آخر أرصدتنا

 

بعدما انجلى كل الذي انجلى من غيوم الأزمة السورية، ثمة شيآن مازالا موضع بحث واستمالة إن لم نقل شراء .

رقم واحد هو الزمن، ولكن لأنه بضاعة كاسدة قلما يباع أو يشرى دون أثمان باهظة وأداءات ضريبية يصعب على الخزائن وربما البشر تحملها، ولأن التأخير هو ثغرته الوحيدة، قد لا مفر من التركيز على الثنائية الثانية وإن كان البيع فيها نسبيا وبالمعنى غير المادي في أغلب الأحايين .

الإنسان هو رقم اثنان في الثنائية ورقم واحد في الخلاص، ليس لأي تفصيل فلسفي بقدر ما لكونه أكبر شيء في هذا الكون، كبير في لغته وفي صمته، كبير في ضعفه ومرضه وحتى موته، هو من بلغ عنان السماء بنتاجات عقله وبقيَّ حامل التنمية رغم الاختراعات وبيضة القبان في الملمات .  


في أبسط الألفاظ، أمن شك أن المواطن السوري وقف خلال ما عصف بالبلاد وقفة أجهضت جل المحاولات الرامية للتمزيق والتمريق ودفع ومازال، أثماناً بدأت من متطلبات ومستوى معيشته  ووصلت حدود دمه ووجوده .

والسؤال: كيف جاء الرد على وقفة المواطن من أصحاب القرار ؟!

ثمة من ينبري هنا للقول: الأزمة عامة والمواطن معني بدفع مايمكن وما يستطيع لتحصين البلاد واستمرارها ومن ثم يجازى كل على فعلته .

لا شك أن هكذا ردود فيها من المنطق والواقع، لكنها- على ما أعتقد – تفتقر إلى الاستراتيجية، لأن للإنسان- أي إنسان – طاقة احتمال وقدرة على الدفع، أما إن زادت، فذاك على ما أحسب هو المشتهى الذي ينتظره الآخر الذي يساهم بطرائق خرجت في معظمها عن الآداب والإنسانية ليحرف مسار السوري عن سكة مسيره .

لذا، قد يكون من أولوية الأولويات الآن الخروج بفرق حكومية انقاذية تعيد النظر باحتياجات المواطن السوري إن على صعيد توفرها أو على مستوى قدرته الشرائية وخاصة بعد نسبة التضخم التي لحقت بالليرة السورية وبدء تجلي نتائج العقوبات والحصار الاقتصادي الذي فرضه الأشقاء قبل الغرباء، وقائعاً على الأرض ونتائجاً في الأسواق .

على ذكر الليرة ، أهكذا تورد الإبل أيها المسؤولون.. وهكذا يرد على جميل المواطن  الذي لبى نداء عملته الوطنية في حملات دعم بلغت حدود بيع موجودات المنازل ومكتنزات  اليوم الأسود,  بعدما جربتم في " مزادات الدولار " تارة وفي المبالغة بتثبيت واستقرار سعر صرف الليرة تارة أخرى .

أعتقد أن المواطن الواقف بانتظام على رتل يكاد لا ينتهي ليمنى بغاز أو مازوت شاء تجار أزمة جعل احتياجات أسرته أمنية، هو الأولى بالرعاية والالتفات إليه أكثر من أصحاب الخطابات المزدوجة والابتزازية  المتلاعبين بفهم الناس والتأثير فيهم كالقطعان في زمن انكشفت فيه الحقائق العامة والخاصة ولم يبق فيه مستور إلا عالم الغيب وماذا يريدون لسوريتنا ومنها .

خلاصة القول: ليس من ضير على الاستراتيجية أن تتحمل الدولة أعباء المرحلة، وأخص على صعيد دعم وتقوية الليرة، ليس من قبيل إنصاف من باع بعض ممتكاته وذهب زوجه وأودعها في المصارف بالليرة أو لحماية نقدنا من التضخم الذي بدأ يأكل جزءاً غير قليل من أجره ومصاريفه، بل أيضاً لأن الليرة كانت وما تزال من الأهداف الرئيسة للنيل من الاقتصاد السوري الذي قلنا ونادينا مراراً أنه الهدف النهائي الذي يضمن تهديم بنى الدولة وإن جاء- الهدف – بحوامل سياسية أو إعلامية .

مهم جداً أن تقيم سورية ملتقى للاستثمار السياحي, والأهم أن يفتتح اليوم منتدى رجال الأعمال والاستثمار, لأن في ذلك أكثر من رسائل للخارج ودحض لما يدعون ودعوة لأصحاب الرساميل أن ردوا الجميل بأحسن منه...

لكن تلك الأهمية منقوصة إن ابتعدت عن معيشة المواطن الذي لبى نداء الليرة والبلاد وقت سمع "وامواطناه " وحين انزوى من ليس لهم ارتباط سوى مع مصالحهم،  رغم أن كل أبواب الدنيا تؤدي إلى مصالحهم حتى باب الخيانة، أؤلئك المتربعين على ألسنتهم و لهم فائض من النفاق والمجاملة يسوقونه لنا عبر أصفر ابتساماتهم من محيط العرب إلى خليجهم .