حريق كونسروة الغوطة ...يفتح ملف فوج إطفاء ريف دمشق

أعاد حريق معمل كونسروة الغوطة يوم أول من أمس ملف فوج إطفاء ريف دمشق إلى الواجهة، فالمحافظة المترامية الأطراف والكثيرة الوحدات الإدارية تعاني نقصاً واضحاً بالمعدات الخاصة لمثل حالات الطوارئ هذه، حيث وحسب شهود العيان الذين شاهدوا الحريق وحسب تأكيد خبير الوقاية والسلامة من الحوادث محمد الكسم فإن سيارات إطفاء مدينة دمشق والتي وصلت بعد نحو الساعة على شبوب الحريق بسبب المسافة الفاصلة هي التي أخمدت نار الحريق الذي بدأ عند نحو الساعة السادسة من مساء أول من أمس وجاء سبب الحريق مجهولاً.

أثارت ألسنة اللهب هلع الناس والمارة حيث بلغت قرابة عشرة أمتار فوق المبنى وقطر الدخان المتصاعد فوقه وصل إلى عشرات الأمتار فاحتاج إلى 12 سيارة إطفاء لإخماده وجميعها وصلت من دمشق بسبب ترهل فوج إطفاء الريف القاصر عن التعاطي مع مثل هذه الحوادث الكبيرة رغم كثرتها في ريف دمشق وحسب المعلومات المتوافرة فإن المساحة التي أتى عليها الحريق قاربت 3 دونمات كاملة والخسائر كبيرة حسب خبرة الكسم على حين نفى مدير عام المؤسسة العامة الغذائية أن تكون الخسائر بالملايين وأكد أنها بآلاف الليرات السورية وهي عبارة عن علب فارغة تالفة مرمية خلف المعمل.
بعيداً عن حجم الخسائر قليلة أم كثيرة، بالملايين أم بآلاف الليرات، يبقى السؤال عن جاهزية فوج إطفاء الريف هو موضوع الحديث وهنا يروي الكسم وعمال فوج إطفاء دمشق عشرات القصص عن حرائق في ريف دمشق على مستوى معامل ومنازل ومزارع ومستودعات كان آخرها معمل كونسروة الغوطة ولكنها حالة متكررة فكل شهر أو يزيد يأتي خبر «حريق في معمل أو بيت أو ورشة في منطقة كذا» وتبدأ المطاردة خلف المعلومات التي تنشر في اليوم التالي، مرة حريق لمعمل «محارم» في منطقة صحنايا والذي قدرت خسائره بعشرات الملايين من الليرات السورية فالمصنع كان مملوءاً بالمواد الأولية والمصنعة ضمن الطابق الأرضي الذي تتجاوز مساحته 1000 متر مربع وبارتفاع 9 أمتار، ومن ثم حريق مصنع ومستودع للأقمشة في أول طريق الغوطة الشرقية من جهة باب شرقي أدى لانهيار المبنى المؤلف من طابقين الذي تبلغ مساحته 2000 متر مربع وقدرت الخسائر المادية بنحو 20 مليون ليرة سورية.
 

واللافت للنظر أن معظم تلك الحوادث تتقاسم الأسباب لكل تلك الخسائر وإن اختلف السبب الرئيس في مثل هذه الحرائق أو الحوادث، ويضيف خبير السلامة العامة والوقاية من الحوادث «محمد الكسم»: على الرغم من الجهود الكبيرة لرجال الإطفاء، فإن السبب المباشر لارتفاع عدد الإصابات والخسائر المادية، هو غياب (القوانين والشروط الإدارية الحديثة) التي تفرض وجود متطلبات السلامة والوقاية ومكافحة الحرائق بعموم المنشآت، السكنية والتجارية والصناعية، في حين نلاحظ ضعف قدرة وفاعلية بعض مراكز الإطفاء في مكافحة الحرائق، وخصوصاً خارج المدن، حيث تتسع المسافات وتندر مراكز الإطفاء، كما تتدنى مواصفات المركبات والمعدات، وهنا لا بد من الإشارة حسب المعطيات اليومية إلى اختلاف مواصفات الآليات العاملة في الإطفاء بين فوج وآخر، ونقص هذه المعدات واضح في ريف دمشق التي تلجأ غالباً إلى دعم المدينة وخاصة في حال تعدد الحوادث في وقت واحد.
والواقع يؤكد أن المشكلة لا تتعلق فقط بإمكانات أفواج الإطفاء، وعدم وجود الأنظمة والقوانين الضرورية للحماية، لكن أصحاب المنشآت الصناعية والتجارية والسكنية يتحملون جزءاً كبيراً من المسؤولية، وكشف خبير السلامة والإطفاء الكسم قائلاً «بعد رؤيتي مئات الحوادث والحرائق وعشرات الموتى والجرحى وخسارة المليارات، لاحظت أن معظم الصناعيين والتجار يتمتعون بقدر عالٍ من (الجهل والبخل)، فهم يرفضون دفع أقل من (1%) من كلفة المنشأة لسلامة ممتلكاتهم وحماية أرواحهم وأرواح الناس».
وبالعودة إلى ريف دمشق كنموذج لواقع أفواج الإطفاء وإمكاناتها المتواضعة عموماً في واقع رقمي يبدأ بـ3 ملايين نسمة هم سكان المحافظة و(30) مدينة، وعشرات البلدات والقرى، وتحتوي عدداً كبيراً من المصانع والورش والمعامل الخاصة والعامة وتقدر مساحتها بحوالي (19) ألف كم، ورغم ذلك تفتقد مراكز الإطفاء، الإنقاذ بشكل خطير حسب توضيح «الكسم» الذي تابع بأن ما سبق «يظهر بشكل واضح في عشرات الحوادث المميتة والحرائق التي حصلت في المحافظة، ويتم انتظار وصول إطفاء المدينة بكثير من المناطق، وعلى سبيل المثال حريق مستودعات المنطقة الحرة بعدرا، وحريق معمل إسفنج العطار، وحريق مصنع الزيوت المعدنية ذو الغنى، وكارثة غرق طلاب المدارس في بحيرة زرزر التي ماتت فيها (8) طالبات ومواطنان اثنان حاولا الإنقاذ، إذ لا يوجد في محافظة ريف دمشق كلها فرقة إنقاذ متخصصة ومجهزة واحدة حتى اليوم، ومركبة الإنقاذ الوحيدة بريف دمشق هي من نوع (ماجريوس) وعمرها يتجاوز ربع قرن، وتتم صيانتها، لكننا كخبراء نؤكد أنها تعتبر ميتة مهنياً وفنياً».
 

والواقع الرقمي لإطفاء الريف أكثر وضوحاً فالفوج لدية (12) مركزاً، لكن هناك مركزين رئيسيين جيدين ومجهزين بعشر مركبات، الأول في دوما والثاني في داريا، ويضمان (3) آليات حديثة فقط، و(7) آليات قديمة، أما بقية مركز الإطفاء بريف دمشق كما كشف الكسم «فيعمل كل منها بمركبة واحدة قديمة أو مهترئة، وفي علم الإنقاذ والإطفاء والسلامة، هي غير صالحة لخدمات الطوارئ، وغير مجدية اقتصادياً، ومعظمها طراز قديم وغير فعالة، ولا تحتوي إلا المياه، ويعمل عليها عاملان متواضعان لا يمتلكان الخبرة الكافية ومعدات الاقتحام، وبعضهم كانوا عمالاً عاديين أو عمال نظافة تحولوا لعمال إطفاء، بعد دورات بسيطة لشهرين، وهم كبقية رجال الإطفاء بالبلاد لا يمتلكون ملابس رجال إطفاء وفق المواصفات (الأوروبية العالمية)، وهم لا يملكون معدات للاقتحام والإنقاذ الحديثة، في حين مركبات الإطفاء الحديثة يجب أن تحوي حتماً معدات: (إطفاء وإنقاذ ومولدة كهرباء صغيرة تغذي برج إنارة، وأدوات إسعاف) وذلك للتعامل السريع الفعّال مع مختلف أنواع الحرائق والحوادث، ولكل النقص الذي ذكرناه لا نستطيع أن نحمّل ضباط وعناصر الإطفاء مسؤولية الترهل والخسائر، وسبب الفشل الحالي ضعف التمويل، وتراجع التخطيط والدعم المركزي، وضعف وترهل وفشل لجان الشراء، وضعف لجان مؤسسة سيارات، ويتركز الدعم والتطوير عموماً بالتصريحات والوعود».

 

شام نيوز. الوطن