23 %من الأحداث بدير الزور أصحاب سوابق ..!!

 بدأ مركز ملاحظة الأحداث عمله عام 2001 ، وكان عدد الأطفال والأحداث الذين استقبلهم أول مرة 37 نزيلاً قدموا من السجن المدني حينها ، مالبث أن انخفض هذا العدد إلى ستة فقط ، وخلال مدة قصيرة ، وهذا يشير إلى أهمية إحداثه ، على اعتبار وجود الأحداث ماقبل ذلك التاريخ في السجن المدني ، وسط العشرات من النزلاء ، مايعني صعوبة متابعة ملفات الأحداث ، وتأخر صدور التقارير الخاصة بأخلاقيتهم ومدى انضباطهم داخل السجن ، أو النظر بطلبات إخلاء السبيل وما إلى ذلك ، وبناءً على تلك التقارير فقط يحكم القضاء بإمكانية خروجهم من وراء القضبان ، غير أن حال الأحداث ماقبل المركز وبعده اختلف كثيراً ، سيما وأن المركز يهتم بإصلاح ومراقبة ومتابعة النزلاء ، ويتقدم بتقارير دورية ومنتظمة إلى القضاء والتي على أساسها يتم منحهم الحرية ليندمجوا بالمجتمع من جديد .‏

وقد درجت العادة بين المواطنين على تسمية المركز بـ ( سجن الأحداث ) وهي تسمية خاطئة جداً ، لأن المركز فعلياً يهتم بإعادة التأهيل والتقويم ، ولايمت لحال السجون بصلة إلا بحجز الحرية ، والتي يستغلها المركز للعمل على تطوير الحدث ، وخلق قناعة أكيدة لديه بأنه طفل إيجابي ولابد وأن يعود إلى المجتمع بصورة قويمة ، وهنا نذكر بالإمكانات المتاحة في المركز من حيث الورشات المهنية ، والمهاجع النظيفة ، والطعام الصحي ، ووفرة أجهزة التلفزة وساحة الألعاب والمسبح ، وإمكانية الزيارة المفتوحة ، والأهم من كل ذلك تلك العلاقة الإيجابية جداً بين إدارة المركز والأحداث ، لذا فإن تسميته بالـ ( سجن ) وفق مادرج عليه المجتمع خاطئة جداً .‏

 

أصحاب سوابق :‏

 

يبلغ عدد الأحداث اليوم داخل المركز 41 حدثاً وهذا الرقم قد يتغير بين يوم وآخر ، تختلف قصصهم باختلاف الجريمة المرتكبة ، غير أن نسبة 23% منهم من أصحاب السوابق ، وهذا الرقم يعد خطيراً جداً ، سيما وأن نوعية الجريمة المرتكبة هي جنائية الوصف في الغالب ، وهذا يؤكد أن عودتهم وبهذه النسبة المرتفعة إلى ارتكاب الجرائم ضيَّع على المركز جهده في إعادة تأهيلهم أول مرة ، ويبدو أن السبب في عودة هؤلاء لارتكاب الجريمة هو طبيعة المجتمع الذي تلقاهم بعد خروجهم الأول ، لذا لابد من القول ( أن من شروط التوبة تغيير الجماعة ) ، وقد تبين لنا فعلاً من خلال سؤال أصحاب السوابق أنهم عادوا إلى ذات البيئة التي زرعتهم في عالم الجريمة أول مرة ، ومن هنا نؤكد ضرورة التضافر لملامسة نتائج عمل المركز في التأهيل ، بدلاً من نسف عمله وجهده .‏

 

الفقر وتعدد أفراد العائلة‏

 

تبين من خلال معرفة عدد أفراد عائلة الحدث سواءً من الجدد أو من أصحاب السوابق أن معدل العدد للأسرة الواحدة وصل إلى 12 فرداً ، وأن الأب في الغالب متوفى ، وأن الأخوة الكبار هم المعيلين الحقيقين لأسرهم ، ووصل الحد إلى أن منازل بعض الأحداث لاتحتوي أكثر من ثلاث غرف ، يستأثر الأخ الأكبر بواحدة منها للزواج ، وهذا مايزيد من عدد أعضاء الأسرة ، وبالتالي يضيِّع على ذوي الأمر إمكانية الإشراف التربوي الصحيح على أبنائهم ، ماجعل غالبية الأبناء يعزف عن الدراسة والاتجاه إلى الشارع بحثاً عن عمل غير منتظم ( ثمانية من الأحداث فقط يجيد القراءة ) ، والحقيقة المرة هنا أن مايجنيه أولئك الأحداث من مال يتم صرفه بطريقة همجية تتجه إلى التدخين والسهر ومرافقة كبار السن ، ورفاق السوء ، وكل هذه العوامل هيأت الحدث لأن يكون مجرماً ، سيما وأن عالم الكبار قد استهواه ، أو أنه حرص على تقليدهم بحكم الاحتكاك المباشر بهم ، وهنا تضيع معالم الطفولة ، وتستقر الأمور عند شخص ضائع لامانع لديه من ارتكاب الجريمة في سبيل نيل مراده ، وربما لإقناع نفسه بأنه قادر على مجاراة رفاقه الكبار في كافة الممارسات اللاأخلاقية أو السرقة والسلب وتعاطي المخدرات وممارسة الفعل المنافي للحشمة ، ومن كل ذلك وجدنا أنفسنا أمام شريحة سلبية في تصرفاتها ، وصغيرة في أعمارها .‏

 

على الرغم من أن غالبية الأحداث يقيم حالياً في المدينة ، غير أن الجميع تقريباً ينحدر من الريف ، ويبدو أن المناطق الأكثر فقراً ( طب الجورة ? طب الصناعة ) هي مكان إقامتهم ، والمفارقة أن بعض الأحداث لم يمض على إقامته وذويه في المدينة سوى سنوات قليلة ، ويشير الغالبية هنا أن ذويهم من المتقاعدين ، الذين واجهوا شحاً في الإيراد المالي ماحدا بهم إلى السكن في المدينة بحثاً عن فرص عمل كانت ماتكون ، ويؤكد غالبية الأحداث الذين التقيناهم أن حالتهم المعيشية ضمن القرى التي ينحدرون منها سيئة جداً ، وأنهم كانوا يقيمون بالريف بحكم عمل والدهم لدى الغير ، فهو لايملك شيء أصلاً ، ولامانع لديه من السكن في المدينة على اعتبار أبوابها المفتوحة أمام فرص العمل الأوسع ، ويضيف بعض الأحداث أنه يتمنى العودة إلى القرية فهي ( أحلى ) من وجهة نظره .‏

 

بدون خجل :‏

 

يقول أحد النزلاء الأحداث قمت بضرب جدي على رأسه بالـ ( كريك ) ، ويقول آخر لقد أتعبني والدي في عصبيته فأطلقت النار عليه من مسدسه ، ويضيف آخر لقد ضربت فلان بالخنجر على رقبته وتأكدت أنه مات ، وآخر يقول ضربته على رأسه ، وهشمت أسنانه ، وربطت بحجر ثقيل على صدره ، والقيت به في النهر ..!‏

 

وبالتأكيد يتخلل الرواية الكثير من الكذب وادعاء البراءة ، غير أننا اتفقنا على ضرورة الصدق كي نؤكد أننا في حالة حوار سليمة وهذا ماشجع البعض على سرد روايته بتأني وتفصيل ، والمفارقة هنا أن بعض الجرائم تم ارتكابها بالاشتراك مع كبار ، وهم حالياً في السجن المدني ، مايعني أن رفاق السوء كان لهم الدور الكبير في زج الأحداث إلى عالم الإجرام ، ونؤكد هنا أن البعض روى قصصاً للسرقة وبالمشاركة مع الكبار أيضاً ، مايعني أن هذا الحدث عاش حالة من الضياع والفراغ ، ولم يجد سبيلاً لملء هذا الفراغ سوى مرافقة الكبار والتشارك معهم في الجريمة .‏

 

على الجانب غير البعيد يروي لنا البعض الآخر كيف قام بالسرقة ، وكيف خطط لها بنفسه ، وكيف ورَّط أصدقاؤه فيها ، ويؤكد أولئك الأصدقاء أن زميلهم الحدث مارس عليهم أنواعاً من التهديد كي يقوموا بارتكاب جرائم سرقة أخرى ، فمنهم من سرق خرافاً من مناطق متعددة ، ومنهم من سرق ( معلمه ) في الحرفة ، ومنهم من سرق دراجات آلية باعها بأسعار زهيدة ، وماإلى ذلك .‏

 

مخدرات وأشياء اخرى :‏

 

استغربنا أن يكون من بين الأحداث من تعاطى المخدرات رغم صغر سنه ، وهذا يؤكد أنه بدأ بالتدخين في مرحلة مبكرة من الطفولة ، والغريب أنه بدأ بتعاطي المخدرات دون علم منه ، والقضية لم تتعد سوى سرقة المخردات من آخرين ( الأخ في الغالب ) ودسها في السكائر ، وعلى الرغم من نفي تعاطيهم المستمر للمخدرات إلا أن طريقة الحديث والتصرفات تؤكد ذلك التعاطي ولو بنسبة بسيطة ، فمنهم من ( وشم ) ذراعيه بعبارات الحب والتحدي ولوم الزمن ، ومنهم من رمى بالتهمة على صديق له ، ومنهم من رمى بها إلى شخص راشد ورطه في المخدرات ، وعلى الجانب الآخر تماماً نجد ممارسين لافعال منافية للحشمة ، وهو بالنتيجة طرفاً فيها أياً كان دوره ، غير أن هؤلاء يؤكدون أنهم مارسوها لمجرد الممارسة دون وعي منهم لحقيقة مايفعلون ، وهذه نؤكدها نحن أيضاً فالأحداث الموجودين في المركز بهذا الفعل صغار في السن تماماً .‏

 

 

 

شام نيوز- جريدة الفرات