و خيرُ جليسٍ في الأنامِ فيس بوكُ

 

ساهرة صالح .شام نيوز

 


صفحات الكترونية داهمت البيوت بغير إستئذان واحتلت منها و من فكرنا مكاناً مرموقاً, لتصبح صابوناً للقلوب ومجلساً للندماء ...



أوليس المتنبي من قال عندما تنبأ لنا بالمستقبل :
أعزّ مكانٍ في الدنيا كرسيُّ مكتبٍ         و خيرُ جليسٍ في الأنامِ فيس بوكُ
إنّه البيئةُ المناسبة لخلقِ حياةٍ افتراضيةٍ تمشي بخطٍ متوازي مع حياتنا الحقيقية .
وهكذا لا مجال للتلاقي بين الحياتين.فما أجمل أن أكون إله الحكمة على الفيس بوك وأنا لا أملك منها قشة .ولا أحلا من أن أمتلك من الأصدقاء المئات و أنا لا أعرف منهم سوى عشرة.




والأجمل من هذا و ذاك أنّه يكفي لأحد ما أن يثير غضبي حتى أنهال عليه بثقل كلماتي المشفرة أو غير المشفرة و أجعله عبرةً لمن يعتبر, و كلّ هذا من بعيد دون الحاجة إلى جرأة المواجهة التي قد ينقلب فيها السحر على الساحر و العياذ بالله و أصبح أنا تلك العبرة ...

لا بدّ لهذا الفيس بوك من أن يشفي الغليل و يداوي العليل , وتتشكل فيه الأحلاف و تُنقض فيه العهود. وتُكتب الأحوال والمذكرات يوماً بيوم ليعلم القاصي و الداني أننا هنا باقون كالجدار.
فعلى سبيل المثال يكفي أن أكتب (( صباح الخير يا أصدقائي أنا اليوم مبسوط ))
وهذا يحتمل معنيين . إمّا أنني أحاول إغاظة أحدهم ,أو أنّي أّوجه تنبيه عام بعدم محاولة إزعاجي في هذا اليوم بالتحديد..

 

أو أن أكتب مثلا :(( في صباح ما استيقظت لأجد يده مرسومة على الحائط فأين هو يا ترى , في ضباب الليل غاب , وأخذ معه كل شيء))

إن أردتم الصدق , أنا نفسي لا أدري ماذا كتبت ولا حتى سيبويه على ما أعتقد سيستطيع فكّ هذه الألغاز و لكن , بقي معنى واحد وهو إظهار قدراتي الأدبية و الشعرية في الكتابة . ومن يدعي أنه لم يفهم فعذره مردود عليه أمام حشود الأصدقاء اللذين سيتهافتون للتعليق على حسن صياغتي و جمال بياني ..




أما إذا أردت أن أكتب مثلا : (( لالالالالا مو معقول شوفي ناس ما بتفهم و طقيقت براغي ))

فلا بد لأن يكون لما كتبت وقع الصاعقة بين من أعرفهم و من لا أعرفهم من أصدقاء الفيس بوك.
ولسوف ألقى من الردود المتضامنة معي ما يطمئن قلبي و ينشر الرعب في قلب من سولت له نفسه بإذائي ...



أمّا إذا قررت يوماً أن أحظى ببعض الدلال من الأصدقاء الفيسبوكيين فيكفي أن أكتب :
(( أنا اليوم مريض و مكتئب))
وعندها فقط سأنعم بالدلال المطلوب عبرَ كمِّ التعليقات الحريرية التي تثبت بما لا يدع مكانا للشك حب و تعاطف أصدقائي المثابرين على تفقد أحوال الرعية الفيسبوكية...

وفي حين أنني قررت الإنضمام إلى رتل المثقفين , فهذا هو أسهل مافي الأمر إذ يكفي أن أنضم إلى بعض ( الغروبات ) التي تعنى بالشأن الثقافي بالبلد وأطلق العنان لتعليقاتي على (الوول) التي لا تخلو بدورها من بعض الشتائم البذيئة الدّالة على عُمق ثقافتي و إيماني الخالص بحرية التعبير عن سخطي و غضبي على الجهل و الجاهلين ....


أولسنا محظوظين بما يسمى أصدقاء الفيس بوك ؟
أولسنا محظوظين بهذه المساحة من الحرية الإفتراضية لننال من بعضنا البعض أو ننسج من قصص العشق ما عجز عنه روميو و جوليت , ونختلق أشكالاً لا تشبهنا في شيء إلا الإسم
وننادي بمعتقدات و تطبيقات لا تمت لنا و لتصرفاتنا بِصلة ....
و نتبرأ من أفعالٍ قمنا بها لنلصق فشلها بِغيرنا ...
أولسنا محظوظين؟



إنّهُ كمٌّ من الحظِّ ربما لن نستطيع تحمله .أو ربما لن يستطيع هو نفسه تحملنا ...



* وكانت قد ظهرت دراسة مؤخراً أوضح القيمون عليها من جامعة تورنتو الكندية،أن الفيس بووك يعتبروبرأيهم أكثرالأمكنة مناسبةً  للمغرورين و النرجسين الذين يَعرِضون تفاصيل حياتهم الخاصة وبشكل كامل على موقع الفيس بووك  .....


- و هنا نعود لنسأل ,أ
لسنا محظوظين بما يسمى الفيس بووك ؟؟