الكنة والحماة ... من منهما الحلقة الأضعف ..!!

تشكل العلاقة بين الحماة والكنة أحد أكثر أنواع العلاقات الأسرية إشكالية من حيث طبيعتها المضطربة واتسامها بالتعقيد وشيوع القصص التي تتحدث عنها بطريقة كوميدية تقوم على وتر الصراع والتنافس وهذه العلاقة مثلها مثل أي علاقة اجتماعية يشوبها الصراع والندية في بعض جوانبها والاحترام والتقدير في جوانب أخرى وهي كأي علاقة إنسانية تخضع لعوامل ثقافية واجتماعية ونفسية معينة تحدد السلوكيات ونظرة كلا الطرفين إلى الآخر .
وكثيرا ماكانت هذه العلاقة مادة ثرية للمعالجات الأدبية والدرامية والسينمائية ومادة للكتابة الساخرة ورسامي الكاريكاتير ولكن المثير للانتباه أن معظم الأعمال التي تناولت الصراع بين الكنة والحماة تعاني المبالغة والتهويل في تصوير الحماة على أنها السيدة الشريرة المتسلطة وهذه صورة قاتمة لايتفق معها الجميع فهل هي بالفعل حالة من حالات الحرب الباردة بين طرفيها أم أنها صراع إرادات أو نتيجة إفرازات وأسباب نفسية وثقافية واجتماعية فهل تغير هذا الصراع أو خفت شدته مع التطورات الحديثة للحياة والمجتمع.
ويرى زياد بركات المختص بعلم الاجتماع أن الأعراف الاجتماعية القديمة كانت بمثابة قوانين غير مدونة تحتم على الزوجة السكن في بيت العائلة الكبير وبالتالي الانصياع لقرارات وإرادة الحماة صاحبة البيت والمتحكمة بتفاصيل المعيشة داخله وبالتالي كانت المواجهات والاحتكاكات بين الحماة والكنة من الأمور المألوفة مضيفا أن واقع الصراع بين الكنة والحماة تغير في الوقت الحاضر بتغير طبيعة الحياة الاجتماعية وأهمها انتقال المجتمع من تقليدي إلى مدني أو حضري وما رافقه من تحولات على الأسرة من تقليدية ممتدة تضم أكثر من جيلين الجد والجدة والأب والأم والأولاد إلى أسرة نواتية تضم فقط الأب والأم والأولاد وبالتالي استقلالية الزوجة في بيتها وعملها الخاصين بها وبالتالي استقلالها المادي والمعنوي وهذان العاملان شكلا مانعا للمشاحنات.
ويشير بركات إلى أن أصل العلاقات الإنسانية يقوم على ملكية القرار وإدارته اقتصاديا واجتماعيا أي أن من يملك أدوات الإنتاج بوسعه أن يحدد أشكال توزيعها وخصوصا أن العلاقات الاجتماعية من حيث المكانة أو القبول ترتبط بشكل تفاعلي مع امتلاك القوى الاقتصادية موضحا أن العائلة الكبيرة أو بيت العائلة قديما كان يستند ‘لى الاقتصاد المشترك من حيث المجهودات المبذولة وبالتالي فأن هناك شخصا على رأس الهرم الاجتماعي في العائلة وهو الذي يدير هذه القوى الاقتصادية وكانت المرأة عموما مهمشة الدور باستثناء الجدة بحكم كبر سنها.
ويقول بركات اليوم توزعت قدرة الجنسين على إمكانية العمل المستقل بعد التحولات الاقتصادية وتعدد مصادر الدخل بمعزل عن اقتصاد العائلة الكبيرة وارتفاع مستوى التعليم كل هذه العوامل أدت إلى تبدل أنماط العلاقات الاجتماعية وإعادة المكانة والمركز الاجتماعي للمرأة.
بدوره يصف المستشار في الطب النفسي الدكتور غيلان كامل علاقة الكنة بحماتها بأنها علاقة اجتماعية تبادلية شأنها شأن أي علاقة إنسانية تخضع لعوامل نفسية واجتماعية وثقافية معينة ولا يجوز فيها التعميم فأي طرف يتصرف وفق درجة تعليمه وثقافته وما من شك أن البعد النفسي والاجتماعي له دور كبير في سلوكيات أو طبيعة العلاقة بين الحماة والكنة والزوج وخلفية حياتهم الاجتماعية وبشكل عام سلوكيات و تصرفات و مواقف تخضع لثقافة ذاتية محددة.
من جهته توضح أحلام علي موظفة وأم لطفلين أن الصراع بين الكنة والحماة يعود إلى العصور السالفة حيث يدور الصراع في العادة بين الكنة والحماة على الاستقلالية التي تكافح الكنة للحصول أو المحافظة عليها إضافة إلى أن الأم تمنع مشاركة أي امرأة في تربية أطفالها.
ويكتنف هذه العلاقة نوع من الغيرة المبطنة من قبل الأم على ابنها ومحاولة الحفاظ عليه معتقدة أن كنتها ستستأثر به وتقلل من دورها في حياة ابنها.
من جانبها تؤكد آمنة ديب وهي أم لطفلين على أهمية شخصية الزوج في حل كثير من المشاكل فإذا كانت شخصية الزوج قوية وطريقة تعامله مع المواقف ذكية فأن هذا يساعد في تقليص أجواء التوتر وإذا اتسمت شخصيته بالضعف فستنعكس سلبا على علاقة زوجته بوالدته.
وتتعدد قصص الحماوات بين راضيات وساخطات عن كناتهن إذ يلقين المسؤولية في أي تراجع على أوضاع أبنائهن على عاتق الكنة وتقول أم مصطفى كيف استطيع السكوت عندما أرى منزل ابني يعوم بالفوضى ويتم تجاهل أبسط أساسيات النظافة والترتيب والتربية السليمة للأولاد .
وفي صورة مقابلة تظهر بعض الحموات والكنات اللاتي استطعن أن ينشئن علاقة جيدة مبنية على التفاهم والاحترام والتعاون وهذا ما تؤكده هناء وهي موظفة ولديها أربعة أطفال أن حماتها ساعدتها كثيرا حيث احتضنت أطفالها ورعتهم بحنان عندما كانت تذهب للعمل ولم تتوان عن تقديم المساعدة إضافة إلى أنها تستقبلهم أيام العطل بمحبة ورحابة صدر مشيرة إلى أنها تتصرف مع حماتها كما تحب أن تتصرف زوجة أخيها مع أمها أو أن تتصرف كنتي معي في المستقبل لأن الحياة دين ووفاء وما أزرعه اليوم سأحصده غدا.
وبدورها تقول عبير جديد لقد عشت التجربتين فقد كنت كنة وأصبحت الآن حماة واتحدث من تجربتي الخاصة وأقول إن سبب العلاقة السيئة بين الكنة والحماة في معظم الأحيان يعود إلى عدم تفهم مشاعر الآخر .
ويقول السيد حسن مهنا إن الرجل في هذا الصراع هو الحلقة الأضعف مشيرا إلى أن الثقافة تلعب دورا مهما في هذه المشكلة فمعظم الناس تحيط بهم الضغوط النفسية والمالية ويشعرون بالعجز نتيجة عدم قدرتهم على رفع هذه الضغوط وبالتالي لايستطيعون السيطرة على أنفسهم عندما يواجهون استفزازا معينا.
شام نيوز- سانا