أحمد تيناوي والندم وأنا

في الداخل كان ثمة جفت يطلق النار باستمرار على شكل تصدعات في الرأس وغشاوة في العينين، فعلى بعد بضعة كيلومترات من ليلتي القلقة، يستلقي تحت العناية المركزة في مشفى دار الشفاء، الصديق الشاعر الرهيف والإنسان الدمث أحمد تيناوي بعد أن غص قلبه بنا وبسوريانا!
لأول مرة يخيم الليل على كافة عوالمي، عتم في الخارج، عتم في العينين، عتم في الرأس، عتم في القلب. ومن قلب السواد المتعدد الكثيف تبرز صورة الشاعر المنتحر ماياكوفسكي وتحتها كتبت بحروف نافرة واحدة من أقصر قصائده وأكثرها مرارة: «يرتفعون / هناك أناس كالهوام / دائماً يرتفعون / لماذا؟ / ما السبب».
قبل بضعة أشهر اتصل بي الصديق الشاعر أحمد تيناوي وأبلغني أنه سيقوم بتحرير صفحة بعنوان «جدل» في الجريدة التي أعطيتها عمري. شعرت بالحرج، سألت التيناوي عما إذا كان يجد أنه من المناسب أن أكتب في تلك الجريدة التي خدمتها أكثر من ثلاثة عقود فلم تكلف إدارتها نفسها عندما تقاعدت أن تقول لي شكراً؟ قال لي التيناوي إنه بحاجة لوجودي في تلك الصفحة. قلت له: حيث تكون يشرفني أن أكون ولو في الجحيم!
هكذا عدت إلى جريدتي من خلال التيناوي ومعه.
أواخر الأسبوع الماضي اتصل بي التيناوي، كعادته، وأبلغني أن موضوع صفحة «جدل» للأسبوع القادم سيكون عن الندم. وطلب مني أن أكتب مقالاً حول هذا الموضوع.
ليس الندم موضوعاً جديداً بالنسبة لي إذ سبق لي أن فكرت فيه جيداً وطويلاً، وقد توصلت لاستنتاج شبه راسخ حوله.
أحسب أن الندم هو ضربٌ من الحرب يكون المرء فيها هو المعتدي والمعتدى عليه. وأسوأ ما في حرب الندم أن آلامها الممضة تدوم طويلاً، إذ غالباً ما تطفو على سطح النفس وتخنقها ببطء كما تخنق بقعة الزيت البحر. ليس ثمة من وصفة سحرية للتخلص من الندم، وخاصة لذوي الضمائر الحية. لكن اللطف يمكن أن يجنبنا الوقوع فيه. فالمثل الصيني يقول: إذا استطعت أن تسيطر على غضبك لحظة واحدة فستوفر على نفسك مئة يوم من الندم.
آخر شيء فكرت فيه هو أن يتحول الندم من موضوع لصفحة «جدل» إلى وصف حال لعلاقتي بأحمد تيناوي. نعم أنا نادم يا صديقي التيناوي لأنني لم أتصل بك أكثر، ولم ألتق بك أكثر كي أتزود من أنوار روحك الرحمانية، أنا نادم لأنني أمضيت الكثير من الوقت مع من يزيدون العتم في داخلي وقصرت بحقك وحقي يا من كان لقائي بك يضيئني بالحق والخير والجمال.
أخي أحمد، لقد وعدتك أن أوافيك بمقالي عن الندم يوم السبت أو الأحد، لكن الأقدار شاءت أن أكتب عن ندمي الشخصي لتقصيري تجاهك.
قبل قليل نشرت على صفحتي في الفيس بوك صورة جميلة لك كنت قد التقطتها قبل بضعة أعوام وكتبت تحتها العبارة التالية: «أحمد تيناوي ممدد الآن تحت العناية المركزة في مشفى دار الشفاء بدمشق. صلوا من أجله، فقد عاش عمره يصلي شعراً لأجلنا».
أخي أحمد، أرجوك أن تنقذ حياتك من أجلنا فنحن وسوريانا بحاجة إليك.