THE GUARDIAN : راتكو ملاديتش.. صاحب مجزرة سربرنيتشا وسيرته

نشرت صحيفة "ذي غارديان" البريطانية تقريرا حول سيرة حياة الجنرال الصربي راتكو ملاديتش، العقل المدبر لتدمير البوسنة وارتكاب مجازر وحشية فيها ضد المسلمين، وذلك غداة القاء الشرطة القبض عليه أمس في قرية لازاريفو الصربية، وهو ما قالت الصحيفة إنه "ينهي أكثر من عقد من الخداع بالنسبة الى أطراف عديدة في البلقان وغيرها".
وجاء في التقرير: "بقيت الديموقراطية في صربيا ما بعد (الرئيس الصربي السابق سلوبودان) ميلوسيفيتش موصومة بالعار ومعزولة طوال الفترة التي كان فيها الجيش والمؤسسات الأمنية ورجال العصابات يحمون الجنرال.
وقد تأثرت سمعة كل من الأمم المتحدة وحلف شمال الاطلسي (ناتو)، وفرنسا، وأقوى الخدمات التجسسية في العالم بسبب تسامحهم مع ملاديتش وفشلهم الطويل أو ترددهم في إلقاء القبض على الرجل الذي قيل إنه السفاح الأسوأ سمعة في أوروبا.
بالنسبة الى المدعين والمحققين في لاهاي، فإن ضمان وضع ملاديتش أخيرا في قفص الاتهام سيمثل قمة 16 عاما من الكد الذي كان في أحيان كثيرة بلا جدوى بين القبور الجماعية، وخزائن الملفات الحكومية، وأرشيفات الفيديو، والتحقيق مع الشهود في البلقان.
ملاديتش وشريكه في الجريمة رادوفان كراديتش، كانا القائدين سياسيا وعسكريا، وأطلق عليهما لقب "المختل عقليا والطبيب النفسي"، من صرب البوسنة خلال حرب 1992-1995. وكان الرجلان، اللذان صارا كلاهما قيد الاعتقال الآن (قبضت الاستخبارات الصربية على كراديتش عام 2008)، من صنائع نظام ميلوسيفيتش في بلغراد، في بدايته على الأقل.
وأسوأ ما يعرف به ملاديتش هو مسؤوليته عن ارتكاب أكبر مجزرة في حرب البوسنة في سريبرينتشا قرب نهاية الحرب عام 1995.
لكن خلال السنوات الأربع السابقة لذلك، كان أكثر الأدوات قسوة وإصرارا في استراتيجية ميلوسيفيتش المدمرة الرامية لاختطاف يوغوسلافيا وتشكيل صربيا عظمى من بقايا البوسنة وكرواتيا وكوسوفو.
وكان ذلك مشروعا كتب له الفشل الذريع. اذ ان كوسوفو الآن دولة مستقلة عن صربيا بينما ستحتفل كرواتيا وسلوفينيا الشهر المقبل بعشرين عاما منذ إعلان استقلالهما عن يوغوسلافيا.
في حزيران قبل أسابيع من حروب اليوغوسلاف التي بدأت بمناوشات في سلوفينيا، كان ملاديتش – الضابط في الجيش اليوغوسلافي وخريج الأكاديميات العسكرية في بلغراد- قد عين القائد العسكري لوحدة الجيش اليوغوسلافي في كنين، وهي مركز مقاطعة مغبرة في جنوب غربي كرواتيا كانت مقرا للتمرد الصربي في كرواتيا.
وخلال ستة أشهر ساعد ميلوسيفيتش في تقسيم كرواتيا، مسيطرا على ربع البلاد، وفي عملية سحق بلدة يوكوفار على نهر الدانوب، التي أصبحت أكثر رموز الحملة إثارة للرعب. وعززت تلك المكاسب نتيجة خطة سلام للأمم المتحدة في كانون الثاني عام 1992، أعدها سايروس فانس، وزير الخارجية الأميركي السابق الذي أصبح المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى تلك المنطقة.
بعد شهرين من سريان خطة السلام، سحب ميلوسيفيتش الذي كان على دراية بأفعال ملاديتش غير القانونية والوحشية، رجاله من كرواتيا إلى مسقط رأسه البوسنة، حيث حشد مؤيديه. ووفقا لملفات جيشه التي حصل عليها المحققون في لاهاي، أصبح قائدا لجيش صرب البوسنة في أيار 1992 حين "طهر" ميلوسيفيتش القيادة العليا في بلغراد وفصل رسميا البوسنيين عن الجيش اليوغوسلافي.
وأعقب تعيين ملاديتش زوبعة من القتل والمذابح والحصار، والدمار الذي أدى إلى نشوء مصطلح "التطهير العرقي".
ووصفه مسؤول كبير في الأمم المتحدة، قضى ساعات في مساومة ملاديتش خلال أيامه الأولى في كنين، بأنه "مختل عقليا- فائق الذكاء وعنيف للغاية".
ولم يكن ملاديتش يحب شيئا أكثر من الاستعراض كضابط صربي فخور، يختلط بالجنرالات الفرنسيين والبريطانيين والقادة الاميركيين على قدم المساواة.
والحرب التي خاضها في البوسنة كانت على أي حال حرب المستقوي والجبان في آن معاً- اذ كانت حرباً ضد مدنيين عزل. وخلال شهور من اندلاع حرب البوسنة، نهاية عام 1992، أسفر القصف الذي أمر به ملاديتش عن قتل عشرات الآلاف من المسلمين البوسنيين، وإجبار مليونين منهم على الهروب، وتعرضت بيوتهم للنهب والحرق، وتم تجريف قبورهم ومساجدهم بحيث لم يعد أحد يتعرف على أماكنها.
وسيطرت قواته على 70% من البوسنة وأدخلت حكما إرهابيا على النمط النازي هدفه التخلص من غير الصربيين جميعا.
والاتهامات الـ 15 بالإبادة العرقية والقتل والاستئصال وأخذ الرهائن، والملاحقة القضائية التي يواجهها الآن في لاهاي، كانت هي الوسائل، وفقا لما ورد في لائحة الاتهام، "لتصفية أو الترحيل الدائم، بالقوة أو بوسائل أخرى للمسلمين البوسنيين والكروات وغيرهم من السكان غير الصرب من مناطق واسعة في البوسنة".
وكانت مذبحة سريبرنيتشا- عندما اجتاح ذلك الجيب في تموز 1995 مع شعاره الإجرامي "لا تقلقوا، فلن نؤذي أحدا"- هي الذروة الرهيبة للمشروع الصربي في البوسنة.
وبحلول نهاية ذلك العام وجهت إليه اتهامات بالإبادة العرقية في سريبرنيتشا، بينما كان يواجه بالفعل مجموعة من التهم الأخرى المتعلقة بالتطهير العرقي والحصار الذي فرضته قواته على سراييفو واستمر 3 سنوات.
وإذا كانت تلك هي الكلفة للانتصارات التي حققها في المجالات المهنية والعسكرية التي يعتقد ملاديتش أنه خطط لها في البوسنة، فقد تراكمت على الرجل بسبب الحرب التي استمرت ثلاث سنوات ونصف السنة هزائم شخصية ساحقة، وهو الذي كان يقدس بوضوح الثقافة الذكورية للطبقة العسكرية البلقانية مع أنه نشأ في رفقة نسائية- أمه وأخته وزوجته وابنته.
وُلد ملاديتش خلال حمام دم آخر- الحرب الصربية- الكرواتية، والحرب الأهلية الصربية التي تواكبت مع الحرب العالمية الثانية في يوغوسلافيا. وكانت ولادته في قرية بوزينوفيتشي، قرب بلدة كالينوفيك شرقي الهرسك في آذار 1942. وهي منطقة جبلية وعرة على الحافة الغربية لصربيا البوسنة وهي موطن الفولكلور الحدودي الذي يولّد القوميين الأكثر تطرفا. والعديد من القادة القوميين الصرب الذين ظهروا في التسعينات في بلغراد هم من نفس هذه المنطقة.
وعندما كان ملاديتش في الثالثة من عمره، مع انتهاء الحرب العالمية الثانية، قُتل والده الذي كان حزبيا في قوات تيتو خلال هجوم على قرية برادينا البوسنية مسقط رأس أنتي بافيليتش، القائد الفاشيستي في دولة أوستاشا الكرواتية التي ظهرت زمن الحرب.
وادعى ملاديتش مرارا خلال التسعينات أنه ارتعب بسبب موت والده، وأنه دائما ينفذ مهمة انتقام، رغم أن المأساة العائلية الكبرى جاءت عام 1994، عندما انتحرت ابنته آنا، 23 عاما، وكانت طالبة طب في بلغراد وكان متعلقا جدا بها، في ذروة الحرب البوسنية.
وقد نشأ ملاديتش وأخته في رعاية والدتهما. وروى زميل لملاديتش أمضى ساعات معه في جبل إيغمان المشرف على سراييفو أواسط التسعينات كيف أن الجنرال كان يفكر باستغراق، ولفترات طويلة، بأمه وابنته واخته".