Le Monde Diplomatique : صحوة عربية جديدة..ليست مع الغرب ولا ضده

كتب نائب رئيس تحرير صحيفة "لو موند ديبلوماتيك" الفرنسية آلان غريش مقالا حول اتجاهات التحركات الشعبية العربية جاء فيه:
"دولة إسلامية كبيرة غارقة في الإضطرابات والتظاهرات. وقد تسبب هذا في تحطيم أساس السياسة الأميركية في تلك المنطقة بسبب الحكم السلطوي، واستغلال الثروات من قبل عائلة الرئيس. حيث كان هناك ثمة أزمة اجتماعية واقتصادية، فيما تخلت واشنطن عن حليفها القديم، ووزيرة خارجيتها تحث الديكتاتور على التنحي وإفساح المجال امام الانتقال الديموقراطي.
قد يبدو هذا الحديث عما حدث في مصر عام 2011، لكنه في الواقع عن اندونيسيا في أيار 1998، ودعوة الرئيس سوهارتو للتنحي جاءت من قبل مادلين أولبرايت، وليس هيلاري كلينتون. كان سوهارتو قد وصل إلى السلطة بمساعدة الاستخبارات المركزية الأميركية من خلال انقلاب أودى بحياة نصف مليون من الشيوعيين، أو المشتبه في كونهم شيوعيين.
الثورات في تونس ومصر، وفي ليبيا، وكل تلك التحركات الشعبية التي هزت المنطقة لا تتعلق فحسب برغبة الناس في الحياة والتقدم، لكنها تتعلق أيضا بالسياسات في المنطقة. للمرة الأولى منذ السبعينيات، لا يمكن تحليل الأمور الجيوسياسية دون أخذ طموحات الناس الذين استعادوا السيطرة على مصائرهم بعين الاعتبار، على الأقل بشكل جزئي.
هذه بالتأكيد الحالة في مصر. حتى وإن كان من المبكر التنبؤ بالسياسات الخارجية، فإن واشنطن فقدت حليفا حقيقيا: لقد اعتمدت الاستراتيجية الأميركية في المنطقة على مصر، إلى جانب إسرائيل (التي وقع معها السادات اتفاقية سلام عام 1979) في الثلاثين عاما الأخيرة.
وقد طمأن المجلس العسكري الأعلى للقوات المسلحة، والذي يتولى السلطة في مصر حاليا، كلا من واشنطن وتل أبيب بأنه سيحترم التزامات مصر الدولية، في إشارة إلى اتفاقية كامب ديفيد الموقعة عام 1978، ومعاهدة السلام المصرية-الإسرائيلية التي تعود لعام 1979. ومن غير المرجح أن يرغب المصريون في العودة إلى حالة الحرب، لكنهم لا يعتبرون هذه الاتفاقيات أساسا للسلام والاستقرار في المنطقة، بل العكس تماما.
سيعتمد مجال المناورة لدى مصر على قاعدتها الاقتصادية، التي أضعفتها سنوات "التحرير"، التي بدأها السادات بـ"الانفتاح"، لتبقى مصر معتمدة على المساعدات العسكرية والغذائية الأميركية، والتمويل من قبل الاتحاد الأوروبي، الذي يملك الآن اقتصادا هشا. ويقترح بعض المعلقين أن مصر يمكن أن تتبنى سياسة خارجية مستقلة مثل تركيا.
وقد فقدت السلطة الفلسطينية حليفا مخلصا هو مبارك، الذي عارض مصالحة السلطة الفلسطينية و"حماس"، ودعم سياستها في التفاوض مع إسرائيل. ولا بد ان السلطة الفلسطينية تستشعر التغيير.
ففي شباط طلب أوباما من الرئيس الفلسطيني محمود عباس سحب مشروع قرار من مجلس الأمن كانت السلطة قد جدولته، لإدانة البناء الاستيطاني الإسرائيلي.
رفض عباس، في علامة على تصلب موقفه تجاه الولايات المتحدة. فهل يمكن لانعدام التقدم السياسي أن يؤدي إلى إلهام الشباب في الضفة الغربية وغزة، للتعبير عن رغبتهم في الحرية والكرامة؟ هل سيقدمون صراعهم في صورة حقوق الإنسان والمساواة؟ ووفقا لصحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية، فإن الجيش الإسرائيلي يعد لقوة رد فعل سريع لمواجهة ذلك.
في هذه اللحظة فإن إسرائيل مشلولة، وتبالغ بشكل متعمد في تضخيم دور الإسلاميين، مشيرة إلى أوجه التشابه مع الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، وتشحذ سيوفها بصوت مرتفع أكثر بشان "التهديد الإيراني"، الذي تعتقد أن العالم لا يفهمه. وقد أخبرت جنودها بأنها قد تأمر بمهاجمة لبنان مرة اخرى، كما حذر وزير الدفاع إيهود باراك في زيارة حديثة إلى الجبهة الشمالية.
لقد منع منظمو تظاهرات القاهرة الشعارات المناهضة لإسرائيل والولايات المتحدة، وقرروا التركيز على معارضة نظام مبارك. لكن في الاحتفال الضخم في القاهرة يوم الثامن عشر من شباط، بعد تنحي مبارك، هتف كثيرون من أجل تحرير القدس.
وكان الجنرال ديفيد بترايوس، رئيس القيادة المركزية الأميركية، قد قال في آذار 2010: "الغضب العربي بسبب القضية الفلسطينية يقيد مدى قوة وعمق الشراكة الأميركية مع الحكومات والشعوب في المنطقة ويضعف من شرعية الأنظمة المعتدلة في العالم العربي". ولا بد للسياق الجيوسياسي أن يجبرالإدارة الاميركية على اتخاذ خيارات حاسمة، لكن هل تملك الإرادة والقدرة على فعل ذلك؟
خلال سنوات قليلة، أصبح العالم متعدد الأقطاب. كل دولة كبيرة، بما فيها البرازيل، الصين، الهند وجنوب إفريقيا، تحاول أن تجد لها مكانا- ليس في معارضة ولا طاعة الولايات المتحدة، بل إلى جانبها، للدفاع عن مصالحها الخاصة. تركيا عضو في حلف شمال الأطلسي وحليفة للولايات المتحدة، لكنها تلعب دورا أساسيا في المنطقة من خلال اتخاذ موقف مستقل تجاه البرنامج النووي الإيراني وفلسطين. شمال إفريقيا والشرق الأوسط تريد الانضمام إلى هذا التحرك العالمي. فقد كتب غراهام فولر، وهو ضابط سابق في السي أي ايه، ومؤلف "مستقبل الإسلام السياسي": "ما تطالب به شعوب المنطقة هو القدرة على التحكم بحياتها ومصائرها. وعلى الولايات المتحدة أن تترك هذه المجتمعات وشأنها، وتنهي الوصاية السياسية طويلة الأمد على شعوب الشرق الأوسط المبنية على رؤى ضيقة الأفق للمصالح الأميركية".
وفي العام 1979 هتف المتظاهرون الإيرانيون "لا شرقية ولا غربية"، ليعارضوا بذلك كلا من الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي. ويمكن ان يكون الشعار في العالم العربي الان "لسنا مع الغرب ولا ضده"، للتعبير عن رغبتهم في الاستقلال والسيادة في عالم متعدد الأقطاب. و"سيحكمون على الغرب من خلال قدرته على الدفاع عن مبادئ العدالة والقانون الدولي في كل مكان، خاصة في فلسطين. لكنهم لن يسمحوا لحكوماتهم باستغلال الصراع ضد الغرب لتبرير الاستبداد".
آلان غريش - لوموند ديبلوماتيك