أبطال المرحلة

عدنان عبد الرزاق - سيريا أوول
لسنا مطالبين بمسك المجد من كل أطرافه، محللون سياسيون،واعظون ومحرمون، اقتصاديون ومنظرون، ومحبون تنظيريون، فذاك شأن لا يعني بعضنا على الأقل، ولكن، بمعنى لكن الاستدراكي وغير الاستدراكي، حقاً علينا لسورية أن نجهر بحبها، بحبها وإذا ضن الأشقاء حتى بتعزيتنا بأولادنا الذين سقطوا دونما مبرر للدم، من باب الإنسانية ودم العروبة ليس إلا.
نحب سورية للتاريخ ونحبها للحاضر، نحبها ليس لأن ملائكة الرحمن باسطة جناحيها ههنا، بل لتبقى ملائكة الرحمن باسطةً جناحيها على الشام .
السؤال الأولي في الحب، أن كيف لكل محب أن يترجم محبته، لأن لبعض الحب ما يقتل كما محبة القطط لأولادها وكما لعلم الجاحظ ما فعل . فحب كالذي تستأهله دمشق، هو حب أم ساعدت بنيها عبر الأزمنة أن يكونوا فاعلين ومحوريين رغم خمول بني قحطان واستسهالهم العيش وإدمانهم الاستهلاكية، حتى في التعبير عن حبهم وحقوقهم .
دمشق التي تحملت مسؤولية أمومتها ودفعت جوعاً ولم تأكل بثدييها، خسرت من رجالها يوسف العظمة وخسرت شهداء كفرسوسة أمس، بيد أنها ظلت أماً ولوداً أنجبت العظم، خالد وجلال، والأرسودزي وعفلق والقباني، نزار الشعر ونذير من بعده....وأنجبت صباح فخري .
ولكن، ولأننا أمة نكوصية في تفكيرها، تتغنى بمآثر ماضيها حتى وهي ترسم ملامح مستقبلها، ما عاد من مكان للسلف، إن لم يع الخلف خطورة المرحلة ويكفون عن كل نظري وتنظيري ويكفكفون الدموع، حتى تلك الواجبة سفكها على قتل السوريين، ولا ينظرون للماضي إلا بما يدفعهم نحو المستقبل .
في لغة سهلة ومباشرة، أمن متكهن لعدد ساعات العمل التي يداومها عمال وموظفوا القطاع العام وربما الخاص الآن، أمن مخمن لتدني الإنتاج وتراجع الإنتاجية بعذر أن الأحداث شلت أيدينا، أمن متوقع لتنامي حجم السمسرات وتزايد تجار الأزمات الآن، طبعاً وتحت غطاء الأزمة ، وأيضاً، أمن متوقع لما يحضر من قوانين ومشروعات مراسيم وربما تصريحات من شأنها أن تحدث مفاعيل عكسية فتزيد مساحة الصامتين، إن لم نقل تحولهم إلى معارضين...في هذا السياق وللذكر ليس إلا، أيعقل أن يتم التحضير الآن لمشروع مرسوم من شأنه الحجز الاحتياطي الغيابي على أموال الصناعيين المتأخرين عن دفع استحقاقاتهم لمؤسسة التأمينات الاجتماعية .
قفز هذا المثال للذاكرة دونما استئذان، لذا، قد يكون من الواجب فرد له بعض ما يستحق .
القصة أن أقاويل الآن ترجح استصدار مرسوم أو قرار من شأنه الحجز على أموال الصناعيين في المصارف، احتياطيا وغيابياً لضمان أموال التأمينات الاجتماعية، فإن صدقت تلك الأقوال فمن له أن يتوقع حجم الأذى الذي سيلحق بسورية، أجل بسورية، لأن حدود الحجز وآثاره لن تقتصر على استيراد المواد الأولية الداخلة في الصناعة ولا على تسريح العمال أو حجم الإنتاج، أو، وهو الأهم على ما أعتقد، خسارة مؤيدين لسورية من موقعهم وعلى طريقتهم .
مما يخطر في البال هنا، أهذا هو التوقيت المناسب لاستصدار هكذا قرارات؟! .
ولن نتمادى لنسأل عن دور التأمينات الاجتماعية ومفتشيها في تهرب المكلفين أيام الرخاء والعز .
خلاصة القول: ليس من موقع المثقف المنظر البطران على مثقف مثقل جائع، بل من موقع من رأى الترهل يلف البلاد والتسليم يكسوها، أمن ضير لعودة الحياة كرمى لمن يسعى إليها ويستحقها .
في معنى آخر، من هو بطل التصدير خلال أشهر الأزمة ومن هي المنشأة الأكثر إنتاجاً، من هو الموقع الذي تغلب على الظروف الموضوعية فأبقى على ساعات العمل وحقق خطته .
ثمة أبطال وثمة مدعو بطولات، بيد أن أكثرهم ايثاراً أؤلئك الذين يقدمون اكسير البقاء ويمدون سورية بما تحتاج من منعة وكفاية، سورية التي شكلت سُرة الحضارات منذ سبعة آلاف سنة وهبط حبها مثل كسرة من سماء الرحمن لكل من يطلبون مائدة تكون لهم أمناً وحباً ...يأكلون منها حتى تطمئن قلوبهم الملآى اضطرابا .