أحزاب تعاند شيخوختها وتحاول اللحاق المستحيل بالشباب

هل تنقذ ثورة الشباب في تونس ومصر وبلدان عربية أخرى، الاحزاب العربية التقليدية التي تعاني من شيخوخة مزمنة؟
وهل يمكن لهذه الأحزاب، المصابة بفقدان الذاكرة وتصلب الشرايين وضعف في السمع والبصر، هل يمكن لها ان تصبح شابة حيوية، منسجمة مع العصر ومتطلباته، ضليعة في استثمار طاقات وامكانات الشباب؟
هل يمكن لشيخ طاعن في السن، تفصله عن الاحتضار شعرة دقيقة، ان يغدو شاباً مستوعباً للتكنولوجيا قادراً على التعامل معها ؟
الاجابة عن الأسئلة المطروحة، سهلة، ويمكن اختزالها في "كلا". لان الاساليب القديمة والشعارات المكررة المستهلكة، التي ما انفكت ترددها احزاب عربية تقليدية، (مرخصة) أو (غير مرخصة)، جعلت قطاع الشباب يتجاوز كل ما تطرحه، ويقفز قفزات سريعة إلى الأمام، تاركاً هذه الأحزاب الهرمة خلفه، غارقة في سعالها ولهاثها. فهي باختصار لم تتفاعل مع هموم الشباب ولا طموحاته، كما انها عجزت عن فهم واستيعاب مفاتيح العصر في ظل ثورة التكنولوجيا ووسائل الاتصال الحديثة.
لقد اكد الشباب في تونس ومصر والبلدان العربية الاخرى للقاصي والداني، ان تكنولوجيا الاتصالات الحديثة ليست للهو والإنحراف وتبديد الوقت واضاعته، كما ظن القائمون على هذه الأحزاب. إنها وسيلة للانفتاح على العالم، وكسر طوق العزلة، والتفاعل مع ثقافات مختلفة. و انها ايضا بوابة الشباب لمعرفة الديمقراطية وقوانينها واشتراطاتها وتجلياتها في حياة الناس، ولقياس أوضاعهم في العالم العربي ومقارنتها، بأوضاع الشباب في بلدان متقدمة أخرى، وهذا ما عرضهم لصدمة عنيفة لكنها إيجابية، جعلتهم يتساءلون: هل الديمقراطية مفصلة على مقاس شعب دون شعب آخر، ولماذا هم يعانون من بطالة وغياب تام للمؤسسات التي ترعاهم وتسهر على تطويرهم وتنمية قدراتهم، فيما المجتمعات المتقدمة تسخر طاقاتها لخدمة الشباب، تعليماً وصحة ورياضة وثقافة وتكنولوجيا وترفيهاً؟.
الشباب العربي الذي يقوم هذه الايام بتعبئة نفسه بنفسه من خلال القراءة الذاتية والاحتكاك تكنولوجيا بالآخرين، حاول الإجابة عن أسئلة مقلقة لها علاقة بواقعه، فلم يجد سوى إجابة واحدة وحيدة، تمثلت في "حتمية التغيير"، التي تم تجسيد مرحلتها الاولى في النزول الى الشوارع والساحات.
ليست الأنظمة الحاكمة وحدها التي لم تتفهم مطالب الشباب، ولم تضع البرامج المناسبة للتعامل معها، بل الأحزاب العربية المؤيدة للأنظمة والمعارضة لها. فهذه الأحزاب جميعها لم تفهم الشباب، ولم تسهر على تلبية احتياجاتهم، فيما تسعى بعض الأحزاب المعارضة الآن، للاستفادة من الغضب الشبابي المدعوم والموجه بتكنولوجيا الاتصال الحديثة، لكنها عبثاً تفعل، لأن الإيقاع الشبابي سريع وسريع جداً، مقابل إيقاع هذه الأحزاب الذي يتسم بالبطء الشديد بسبب ازدياد الوزن والترهل وضيق النفس والأفق.
واليوم ومن خلال متابعتنا لما يجري على أرض الشقيقة مصر، فإن أصواتاً حزبية، تسعى لاقتناص الفرصة، وكأنها التي تحرك الأمور، وهي في الحقيقة لا تحرك شيئاً. الى جانب بعض المتعطشين للسلطة، من رموز يتحدثون اللغة العربية، لكنهم يشبهون ثقافياً وأيديولوجياً الغرب أكثر مما يشبهون المصريين، وكأن القضية تتركز في إزاحة رئيس ليحل محله رئيس آخر، أو كأن هذه التضحيات الجسام التي قدمت هي من أجل تغيير أسماء، لا من أجل ترسيخ مبادئ وقواعد وأسس جديدة تستند الى الحداثة ومفاهيم العصر، لكن دون أن تشطب الخصوصية الوطنية والقومية، بل تتعامل مع ذلك وفق روح العصر، وانطلاقاً من متطلباته ورؤياه. ولعل الدرس الأهم من تجربة الثورة الشبابية التكنولوجية، ان الانتفاضة ضد الأنظمة، هي ذاتها انتفاضة ضد الأحزاب التقليدية ذات الأطر القديمة البالية المتآكلة، بما يعني أن الحراك الشبابي سيفرز أطراً جديدة حيوية وفاعلة، جديرة بالعصر واشتراطاته ومتطلباته.
انها ثورة اليوم والغد، وليس "ثورة" الماضي أو مفاهيم ومصطلحات قرون تنام في صفحات قديمة من دفتر التاريخ. ثورة شبابية مفتوحة على الانترنت والفيس بوك وتويتر والثقافة العالمية. ثورة محمولة على أجنحة العلمانية، وحتى لو ظنت بعض الأحزاب، أنها تستطيع ليّ عنق اندفاع الشباب لاجبارهم على العودة الى قرون وقرون، فان المنطلقين على "صهوة" التكنولوجيا المندفعين نحو المستقبل، سيحاولن بدورهم، سحب مزيد من الشباب وتزويدهم بالافكار والتوجهات العصرية، ليلحقوا معهم بركب المستقبل.. وحتما سينجحون، لأن المستقبل هو المنتصر دائماً. حيث المسار الموضوعي التقدمي لحركة التاريخ.
حسن عبد الله - القدس