Newyork Times: حكام مصر العسكريون يهددون مكاسب ميدان التحرير

نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" مقالاً في صفحة الرأي كتبه معز مسعود، وهو مقدم برامج تلفزيونية مصري وخبير في الشؤون الاسلامية وماثيو انغولز وهو استاذ مساعد في قسم الدراسات الاسلامية في جامعة بيوجيت ساوند في تاكوما بولاية واشنطن عن دور المجلس العسكري الاعلى في مصر في الحياة السياسية في البلاد تحت عنوان "حكام مصر يهددون مكاسب ميدان التحرير". وهنا نص المقال:
"بينما نقترب من الذكرى الاولى لثورة مصر، تتسبب الاحتجاجات المتجددة في استقطاب في الرأي العام المصري بشكل لم نره منذ الاحتلال الاولي لميدان التحرير.
ويقول اولئك الذين يؤيدون الحكام الانتقاليين، المجلس العسكري الاعلى، ان المحتجين الشباب الذين عادوا الى الميدان هم، في افضل الاحوال، قليلو الصبر وطماعون. او، في الاسوأ، يجري تصوير النشطاء بانهم خونة وفوضويون – وانهم ليسوا الشبان المثاليين الذين اطاحوا في كانون الثاني 2011 "بالطاغية" من السلطة، وانما هم صنف جديد من المخربين، بل ان بعضهم يدين بالولاء لجهات اجنبية تسعى الى زعزعة استقرار مصر. وتقول حجة هؤلاء ان حسني مبارك يحاكم والمقربين منه على جرائمهم وانهم على الاقل فقدوا مناصبهم. كما ان انتخابات برلمانية حرة تجرى حالياً استجابةً لمطالب ثوريي 2011 الرئيسية.
لكن ثقافة سياسية سامة استمرت بعد الثورة وهي التي تتسم بها الى حد كبير مقاربة حكام مصر الانتقاليين. والواقع ان وعود المجلس العسكري في العام الماضي بمستقبل افضل تقطع ما كان في وقت من الاوقات تشككا مصرياً عاماً تجاه كل ما هو سياسي. لكن البلاد ما زالت عالقة في خمول سياسي معوق على المستوى المؤسسي، وهذه دعوة للتشكك الى التجدد. ويقول مصريون كثيرون ان المجلس العسكري اعتنق الاستراتيجية السياسية القديمة القائمة على التنصل من المسؤولية عن مشكلات مصر بانكاره اللوم على الدماء التي ما زالت تسفك بينما هو في السلطة.
وتنوع المحتجون الذين بقوا في ميدان التحرير: فكان هناك قادة الثورة الاصيلون الذين حفزوا مواطنيهم على التحرك، والمتطرفون الزئبقيون الذين تحولت اهتماماتهم سابقا بتسجيل اهداف كرة القدم الى الحماس السياسي الجديد، كما ان هناك الاقباط المسيحيين الذين يرفضون القبول باسلوب تباعد الجيش في وجه التوترات الطائفية المتجددة، وهناك ايضا النساء المصريات اللائي وجدن في الحكومة الجديدة الكراهية المؤسساتية ذاتها التي اوصلتهم الى الميدان قبل احد عشر شهرا.
وكان من بين المحتجين اثرياء مصريون، وليبراليون واسلاميون منبوذون. ويسود الشبان بينهم، الا ان نظرة متعمقة تكشف عن وجود اناس ابيض شعر رؤوسهم. واذا صدق منتقدوهم في القول انه لا يمكن التفاهم معهم، فان ذلك لا يعود الا الى ان المحتجين قلما يتفقون في ما يصدر عنهم من اقوال، ويرفضون كالاطفال الاستماع الى صدى الرعاية للمؤسسة العتيقة. واذا كانت هناك روح توحد بينهم، فانها الغضب المبرر تجاه تمسك المؤسسة برأيهأ.
وكان استمرار تعامل الثقافة السياسية القديمة لحرية التعبير والمعارضة السياسية واضحا للغاية الشهر الماضي حين هاجم الجنود 10 جماعات تروج للديمقراطية، كانت ثلاث منها على الأقل ممولة أميركيا في القاهرة، إلى جانب منظمات غير حكومية أخرى.
كما قدمت الصورة المذلة "للمرأة ذات حمالة الصدر الزرقاء" وهي متظاهرة كانت عباءتها المتواضعة قد سحبت لتنكشف ملابسها الداخلية بينما كانت تسحل في الشارع، دليلا مخيفا على أن الأساليب العنيفة لما قبل الثورة في مصر لم تقتلَع. وسيكون المجلس العسكري حكيما إن تذكر الصورة المرعبة لخالد سعيد بعد موته، وهو شاب مصري ضربته الشرطة بوحشية عام 2010 وعثر عليه ميتا بعد دقائق، وكانت تلك الصورة رمزا جمع المتظاهرين الذين أسقطوا ديكتاتورا حكم لثلاثين عاما، ووزارة داخليته.
ويبقى من غير الواضح من الذي يتحمل مسؤولية مقتل المئات – ربما أكثر من 1000- من المتظاهرين منذ بدء الثورة المصرية، وقد حكم على رقيب بالشرطة غيابيا. وفي غضون ذلك، أدت تبرئة ستة من ضباط الشرطة من تهمة قتل المتظاهرين الشتاء الماضي إلى إثارة العواطف المحلية، وسقط العديد من الضحايا الآخرين، منهم عشرات المصريين الذين جرحت أعينهم بإطلاق النار عمدا عليها برصاص مطاطي أو الكريات، منذ كانون الثاني (يناير) الماضي.
حتى الآن، وفي أكثر التحليلات تفاؤلا للأحداث، فقد أجلت الحكومة الانتقالية مساءلتها عن هذه الجرائم إلى أجل غير مسمى. وأدى غضب المتظاهرين المفهوم من تأخر العدالة إلى زيادة عدم ثقتهم في حكامهم الموؤقتين. والنتيجة هي حلقة مفرغة من العنف تخلق دافعا أكبر للمجلس العسكري لتجنب المساءلة مستقبلا.
وهذه هي بالتحديد الطريقة التي يولد بها التشاؤم في مصر من جديد. وإذا لم تكن القوى السياسية الحالية ستخطو بحذر، فان الحكومة المنتخبة بحرية التي وعد بها المصريون في 2012 يمكن ان تواجه صراعا طويلا غير منتج على السلطة مع المؤسسة العسكرية التي سيكون لديها أسباب كثيرة لتبقى دولة داخل دولة – ذات حكم ذاتي و،بطريقة معهودة مقبضة، كياناً لا يمس.
شام نيوز - Newyork Times