THE GUARDIAN: عزيمة المتظاهرين المصريين أقوى فأقوى

بينما اشتدت الاشتباكات بين متظاهرين وقوات الامن في القاهرة واختار المجلس العسكري الاعلى رئيس وزراء سابقا لتشكيل حكومة انتقالية، القى البيت الابيض بثقله وراء حركة الاحتجاج المتشددة في مصر وحض العسكريين على تسليم السلطة الى حكومة مدنية منتخبة.
وقال البيت الابيض في بيان ان "الولايات المتحدة تعتقد بقوة ان الحكومة المصرية الجديدة يجب تفويضها صلاحيات حقيقية فورا. والامر الاهم هو اننا نعتقد ان النقل التام للسلطة الى حكومة مدنية يجب ان يتم بطريقة عادلة وشمولية وتستجيب للتطلعات المشروعة للشعب المصري في اقرب وقت ممكن".
ونشرت صحيفة "ذي غارديان" اليوم السبت تحقيقا عن التطورات الاخيرة في مصر كتبه مراسلها جاك شينكر قائلا إن الوفيات والاصابات التي حصلت في الاسبوع الماضي لم يكن من شانها الا تقوية عزيمة المتظاهرين المناوئين لنظام الحكم الحالي. وهنا نص التحقيق:
"فككت المنصات واسكتت الميكروفونات. لم يكن هذا يوما للاصوات المتنافسة بين أفواج المحتجين المصريين المتزايدة. وبدلا من ذلك كانت الخطة تقضي بهز ميدان التحرير بترديد مطلب واحد بسيط. اذ هتف الجمهور قائلا ان الحكم العسكري يجب ان ينتهي، ويجب ان ينتهي الان. لقد انتهى وقت الحلول الوسط.
لكن الحل الوسط هو بالضبط ما كان الجنرالات الحاكمون يفكرون فيه عندما كشفوا عن رئيس الوزراء الجديد كمال الجنزوري، أحدث سلاح في معركتهم لانهاء ازمة أودت حتى الان بارواح اكثر من 40 شخصا وأدخلت حياة البلاد السياسية في حال من الاضطراب. ويستعيد الجنزوري (78 عاما)، وهو رئيس وزراء سابق من عهد مبارك، منصبه القديم في الوقت الذي لم تكن فيه شهية الجمهور للتغيير الحقيقي أقوى مما عليه الان.
ولا بد ان المجلس العسكري الاعلى يأمل في ان يتمكن الجنزوري من اقناع الجمهور بان خطة المجلس لنقل السلطة – بما في ذلك الانتخابات العامة المقرر ان تجرى في غضون يومين – ما زالت خطة ذات مصداقية.
وفي وسط القاهرة كان شعور مائة الف شخص مختلفا عن ذلك.
قال احمد قنديل، وهو مستشار اعمال في الثالثة والعشرين من العمر انضم الى المهرجان المناوئ للمجلس العسكري: "لست ايديولوجيا ولست معنيا بالشؤون السياسية، ولكن لا يتعين ان يكون المرء سياسيا ليعرف انه عندما يقرر الحكام قتل ابناء شعبهم، يكون وقت رحيلهم قد حان". واضاف: "ما ادركته هذا الاسبوع هو أن الافا والافا من الناس ينتقدون هذه المذابح ويهتفون بصورة جماعية ضدها". وهكذا فان مصر في مأزق مرة اخرى وتجد نفسها ممزقة بين نظام حكم سلطوي في القصر، وتمرد من جانب القواعد الشعبية عند البوابات – مع طبقة سياسية تدور متعثرة في الوسط محاولةً الاستفادة من تنازلات بالتقسيط من الاعلى.
وبعد مضي عشرة شهور على الاطاحة بمبارك عندما قامت مروحيات عسكرية بالتحليق فوق ميدان التحرير واكتسحت المدينة مسيرات المتظاهرين من كل صوب، سيطر على الميدان شعور بالاستكانة الى ما يحمله الوضع من تطورات.
غير ان الفرق انه منذ مساء الجمعة لم تتزحزح الشخصيات الجديدة المستهدفة من جانب الثورة عن مكانها رغم المواقف الدولية التي تحولت بصورة ملحوظة الان ضدها. اذ دعا البيت الابيض، في بيانه الاقوى حتى الآن عن الاضطرابات المستمرة، الجنرالات الحاكمين الى التخلي فورا عن السلطة لصالح حكومة الجنزوري المدنية، التي يتوقع ان تتشكل في الايام القليلة المقبلة. وهذا الموقف يكشف عن نقلة كبيرة في السياسة من جانب الادارة الاميركية التي تمول الجيش المصري بحدود 1.3 مليار دولار (842 مليون جنيه استرليني)، وظلت حتى الان تؤيد نوايا المجلس الاعلى لامتلاك دور سياسي رئيس على مدى الـ18 شهرا المقبلة او ما يقارب تلك الفترة.
ويمكن لاعمال عنف مميتة على مدى سبعة ايام متتالية ان تعيد تشكيل الحقائق السياسية على عجل، كما ان واشنطن ليست الطرف الوحيد الذي يبدو فيه ان دعم المجلس الاعلى أخذ في التدهور سريعا. ذلك انه في وقت مبكر من بعد الظهر، برز اثنان من الضباط على احدى الشرفات المطلة على ميدان التحرير، وأطلقا شعارات ضد المشير محمد حسين طنطاوي، رئيس المجلس الاعلى القائد العام. وقد انضما الى مجموعة صغيرة ولكن متنامية من ضباط الرتب المتوسطة الذين انشقوا بالفعل في الايام القليلة الفائتة وانضموا الى صفوف المحتجين.
وقال الرائد تامر سمير بدر للصحيفة البريطانية: "اريد من الشعب ان يعرف ان هناك الكثير من ضباط الجيش الذين يقفون الى جانبهم. وقد فاض بي الكيل الاسبوع الفائت عندما شاهدت اناسا يموتون، والجيش يصدر لنا تعليمات بمجرد الوقوف والمراقبة. المفروض ان اقضي نحبي في خدمتهم، وليس ان يموتوا من اجلي. وانا الان على استعداد لان اموت في الميدان، وليس هناك من شيء يخيفني".
وقال بدر (37 عاما) بينما كان يقف قرب احدى النوافذ المفتوحة التي تطل على ميدان التحرير والتي اصر على ان تظل كذلك حتى يتمكن من سماع الجماهير، ان العديد من الضباط شاركوا سرا في الاحتجاجات بملابس مدنية. "المجلس العسكري يضم 19 لواء، وهم الذي يملكون زمام السلطة في هذه البلاد. غير ان هؤلاء الـ 19 لا يعتد بهم مقارنةً بالالاف من الرجال في صفوف القوات المسلحة. واطالب المشير بان يسلم السلطة الى حكومة مدنية على الفور، وان عليه ان يتخلى".
واضاف: "من الطبيعي ان هذا الوضع يعرضني للمخاطر، لكنني في الجانب الصحيح من المعادلة، فانا مع الشعب. واذا مت فانني اموت مرتاح الضمير. اما ان اقتل في الميدان، او ان اقف في مواجهة محكمة عسكرية ومن ثم أدخل السجن".
واذا كان الرعب قد دب في قلوب الجنرالات المصريين نتيجة الانشقاق، فانهم ظلوا حريصين على عدم ابداء تلك المشاعر.
وقد فسر تعيين الجنزوري على نطاق واسع بانه اهمال محسوب ضد المحتجين الذين يحتلون وسط القاهرة وميادين اخرى في انحاء البلاد، باحلال سياسي من عهد مبارك محل اخر. وفي الوقت الذي اشترك فيه محمد البرادعي مع المحتجين في الصلاة بميدان التحرير، وهو البديل الاكثر بروزا الذي يريد كثير من المحتجين ان يتولى رئاسة حكومة مدنية جديدة، عقد الجنزوري اول مؤتمر صحفي له وقال بطريقة بدت متعثرة أنه ليس العوبة بيد القوات المسلحة التي اصدرت الامر بتعيينه في منصبه.
قال ان "الصلاحيات الممنوحة له تتجاوز اي سلطات مماثلة" وان كان يبدو وهو يقول ذلك انه غير مرتاح وكان يصمت فترات طويلة بين الجملة والاخرى "وستكون لدي كامل السلطات، واستطيع ان اخدم هذا البلد".
وجاء رد الفعل الساخر على الخطاب في الميدان، حيث اطلقت الجماهير عقيرتها بالقول "غير شرعي" وارسلت بعضا من افرادها للبدء في عملية اعتصام في مكاتب الحكومة القريبة. وقالت الصحافية المصرية سارة كار على موقع تويتر "كل شيء يتعلق بعملية الانتقال الـ ..... يعود لزمن مضى وانتهى: المجلس الاعلى للقوات المسلحة، ورئيس وزرائهم، وقذائفهم المسيلة للدموع".
ومع ساعات اليوم وردت انباء اشتباكات بين الشرطة والمتظاهرين في مدينة المحلة الكبرى في دلتا النيل، وفي مدينة المنيا في اعالي مصر وعدد من المواقع الاصغر الاخرى. اما في العاصمة فقد قامت ثلاث حلقات بشرية من المحتجين بعدم السماح لاي شخص بالاقتراب لاكثر من 10 اقدام من الحاجز الاسمنتي الذي اقامه الجنود للفصل بين الشرطة المسلحة والثوار في شارع محمد محمود.، حيث وقع العدد الاكبر من قتلى هذا الاسبوع.
ورفعت لافتتان كبيرتان عبر الشارع اطلقتا عليه اسمين جديدين هما "شارع الشهداء" و"شارع عيون الحرية"، ويشير الاسم الاخير الى عشرات المحتجين الذين يعتقد انهم فقدوا ابصارهم بسبب ما يبدو انه اطلاق قوات الامن النار المتعمد بدقة عالية على رؤوس المحتجين.
ورغم الهدوء النسبي يوم الجمعة، فان المستشفى الميداني القريب واصل علاج المصابين. وقال محمد نبيل المصري، وهو احد المتطوعين العديدين الذي اسهموا في حماية المرافق الطبية من اكتساح الجماهير لها: "هذا الاحتجاج اكثر اهمية من 26 يناير (انطلاق الانتفاضة ضد مبارك). انا اعيش في نيو جيرزي، ولم ازر مصر منذ عشرين عاما، لكنني جئت اليوم لان المجلس العسكري اصدر وعودا غير انه لم يف بها. نحن شعب يثق بالاخرين، ويمنحهم فرصة اخرى، وان كانوا يشعرون انهم امتداد للنظام القديم. ثم انهم بعد القيام باجراءات متعددة، اظهروا اننا كنا مخطئين".
ويبقى ان ننتظر لمعرفة الخطوة التالية للجنرالات، وكذل الحال بالنسبة الى نتائج الانتخابات البرلمانية المقرر ان تبدأ بعد غد الاثنين.
ويبدو من الامور المدهشة ان المصريين سيبدأون في الوقوف صفوفا عند مراكز الاقتراع حتى مع انسحاب احزاب عدة من المنافسة، وبينما يستمر احتلال المحتجين لمراكز المدينة واستمرار سفك الدماء في الشوارع.
ولكن لم يكن هناك شيء غير مدهش في هذا البلد طوال الشهور العشرة الماضية. وعلى ضوء الاجواء الحالية في ميدان التحرير، يمكن القول ان هذا الحال هو الذي سيظل سائداً.
شام نيوز - وكالات - THE GUARDIAN