها إلى سحبها مجدداً من السوق وسيكون لهذا العامل أهمية قصوى إذا اقتضت الضرورة من المصرف المركزي للحفاظ على مستوى محدد من التضخم.
وعوضاً عن أن تلجأ الدولة للاقتراض من المصرف المركزي أو ما يسمى تمويل الموازنة بالعجز والذي بدوره يترك آثاراً تضخمية، أو أن تلجأ الدولة للاقتراض الخارجي والذي له أيضاً آثاره السلبية – علماً أن سورية تعد من أقل دول المنطقة من حيث المديونية الخارجية – فإن إصدار أذونات وسندات الخزينة يعد الوسيلة الأكثر نجاعة لمواجهة التضخم، إلى جانب تأمين تمويل جزء من الموازنة ما يعود بالفائدة على جميع الأطراف خاصة أنها كما قلنا تعد وسيلة مهمة جداً لإدارة السيولة المعطلة في السوق المحلية وفي المصارف بشكل خاص في ظل محدودية الفرص الاستثمارية.
وأود التنويه أيضاً إلى مسألة مهمة، وبشكل خاص في هذه الفترة التي تشهد عمليات زيادة رؤوس أموال المصارف الخاصة والعامة للتوافق مع متطلبات القانون رقم 3 للعام 2010 حيث تساهم سوق الأوراق الحكومية في حال تم طرح سندات خزينة بمبالغ كبيرة تمتص السيولة الفائضة لدى المصارف المحلية، ستساهم في زيادة أرباح المصارف نتيجة تشغيلها للسيولة الفائضة لديها، ما يمكنها من القيام بزيادة رأسمالها عن طريق توزيع أرباح على شكل أسهم مجانية، ويمكنها أيضاً من توزيع أرباح نقدية على المساهمين، وهذا يعني ارتفاع أعداد المتعاملين مع المصارف مع تحسن أرباحها وبالتالي دخول أموال جديدة في النشاط الاقتصادي.
وفيما يتعلق بتسعير الفائدة على سندات وأذونات الخزينة التي تم طرحها مؤخراً في السوق السورية فإن المحدد الأول هو حجم السيولة والتي فرضت سعر فائدة منخفضاً وهذا دليل واضح على حجم السيولة المعطلة لدى المصارف السورية، لكن في الأحوال الطبيعية عندما لا يكون هناك فائض كبير في حجم السيولة فإن العرض والطلب يلعب الدور الرئيس في تحديد سعر الفائدة على أذونات وسندات الخزينة.
أو الإشارة إلى أن المصارف الإسلامية السورية أصبحت لديها حصة سوقية لا بأس بها في السوق المصرفية، وحيث إن القانون يسمح بإصدار أوراق مالية إسلامية، فإننا نأمل باستكمال حلقة الإصلاحات المالية عن طريق إصدار أدوات مالية إسلامية تمكن المصارف الإسلامية من المساهمة في عملية التنمية الاقتصادية في سورية.
لايزال الإصلاح الاقتصادي مستمراً وعلى اختلاف أدواته وفلسفته هو برنامج لتنمية المجتمع وتحسين المستوى المعيشي للمواطنين.
بينما تعاني المصارف العامة والخاصة من سيولة فائضة ومعطلة، نجد لدى الحكومة صعوبات متزايدة في تأمين التمويل لتغطية مشاريعها الاستثمارية.
من هنا تأتي أهمية إصدار الأوراق المالية الحكومية من خلال سندات وأذونات الخزينة.
شام نيوز- تشرين