انتخابات

نبيل سليمان . بلدنا
في موسم الانتخابات، تنشب حمّى الصور والأعلام واللافتات والميكروفونات والوعود والمآدب والزور والبهتان. وقد جعلت هذه الحمّى مواطناً معوزاً يبدع في مغالبة عوزه، فيسرق ليلاً من الصور والأعلام ما يمكن بيعه نهاراً. غير أنّ نعيمه لا يدوم؛ إذ تضبطه عين الأمن الساهرة وترميه في غيابة الجب.
ليست هذه المقدّمة غير تلخيص جائر لقصّة ساخرة بديعة عنوانها (انتخابات) للصديق القاص عاطف صقر، فأيّ تلخيص لا بد أن يؤذي جمالية القصة. وقد أُبعدتْ قصة (انتخابات) من مجموعة قصصية جديدة لعاطف صقر،
حذراً من أن ترميه وترمي قصته ومجموعته عين الرقيب الساهرة في غيابة الجب، ما دام اتحاد الكتاب مازال يراقب المخطوطات، شأنه منذ أربعين سنة، وما دام قانون الإعلام الجديد لم يغيّر من أمر الرقابة أنملة ولا شعرة.
من الحق أنّ الواقع يقلّد أحياناً، فها هي الجدران والشوارع والصحف والفضائيات والسيارات وأعمدة الكهرباء و.. ها هي جميعاً تقوم ولا تقعد، فهذا ثغر مرشّحة يفترّ باسماً، فيكشف عن أسنان (اللولو)، وهذا مرشّح يرسل ذراعيه عالياً كأنّه يختم وصلته في حفل غنائي ساهر أو في حفل خطابي غير ساهر، وهذه تَعِدُ، وهذا يَعِدُ بما لو تحقّق عشر معشاره خلال عشر دورات انتخابية لما بقي لشكّاء أو شكّاءة ما يشكوان منه. فالفساد، والبطالة، والتنمية، والعشوائيات، والتعليم المفتوح، والصراع بين الزوجين السعيدين، وما شاكل من كلّ ما تعانيه فئات الشعب جميعاً، كلّ ذلك سوف تبلسمه أنامل هذه المرشحة وهذا المرشح، إنْ جاد عليهما بصوته الناخب؛ أي المواطن الصالح المدلل.
في ذاكرتي ممّا كتبت الجريدة المحتجبة (المضحك المبكي) في موسم انتخابي أعقب رحيل رئيس الجمهورية الشيخ تاج الدين الحسني (وثمة من يؤكد أن ذلك الرحيل كان اغتيالاً) وهو الموسم الذي جاء بشكري القوتلي رئيساً للجمهورية، وهذا بعض ما كتبت الجريدة، ممّا أحسب أنّ لسان حال المرشحين والمرشحات في هذا الموسم الانتخابي ينطق به:
«كلّ الأماني فيكْ يهفو لها الطالبْ
حرنا بما يرضيكْ يا حلو يا ناخبْ
في الوصل والصد مرّتْ ليالينا
بعض الجفا يكفيك يا حلو يا ناخبْ»
من بدائع هذا الموسم الانتخابي أن تنظّم فضائية تلفزيونية ما، أو أرضية تلفزيونية ما، مناظرة ـ مناظرات بين المرشحين، ما سيجعلنا نترحّم على مناظرات المرشحين للرئاسة الفرنسية، أو الروسية، أو الأمريكية. والمهم ألاّ يكون لمناظراتنا أسوة حسنة في كوكبة المحللين والمعلقين المفوّهين المعصومين المحليين والمستوردين الذين أنجبتهم الفضائيات، والـ «إف إمّات»، والإذاعات، والمهرجانات؛ بل إنني أَعِدُ بصوتي المرشح أو المرشحة الذي يضمّن برنامجه الانتخابي الرأفة بالمشاهدين والمستمعين، ابتداءً بتسريح تلك الكوكبة، وإلزامها بأن تعيد إلى خزينة الدولة ما كسبت منها، وما أنفقته الخزينة عليها أيضاً.
ومن بدائع هذا الموسم الانتخابي أيضاً هذا الذي تجود به فضائيّة إذاعية. والفضائية الطبية، من معرض صور المرشحين والمرشحات، مشفوعةً بما قلّ من الكلام، وربما بما لم يدلّ، على سبيل التعريف بصاحب الصورة، أو صاحبتها، وبعنوان رسالته الانتخابية أحياناً. وبما أنني جدّدت للتوّ معاهدة طبيبي على أن أنأى عمّا يرفع الضغط، وعمّا يهدّد أركان مريض القلب بالزعزعة؛ أي بما أنني سأغمض عينيّ، وأُصمّ أذنيّ، فلا أشاهد ولا أسمع ولا أقرأ تتمّة الموسم الانتخابي، فقد كلّفت من يدقّق في حمّى الموسم ليتبيّن ما إن كان لأحدهم (من أفراد أو أحزاب أو تكتلات) رؤيا أو مشروع أو اقتراح يتعلّق فقط بما طرأ في الشهور الأخيرة من نزوح 600.000 مواطن، حسب جريدة محلية. كما كلّفت من سترصد المتغيّرات، من قائمة الجبهة الوطنية التقدمية إلى قائمة الوحدة الوطنية، مثلاً، وإلى درجة النكوص ـ مثلاً أيضاً ـ والمتمثل في انتعاش الروابط العائلية والعشائرية والحاراتية والقبلية والطائفية والمذهبية والجِهوية والمناطقية، والعياذ بالله.
على أيّة حال، آمل أن يلهم هذا الموسم الانتخابي عاطف صقر وأمثاله من الكتّاب المتميزين، وبخاصة بالسخرية، لتكون لنا أكثر من قصة (انتخابات) لا بد أن يتبدّد الحذر من نشرها عاجلاً وليس آجلاً، والله أعلم.