THE GUARDIAN : الاخوان المسلمون في مصر يتهيأون للنهوض بعد انتهاء عهد مبارك

يصعب على المرء ان يخطئ في التعرف على المقر الرئيس للاخوان المسلمين في منطقة المقطم في العاصمة المصرية – انه بناء من ستة ادوار تصل اليه عبر طريق مغبر ويدل عليه شعار من كتاب الله وسيفان متعارضان، يزين واجهة المبنى. اما الديكور الداخلي فانه خليط من أرضيات من خشب الباركيه المزركش وثريات الكريستال والستائر المخملية والاثاث المذهب.
وفي القاعة يقوم فريق من محطة تلفزيون الاخوان ياجراء لقاء مع شخصية مهمة فيما كان مساعد له بملابس انيقة وذقن محلوقة يحوم حوله بصورة ملفتة.
قال عصام العريان، المتحدث الخبير والناطق اللبق بلسان الاخوان: "بعد مرو 100 يوم على الثورة، نشعر باننا واثقون من ان الثورة تسير في الطريق السوي. فخلال بضعة اشهر سيكون لنا برلمان جديد وبعد ذلك دستور جديد لمصر جديدة".
يعتبر المقر الرئيس للاخوان في منطقة المقطم تطورا كبيرا مقارنةً بالمقر القديم المهترئ في ضاحية قريبة من السوق على ضفاف النيل، وهو يعيد الى الذاكرة التاريخ الطويل الذي مضى على الحركة عندما كانت محظورة، وغالبا ما تعرض نشطاؤها الى المضايقة والاعتقال والمحاكمة امام القضاء العسكري وأجبر النواب الطامحون الى عضوية مجلس الشعب لان يرشحوا انفسهم بصفتهم مستقلين.
اما الان فان الثقة بالنفس تملأ كل شيء، وهناك شعور بان اقدم الحركات الاسلامية في العالم التي تبنت الديمقراطية وتخلت عن عنف الماضي، تعد نفسها للنهوض بعد فترة مبارك. بل انها تخطط ايضا لتشكيل فريق لكرة القدم للمشاركة في منافسات دوري الفرق الرسمية في البلاد، ما اثار نكتة عن فرض عقوبة البطاقة الصفراء لكل حالة من حالات شد اللحى.
وكان العريان واثنان من كبار زعماء الحركة قد استقالوا من القيادة لتأسيس حركة الحرية والعدالة للدخول في سباق انتخابات أيلول – وهي اول انتخابات حرة في مصر منذ ثورة 1952. وقال ان الحزب الجديد وجماعة الاخوان المسلمين التي مضى عليها 83 عاما "تعملان لنفس الاهداف والمهام، ولكن بادوار مختلفة".
وتفيد التكهنات بان يتمكن حزب الحرية والعدالة من الحصول على دور رئيس في البرلمان الجديد بحيث يستولي على 20 في المائة من المقاعد، لانه – حسب ما يقال – فان التوجه السابق لمواجهة النظام سيصيبه الضعف في ديمقراطية الاحزاب المتعددة.
ولم يقم الاخوان بتنظيم احتجاجات ميدان التحرير، ولكنهم ايدوها عندما بدأ النظام يترنح. وهم حريصون على تحاشي ان يُنظر اليهم على ان لهم مطامح واسعة او انهم مصدر تهديد. ويقولون ان حزب الحرية والعدالة سيرشح افرادا في 50 في المائة من المناطق الانتخابية، ولكنهم لن يرشحوا احدا لانتخابات الرئاسة المقبلة (وان كان المرشح المستقل عبد المنعم أبو الفتوح يأتي من خلفية الاخوان الاصلاحية). واضاف العريان "الوقت غير مناسب لاتخاذ قرارات، انه للوقوف صفا واحدا ودفع مصر من الدكتاتورية الى الديمقراطية".
لكن منتصر الزيات، وهو محام اسلامي مرموق، يعتقد ان الامر سينتهي بالاخوان وقد سيطروا على ما يصل الى 60 في المائة من المقاعد النيابية، لان منافسيهم العلمانيين والليبراليين منقسمون واقل خبرة من الاعضاء القدامى من الحزب الوطني الديمقراطي الذي كان يرأسه مبارك والمنحل حاليا، الذين قد يرشحون انفسهم كمستقلين في مناطقهم الانتخابية السابقة.
ويقول المعارضون انهم يتوقعون نتائج ضعيفة بسبب الانقسامات الداخلية للاخوان وهوة الجيل الواسعة، ولان النظام القديم والحكومات الاجنبية بالغوا في ما يتعلق بتماسكهم واهميتهم والاخطار التي يمكن ان تؤدي الى قيام دولة اسلامية على غرار ايران على ضفاف النيل. كما تعتبر اعمال نشطائهم المتواصلة – بتوفير خدمات اجتماعية وعيادات ومدارس لملء الفراغ الذي أوجدته دولة متداعية الى حد كبير – اكثر اهمية من اي نشاط سياسي علني.
وقالت منى مكرم عبيد، عضو البرلمان سابقا عن حزب الوفد الليبرالي: "لا اود ان ارى الاخوان يمسكون بزمام السلطة، وان كان من الامور الطيبة انهم دخلوا المعترك السياسي. ومن المضحك ان ندعوهم "الحزب المحظور" عندما فازوا بـ88 مقعدا في انتخابات العام 2005. وقد اضفى عليهم ذلك هالة من القدسية. وما ان يسمح لهم بالمشاركة فان تلك الهالة ستختفي".
ويعرب الصحافي المخضرم في "الاهرام" هاني شكر الله عن اتفاقه ويقول: "الاخوان لن يعودوا بعد الآن كما كانوا. المناخ المثالي بالنسبة اليهم كان الحكم المتسلط. اما في المجال السياسي التعددي فسيكون الامر صراعاً بين برامج واجندات، وليس صراعاً بين الايديولوجيات والدين".
ومع ذلك، فان المصريين الليبراليين، واليساريين والمسيحيين قد يواجهون مشكلة اكبر بكثير من الاخوان مع الظهور الجديد للسلفيين الاصوليين الذين يسميهم احد المفكرين من دون تردد "طالبان مصر". وكان اعضاء هذه المجموعة التي تتبع تفسيراً حرفياً للقرآن مقموعين في عهد مبارك وكانوا مرتبطين عقائدياً بجماعات عنيفة مثل الجماعة الاسلامية (التي اصلحت الآن).
بالإضافة إلى ذلك، فإن الليبراليين يدعون أن الجيش سعى لمساعدة السلفيين القياديين، مثل الشيخ محمد حسن، من أجل الترويج للتعايش المشترك والتصالح بعد العنف الطائفي بدلا من مواجهتهم. وفي نيسان (ابريل)، ألقي اللوم على السلفيين في قطع خطوط السكك الحديد خلال مظاهرات احتجاجا على تعيين محافظ قبطي في محافظة قنا جنوب مصر. وقد اتخذت الحادثة التي وقعت في حي امبابة الذي تسكنه الطبقة العاملة بالقاهرة، حين قتل 12 شخصا في هجوم على كنيسة قبطية، سببا لإثارة ردة فعل قاسية.
يشكو الإسلاميون من أنهم يتعرضون للتجريح المتعمد. وقال الزيات: "لقد أصبح السلفيون مثل "الفزاعة". كان الإخوان المسلمون هم "الفزاعة" في الماضي، والآن يستخدم العلمانيون السلفيين لمهاجمة الإخوان". وتتهم جماعة الإخوان المسلمين بدورها خصومها بالإساءة إليها من خلال الدمج بينها وبين السلفيين. وقال علي عبد الفتاح، وهو قيادي في الإخوان من الاسكندرية: "أولئك الذين يخشوننا لا يعرفوننا، وبعض الصحافيين يحاولون الخلط بيننا وبين جماعات دينية أكثر تشددا".
ويؤكد السلفيون أن اولويتهم هي الدعوة، بمساعدة الدعاة الشعبيين، والبرامج التلفزيونية ومواقع الانترنت التي تمولها السعودية، موطن المذهب الوهابي المقارب للسلفية. وحتى وقت قريب، كان السلفيون في مصر أقرب إلى مدرسة فكرية من منظمة- ويصفهم أحد أشد منتقديهم العلمانيين مدحت الخفاجي بأنهم "جهلاء لا يعرفون شيئا عن العالم الأوسع". لكنهم يتكيفون مع الأضواء وبدأوا يتركون هدوءهم التقليدي لصالح النشاط السياسي. وقد اعتبروا ان نتائج الاستفتاء على الدستور في آذار (مارس) الماضي "انتصار للدين". وهم يخططون الآن لتشكيل حزبين جديدين "الفضيلة" و"النور"- للمشاركة في الانتخابات البرلمانية في أيلول (سبتمبر) المقبل.
وقال الشيخ عبدالمنعم الشحات، وهو ناطق بارز باسم السلفية في الاسكندرية: "لقد فرض النظام السابق ضغطا شديدا علينا لوقف انتشار أفكارنا لكن الناس يرون الآن عدد السلفيين الموجودين"، وكان الشحات قد حذر من أن دستورا ليبراليا لفترة ما بعد مبارك سيكون "كارثة" بالنسبة الى مصر. وأضاف: "نريد دستورا ديموقراطيا لكنه يجب أن يكون متوافقا مع الشريعة الإسلامية. لن نقبل بمسيحي أو امرأة في منصب رئيس مصر. الليبراليون يريدون دستورا ديموقراطيا لكن بعضه سيكون معارضا للشريعة، خاصة في القضايا الأخلاقية الشخصية".
وفي مشهد سياسي سريع التغير، لا يبدو أي من ذلك سيطرة إسلامية مثلما يخشى العلمانيون. لكن من الواضح أن دور الإسلام في الحياة العامة في مصر سيكون أكبر في الفترة التي سماها العريان "الانتقال من حكم الفرعون إلى حكم الشعب".