250 ليرة سورية مخالفة لمن ترتدي المايوه في لبنان!!

بعض القوانين في لبنان وضعت خلال الحكم العثماني والانتداب الفرنسي، لم تراجع لتتوافق مع الحياة الاجتماعية الجديدة. قليلة هي الجلسات التي تُخصص في البرلمان للقيام بعملية مراجعة هذه القوانين ما يحول دون تطويرها
شرطي الآداب بثيابه المرقطة يقوم بدورية على الشاطئ، تقع عيناه على فتاة ترتدي لباس سباحة، يحرر ضبطاً والغرامة 250 ليرة سورية، يقترب من لابسة المايو ويسلمها الضبط،.. مشهد كان بالإمكان أن يصبح مألوفاً لو أن القرار الرقم44/ل ر الصادر في 5 أيار1941 بناءً على مرسوم الجمهورية الفرنسوية الصادر عام 1920 مطبق بحذافيره.
فقد نصت المادة الأولى من القرار بمنع النساء من ارتداء الشورت، ويشمل على جميع الأراضي الواقعة تحت الانتداب الفرنسي وفي أي مكان يصل إليه نظر الجمهور، أما المادة الثانية فتشترط أن يستر اللباس مجمل الصدر من النحر حتى الساقين، والمادة الرابعة تحدد الغرامة لكل مخالفة وهي 250 ليرة سورية تم رفعها بعدما شملها تعديل الغرامات عام 1991.
رغم زوال الانتداب الفرنسي، لم تتم عملية فحص القانون بعد تشريعه. عضو لجنة الإدارة والعدل النيابية النائب غسان مخيبر يقول: «أمام التبدلات الاجتماعية الكبرى يصير القانون غير ذي قيمة حين يعجز عن إدارة الحالات المستجدة، فما الحالة التشريعية إلا تجسيد للممارسة الاجتماعية و«الإرادة العامة». لكن ما لم يُلغَ هذا القانون بقانون آخر فقد يصار إلى تطبيقه بتغير السلطة السياسية وتوجهاتها»، ويسأل مخيبر «هل كان ممكناً تطبيق القانون الصادر في 19/10/1945 المتعلق بمنع رفع علم غير العلم اللبناني في أراضي الجمهورية اللبنانية في فترة المونديال»؟
لعل من الواضح أن التبعية لم تنته بطريقة قطعية منذ رحيل العثمانيين في أيلول 1918 ثم نيل لبنان استقلاله عن الانتداب الفرنسي عام 1943، فالكثير من القوانين والمراسيم تحمل إمضاء المفوضين الساميين الفرنسيين من ويغان وبونسو وجان هللو، فضلاً عن «وصمة» الـ«ل.ر» أي «لوا ايه ريغلومان» (loi et reglement)، وهي النصوص التي كانت سائدة في عهد الانتداب.
كان من العسير جداً على القوانين اللبنانية أن تعصم نفسها من التأثر بحقبات ما قبل الاستقلال، تأثر وصل إلى حد أن قانوناً عثمانياً صدر عام 1917 يدعى قانون العائلة ـ المناكحات والمفارقات، وهو يحمل إمضاء السلطان محمد رشاد.
مثل هذه الآثار العثمانية والفرنسية تلعب دور «المرجعية» في أحيان كثيرة، فنحن ما نزال نقرأ «للحاكم أن يحجر على السفيه»، «للحاكم أن يحجر على المديون بطلب الغرماء»، وهي تكرس لغة خشبية لم تلحق بركب تطور العلم، فوردت مثلاً لفظة «المجاذيب» في المادة 11 من المرسوم الرقم 8837/32، وهو من النصوص المتعلقة بالأحوال الشخصية، فضلاً عن لفظتي «المجنون» و«المعتوه».
يقول القاضي جون قزي مستنكراً: «إذا كان المريض مصاباً بالزهايمر أو الباركينسون يضطر القاضي الى زج حالته في خانتي العته والجنون لإعفائه من العقاب أو إبدال عقوبته أو تحديد قيّم على أملاكه».
تتوالى المفاجآت في الفصل المعنون «في استيفاء الحق تحكماً» حيث تنص المادة 434 وما يليها على أحكام المبارزة في تأثر واضح بالكاتب الفرنسي ألكسندر دوماس وفرسانه الثلاثة، فيعاقب القانون الدعوة إلى المبارزة وإن رفضت، ومن أهان آخر علانية أو استهدفه للازدراء العام لأنه لم يتحد امرءاً للمبارزة. ويعلق مخيبر بأن هذه الأحكام نسخت نسخاً حرفياً عن القوانين الفرنسية، إذ ليس من عاداتنا المبارزة لرد الاعتبار، بل الثأر.
ورغم مناشدة الحقوقيين والمهتمين بحقوق الإنسان لا يزال مضمون بعض المواد، وخاصة المتعلقة بالآداب العامة صادماً. المادة 522 التي لم تتعدل منذ عام 1948، فإذا عقد زواج صحيح بين مرتكب إحدى جرائم الاعتداء على العرض، أوقفت الملاحقة بحقه وعلق تنفيذ العقاب إذا صدر حكم، وحتى عام 1999 كان من يرتكب «جريمة شرف» يستفيد من العذر المحل أي يعفى من العقاب، لكنه اليوم يستفيد من العذر المخفف وفق المادة 562 عقوبات.
الأخبار