أربعائيات..هل المجتمع السوري متنوع فعلاً؟

د. مهدي دخل الله . تشرين
الرأي الذي سوف اعرضه في هذه العجالة قد يصدم الوعي السائد عندنا القائل: إن المجتمع السوري متنوع. لكن يبقى هذا الرأي مجرد نمط تفكير لا أفرضه على أحد وقد أكون مخطئاً فيه, حسب المعايير التي تستخدم لتقويم هذا الرأي أو ذاك.
هل المجتمع العربي السوري مجتمع متنوع البنية فعلاً؟ الجواب على هذا السؤال يتعلق بوظيفة التحليل أي بالمقاصد والأهداف المطلوب تحقيقها من طرح هذه المسألة.
لكن العلم تهمه المعايير الموضوعية أكثر مما تهمه الأهداف السياسية أو الثقافية المطروحة. وقد تتلون الحقيقة في التحليل السيا ثقافي وفقاً للزاوية التي تلقي منها الضوء على هذه الحقيقة. لكن المعايير الموضوعية تبقى أكثر مصداقية في كشف جوهر الظواهر.
منذ نعومة أظفارنا ونحن نسمع الرأي القائل بأن سورية متنوعة البنية. وقد تكرر هذا الرأي على مسامعنا حتى دخل حيز البدهيات التي لا ضرورة لمناقشتها..
لعل لهذا الرأي إيجابيات سيا-ثقافية معينة. منها إظهار مفاهيم إنسانية إيجابية قائمة في سورية كالتعايش والتسامح والتفاعل بين المتنوع. أو القول إن الوطنية السورية قائمة وقوية على الرغم من التنوع وإنها تسود هذا التنوع وتخضعه.
لكن- دائماً هناك لكن-للادعاء بالتنوع آثار سلبية يشتد ظهورها عند الأزمات. فالتنوع سند لتبرير الفتنة, والفتنة سند لتبرير الحرب الأهلية, حرب الجميع ضد الجميع (والمصطلح للفيلسوف الانكليزي هوبس). وأخطر ما في الأمر أن التنوع يلغي حقيقة أي تناقض أو صراع حيث يعطي للطرفين الحق نفسه في الوجود. الآن مثلاً هناك من يحاول إظهار الفتنة على أنها صراع بين مكونات متنوعة, لكل منها الحق في الوجود.
ثم إذا اشتد الصراع يأتي الحل الدولي جاهزاً:وليقتسم التنوع الأرض السورية..وانتهينا.
هنا تنتفي نظرية المؤامرة والإرهاب والخيانة والعمالة, ويتم تبرير التقسيم كحل منطقي للمتنوع.
الحقيقة أن المجتمع السوري ليس متنوعاً. والفتنة مؤامرة وخيانة ولا يمكن أن تكون انعكاساً للتنوع غير الموجود أصلا. لنأخذ أي معيار شئتم:
-في المعيار القومي: سورية مجتمع موحد تماماً إذ إن الأغلبية العظمى من سكانها عرب عرب. قد تصل نسبة العرب في سورية إلى أكثر من ثمانين في المئة.
-في المعيار الديني: هذا المعيار نستخدمه هنا على مضض بسبب انتشاره لا بسبب علميته.إن الأغلبية العظمى التي قد تصل إلى تسعين بالمئة تقريباً من شعب سورية من المسلمين.
هذا ينطبق على بلاد الشام كلها بما فيها لبنان. فلبنان بالمعيار القومي (وهو المعيار الأكثر أهمية من المعيار الديني في تحليل الدول والمجتمعات) أكثر من تسعين بالمئة من سكانه عرب عرب. فدعونا من هذا التنوع الذي اخترعوه لنا فصدقناه.