FOREIGN POLICY -لاتشعروا بالحماسة

ستيفن والت

ترجمة سهير الذهبي

اذا كنتم تعتقدون بان اعلان استئناف المفاوضات الاسرائيلية الفلسطينية هو خرق كبير فانتم اذاً لم تكونوا تعيرون انتباها حقيقيا لما كان يحدث خلال العقدين الماضيين.. اتمنى لو انني كنت اكثر تفاؤلا حيال هذا التطور الاخير ولكنني في الواقع ارى دليلا صغيرا على عدم حدوث اي اتفاق ذي قيمة .

لماذا اقول هذا الكلام؟... للاسباب الثلاثة التالية:

1-   لا توجد اي مؤشرات تدل على ان الفلسطينيين مستعدون للقبول بما هو اقل من دولة قابلة للحياة، متماسكة جغرافيا في الضفة الغربية "وفي غزة في نهاية الامر" بما في ذلك عاصمة في القدس الشرقية ، وصيغة سياسية من نوع ما في ما يتعلق بقضية اللاجئين.. وعلى كل حال فإن هذه هي النتيجة التي كان يفترض بإدارتي كلينتون وبوش وادارة أوباما ايضا ان تدعمها.

2 - لا توجد اي مؤشرات تدل على أن الحكومة الاسرائيلية مستعدة لقبول اي شيء يتجاوز "دولة" فلسطينية رمزية تشتمل على مجموعة متفرقة من الكانتونات، تواصل فيها اسرائيل السيطرة التامة على حدودها وفضائها وموارد مياهها ومجالها الكهرومغناطيسي..... الخ... وقد اوضح رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو ان هذا هو ما يعنيه بـحل الدولتين, مؤكدا ان اسرائيل تنوي الاحتفاظ بكامل القدس وربما على وجود عسكري على المدى البعيد في غور الاردن... فهناك الان حوالي خمسة آلاف يهودي اسرائيلي يعيشون خارج حدود عام سبعة وستين , ومن الصعب تصور ان اي حكومة اسرائيلية يمكن ان تقوم باجلاء نسبة كبيرة منهم. وحتى لو اراد نتنياهو ان يكون أكثر جرأة، فإن ائتلافه لن يسمح له بتقديم أي تنازلات ذات معنى. وفيما تستمر المحادثات ببطء، فإن المستوطنات غير المشروعة ستستمر في التوسع.

3-   ليس هناك اي مؤشر على أن الحكومة الامريكية مستعدة لبذل ضغوط  كبيرة على اسرائيل. فنحن مستعدون لأن نلوي ذراع (الرئيس الفلسطيني) محمود عباس الى حد الكسر (وهذا هو السبب الذي دعاه للقبول بالمحادثات، حتى وإن واصلت اسرائيل قضم اراضي الدولة الفلسطينية المستقبلية)، غير أن أوباما وفريقه المختص بشؤون الشرق الاوسط تخلوا منذ زمن عن أي تظاهر ببذل ضغوط متواضعة على نتنياهو. في مثل هذه الحالة، ما الذي يدعو أي شخص إلى الاعتقاد بأن نتنياهو سيغير شيئاً في مواقفه؟.

بناء على ذلك لا ينبغي ان تنخدع بأن هذا إعلان استئناف المفاوضات المباشرة يشكل تقدماً من أي نوع في "عملية السلام"...

ومن المحتمل ان جورج ميتشل وفريقه يعتقدون أنهم في طريقهم للوصول إلى شيء ما، إلا أنهم  يخدعون انفسهم.. أو يحاولون خداعنا.. أو التظاهر كذباً أمام دول عربية لحملها على الاعتقاد بأن اوباما يعني ما قاله في القاهرة... وعند هذه النقطة أشك في أن أي فرد يصدق ذلك، فالشيء الوحيد الذي يمكن ان يقنع المتابعين بأن السياسة الاميركية قد تغيرت هو حصول نتائج ملموسة. أما إجراء جولة اخرى من "المحادثات" فسيعزز الفكرة المتنامية القائلة بأن الولايات المتحدة لا تستطيع تحقيق اي نتائج.

أما الشيء الوحيد الذي يستوقفني في كل هذا فهو بيان اللجنة الرباعية الذي يبدو للوهلة الاولى انه يعني ما يقول. فهو يدعو بصراحة من بين أمور اخرى الى "تسوية يتفاوض عليها الطرفان، يمكنها ان تنهي الاحتلال الذي بدأ عام سبعة وستين , ويؤدي الى قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة ومستقلة وديمقراطية تعيش جنبا الى جنب في سلام وأمن مع اسرائيل والدول المجاورة الاخرى".

البيان يقول ايضا إنه بالإمكان إكمال هذه المحادثات خلال عام واحد. وفي الحقيقة يبدو هذا واعداً ، الا ان الرباعية اصدرت بيانات مماثلة من قبل , وعلى وجه الخصوص "خارطة الطريق للعام 2003"  ولم تسفر عن أي شيء تحديداً. وهكذا فانه قد يكون هناك شعاع من الامل في مكان ما، وان كنت لا اراهن على ذلك.

من ناحية اخرى، فإن كلا من الديمقراطيين والجمهوريين في الولايات المتحدة سيواصلون اصدار بيانات غير صادقة في التزامهم بحل الدولتين، حتى وان بدأ ذلك في الذوبان شيئا فشيئا في عالم الاستحالة. ولكن اذا حدثت معجزة، فإن علينا أن نعترف بأن "دولتين لشعبين" قد أصبح أضغاث أحلام. وعندها سيجد الزعماء الاميركيون انفسهم في مواجهة خيار صعب.. إذ بإمكانهم أن يؤيدوا دولة اسرائيلية ديمقراطية يكون لليهود والعرب فيها حقوق سياسية متساوية (بمعني دولة ديمقراطية واحدة مثيلة للولايات المتحدة حيث يُحظر فيها التمييز العنصري على اساس الدين او العرق)، أو أن  يؤيدوا دولة عنصرية تقوم على مبادئ تناقض أساساً روح القيم الاميركية.

وبنفيس القدر من الاهمية  فإن دولة اسرائيلية تقوم على الفصل العنصري ستواجه استنكارا دوليا متناميا .. حيث حذر  رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق ايهود اولمرت ووزير الدفاع الحالي ايهود باراك من ان امرا كهذا سيضع مستقبل اسرائيل كله موضع شك وتساؤل  اذا ما حدث.

واذا حدث هذا، فسيكون على جميع "أصدقاء اسرائيل" المتعنتين الذين صاغوا الدبلوماسية الاميركية لعقود من الزمن ان يفسروا لاحفادهم كيف سمحوا بذلك.

اما بالنسبة الى ادارة اوباما تحديدا , فليس لدي اكثر من تعليق واحد: اذا كنتم تعتقدون انني تشاؤمي، فتفضلوا واثبتوا خطأي امام العالم. وان استطعتم ذلك فساكون اول من يعترف لكم بصحة اقوالكم.

FOREIGN  POLICY - 22 - 8 - 2010

ستيفن والت