أخطاء لغوية

 

اخترت أن أقضي يوم الأحد في البيت مع «الأهرام» و«الحياة» و«الشرق الأوسط» بحثاً عن أخطاء لغوية شائعة تتكرر في أخبار الصحف أملاً بكتابة زاوية تجمع بين الفائدة والتسلية خصوصاً أن الدنيا برد، فقد كانت الحرارة في الصباح صفراً وارتفعت إلى أربع درجات مئوية فقط خلال النهار، وقد تعلمنا أن «الدفا عفا»، ثم إن هناك عطلة نهاية الأسبوع، والعالم الغربي كله في عيد مع قرب نهاية السنة.

وجدت: من جانبه أكد عضو لجنة العلاقات الخارجية... و: من جهته أكد المتحدث... و: بدوره قال هادي الموسوي... ما أعرف هو أن الضمير المتصل يعود إلى ما قبله، والاستثناء الوحيد ضمير الشأن أو الجلالة مثل: انه الله... و: إنها الدنيا غرور.

هناك فرق في الاستعمال بين حرفي الجر: في والباء، وقرأت: الاستقرار بدول الخليج... والأفضل في دول الخليج. والشاعر قال: يقولون ليلى في العراق مريضة... ولو قال بالعراق لكان العراق مرضها.

وقرأت: محاولات لاقتحام مقر الحكومة، والصحيح: محاولات اقتحام... ومثله: طلبه لإقامة حوار، والصحيح: طلبه إقامة حوار.

وقرأت: يذهب البعض، والصحيح: يذهب بعض، فهي لا تأخذ «ال» التعريف لأنها في نيّة الإضافة، ما يعني أنها معرّفة أصلاً، وقد وردت حوالى مئة مرة في القرآن الكريم من دون «ال» التعريف ما يعني أن نقول: بعضهم بعضاً وليس بعضهم البعض، أو نقول: أحدهم الآخر، إذا شاء القارئ. وبعض كلمة مذكرة مفردة فنقول: بعض النساء يقول وليس يقلن. أيضاً قرأت: كافة ملابسات الحادث، والصحيح: ملابسات الحادث كافة، كما استعملت في القرآن الكريم.

كنت أتنقل بين الصحف الثلاث بحثاً عن الأخطاء التي تتكرر يوماً بعد يوم، ولم أحاول السعي وراء كلمات نادرة أو الاستعانة بقواعد صعبة الفهم أو عليها خلاف. غير أنني وجدت بعد وقت قليل قضيته في البحث والمقارنة أن مصيبتنا بالأخطاء اللغوية أهون من مصيبتنا بالأخبار.

كنت أعود بين كل خطأ وآخر إلى «مانشيت» الصفحة الأولى في «الأهرام» فقد كان ثلاث كلمات من حجم كبير بالأحمر: قلب مصر يحترق، والخبر يتحدث عن تسع وفيات ومئات المصابين وإحراق 200 ألف كتاب نادر بالمجمع العلمي (والصحيح أو الأفضل: في المجمع...)

لو كنت أعرف أحداً من الضحايا أو المصابين لشُغلت به عن الكتب، إلا أنني أعرف الكتب، وحرقها وتدمير المبنى التاريخي التي يضمها جريمة لا تُغتفر، فبعد أن كاد البلطجية أن ينجحوا في تدمير حاضر مصر ومستقبلها، هم الآن يحاولون تدمير تاريخ مصر الحضاري.

الخبر كان في الجريدتين الأخريين، والأخبار الأخرى لم تكن مفرحة أبداً، وقرأت:

- لحظات الكر والفر والحرق والموت

- زلزال سياسي في العراق بعد مذكرة اعتقال الهاشمي

- مقتل 24 مدنياً، بينهم طفلان، في سورية

- الجامعة تخيّر سورية بين التوقيع ومجلس الأمن

- النفوذ الإيراني يمتد إلى معظم مناطق العراق... وطوائفه

أخبار الجرائد العربية هذه الأيام مثل «ورقة النعوة» كما يقولون في لبنان، ولم يبقَ سوى «نوبة المتين» لتعزف ألحاناً جنائزية أمام كل خبر أو جنازة.

وأمس الاثنين، كانت الأخبار نفسها أو أسوأ، مثل: العنف يتحدى مبادرات التهدئة (في مصر)، و: سورية في سباق القتل والتوقيع والتدويل، و: ألف مستوطنة جديدة في الضفة الغربية.

وإذا نظر القارئ إلى أسفل الشاشة في قنوات الأخبار مثل «الجزيرة» و«العربية» فسيجد أن بين كل خبر وآخر خبراً عن قتلى وجرحى وتفجيرات في بلدان العرب والمسلمين، أو عن حرق المستوطنين مسجداً في الأراضي الفلسطينية، أو عن مشروع قرار لمنع الأذان في بلد المسجد الأقصى.

كان أحمد شوقي قال في دمشق: تغيّر المسجد المحزون واختلفت / على المنابر أحرار وعبدان. وزاد: فلا الأذان أذان في منارته / إذا تعالى ولا الآذان آذان.

وكان شوقي شكا مما فعل الفرنسيون في سورية التي اعتبرها جنّة الله على أرضه فقال: آمنت بالله واستثنيت جنّته / دمشق روح وجنات وريحان. ولكن ما عذرنا اليوم في دمشق أو القاهرة أو صنعاء أو طرابلس؟

نزار قباني لم يتوقع أن أشغل نفسي بقواعد اللغة، وهي مهمة، وأن أنسى الوطن وهو أهم. إلا أنه توقعني وقال: ماتت خيول بني أمية كلها / خجلاً وظل الصرف والإعراب.