أسمهان... من الماء والى الماء... نبوءة تتحقق.

أسمهان
1917 – 1944
من الماء والى الماء... نبوءة تتحقق.
سهير الذهبي – شام نيوز
فوق الماء ولدت وتحته ماتت .. هذه الاميرة الجميلة السورية.. اسطورية الحياة والإشاعات و.. الخاتمة.
أسمهان.. الاميرة آمال الأطرش.. ابنة جبل العرب وصاحبة أحد اجمل الاصوات النسائية في العالم.. سليلة آل الاطرش الذين كان فيهم رجال لعبوا دوراً بارزاً في الحياة السياسية في سوريا والمنطقة، أبرزهم سلطان باشا الاطرش قائد الثورة السورية ضد الاحتلال الفرنسي.
اسطورية اسمهان تبدأ لحظة ولادتها , ولاتنتهي لحظة وفاتها.. اسطورية تماهت مع كل لحظة من لحظات حياتها الخاطفة , بكل ما تخللها من حكايا واقاويل حول علاقاتها مع المخابرات البريطانية او الالمانية او الفرنسية, وحول صراعها مع عشيرتها آل الأطرش في جبل العرب, وحول علاقاتها بالرجال وزيجاتها القصيرة والمتكررة , وحول الغيرة والمنافسة الشديدة بينها وبين الملكة نازلي "والدة الملك فاروق" على الفوز بقلب احمد حسنين باشا رئيس الديوان الملكي.. وحول شراهتها في الشرب والتدخين, وصولا الى وفاتها او .. مقتلها او .. اغتيالها.
في بدايات القرن الماضي, لم يكن الزوجان الامير السوري فهد الاطرش ابن السويداء, والاميرة اللبنانية علياء المنذر ابنة حاصبيا, يتوقعان وبعد ان مات لهما طفلان هما انور ووداد, وعاش لهما ثلاثة هم فؤاد وفريد وآمال, ان اثنين من هؤلاء الثلاثة سيدخلان التاريخ, بعد ان يسطرا اروع الكلام على دفاتر الفن العربي.. وان كان القدر قد قرر ان تكون سطور البنت اقل بكثير من سطور الولد.
كان الوالد فهد يعمل مدير ناحية في قضاء ديمرجي في تركيا .. الا ان خلافا وقع بينه وبين السلطات التركية جعلته يغادر مع طفليه وزوجته الحامل الى سوريا على متن باخرة , لتضع الزوجة مولودتها في عرض البحر, وليكون لها اسم آمال, التي ستصبح فيما بعد اسمهان.
استقرت الأسرة في جبل العرب في سوريا, وعاشت حياة سعيدة إلى أن توفي الامير فهد عام 1924 , لتضيق الحال فيما بعد, ما يدفع بالاميرة علياء الى المغادرة الى مصر حاملة معها اولادها الثلاثة.
بعد حياة العز والإمارة, اقامت العائلة في حي الفجالة في القاهرة, وعاشت عيشة بؤس وفقر, الأمر الذي دفع بالأم إلى العمل في الغناء واحياء حفلات الاعراس لإعالة الاولاد..
ولأن الام كانت صاحبة صوت جميل وعازفة عود ماهرة, فقد اكتشفت موهبة ابنتها آمال وصوتها الجميل.. وبدأت باصطحابها معها الى تلك الحفلات.
وبالفعل, ظهرت مواهب آمال الفنية باكراً، فكانت تغني في البيت والمدرسة مرددة أغاني ام كلثوم ومحمد عبد الوهاب وشقيقها فريد, الذي كان مازال في بداياته..
وفي أحد الأيام استقبل فريد في المنزل الملحن داوود حسني أحد كبار الموسيقيين في مصرآنذاك, فسمع آمال تغني في غرفتها.. طلب إحضارها.. سألها أن تغني من جديد.. وغنت آمال, ليسجل هذا اليوم اكتشاف المطربة الكبيرة أسمهان على يد هذا الموسيقار, الذي تعهدها بالتدريب على الغناء وعزف العود, الى جانب الموسيقار فريد غصن..
يوم سمعها داوود حسني للمرة الاولى في بيتها, قال لها انه كان يدرب فتاة واعدة, صاحبة صوت ووجه جميلين تماما كأسمهان, وكان اسمها أسمهان, ولكنها ماتت قبل ان تبدأ, ولذلك فإنه يحب ان يطلق عليها هذا الاسم.. وقد كان.
في عام 1931 بدأت أسمهان تشارك شقيقها فريد في الغناء في صالة ماري منصور في شارع عماد الدين, بعد تجارب كانت لها إلى جانب والدتها في حفلات الأفراح والإذاعة المحلية، ومنذ ذلك الوقت بدأ نجمها يسطع بسرعة ونضجت فنياً, ما جعل محمد عبد الوهاب يرشحها لكي تؤدي أمامه دور البطولة في فيلم (يوم سعيد), إلا أن أسمهان رفضت الدور خوفاً من الوقوف أمام الكاميرا, واكتفت بالمشاركة بصوتها في احد مشاهد الفيلم بأغنية (قيس وليلى). كما سجلت أغنية "ما حلاها عيشة الفلاح" في الفيلم نفسه، كذلك سجلت أغنية " ليت للبراق عيناً" في فيلم ليلى بنت الصحراء.
عام 1934 وعندما كانت في السابعة عشرة تزوجت أسمهان من ابن عمها الأمير حسن الأطرش, وانتقلت معه إلى جبل العرب في سوريا ليستقرا في قرية عرى مركز إمارة آل الأطرش, لتعيش معه هناك وترزق بابنتها كاميليا، لكن سنوات ست لم تكن كافية لجعل أميرة الجبل آمال تنسى المغنى والفن والأضواء, فأنهت حياة الزوجية مع الأمير حسن,
كثيرون تساءلوا لماذا لم تحب أسمهان زوجها الأمير حسن.. وكثيرون عرفوا الجواب.. لأنه أحبها جدا , أحبها لدرجة أضعفته أمامها.. وأسمهان لم تكن تحب الرجال الضعاف, فقد كانت تسر لصديقاتها بأنها تحلم برجل قوي, رجل يشعرها بضعفها, ولكنها لم تجده يوماً... وكثيرا ما قالت أمها إن أسمهان لم تعرف الحب يوما, كان يلمع في عينيها بريق الأنفة والكبرياء، كانت تريد أن تحافظ على سيادتها وحريتها في أن تفعل ما تشاء..
عادت أسمهان إلى مصر بعد أن تركت زوجها الأمير حسن الأطرش.. عادت إلى الغناء والموسيقى والسينما, ووقفت أمام شقيقها فريد في بطولة فيلم (انتصار الشباب) الذي لاقى نجاحا هائلا..
انتصار الشباب كان من إخراج أحمد بدرخان, الذي أصبح الزوج الثاني لأسمهان ولكن لفترة قصيرة, فقد انتهى هذا الزواج بالطلاق دون أن تتمكن أسمهان من نيل الجنسية المصرية.
ومثلما غنت أسمهان لكبار الشعراء أمثال احمد رامي , يوسف بدروس, الأخطل الصغير, مأمون الشناوي , بديع خيري وبيرم التونسي, كذلك تعاونت مع عمالقة التلحين في ذلك العصر, محمد عبد الوهاب، رياض السنباطي, محمد القصبجي وشقيقها فريد الأطرش، إضافة إلى مكتشفها داود حسني..
في عام 1940 مرت أسمهان قرب ترعة من ترع النيل على طريق راس البر, فشعرت بالرعب لدى سماعها صوت آلة ضخ بخارية تعمل في الترعة, وكانت تتمرن على أداء قصيدة لأبي العلاء المعري من تلحين الشيخ زكريا احمد استعداداً لتسجيلها في اليوم التالي للإذاعة, فرمت القصيدة على الأرض خوفا من صوت المضخة, وقالت لصديقها الصحفي محمد التابعي رئيس تحرير مجلة (آخر ساعة) والذي كان يرافقها: "كلما سمعت مثل هذه الدقات تخيلت أنها دفوف جنازة". وكان منجم قد تنبأ لها في بداية حياتها الفنية بأنها ستكون ضحية حادث وستنتهي في الماء.
ويبدو ان هذه النبوءة حفرت فعلا في نفسها, فقد كانت تبكي كل عام عندما تحتفل بعيد ميلادها, مؤكدة لأصدقائها أن هذا هو عيد ميلادها الأخير, وكثيرا ما كانت تردد أنها لن تعيش طويلا.
فيلمها الثاني والأخير (غرام وانتقام) مثلته أسمهان إلى جانب يوسف وهبي وأنور وجدي ومحمود المليجي وبشارة واكيم.. وسجلت فيه مجموعة من أحلى أغانيها, وتزوجت من مخرجه أحمد سالم.
وأثناء تصوير الفيلم قالت أسمهان لمنتج الفيلم يوسف وهبي إنها ستسافر إلى راس البر لترتاح هناك عدة أيام..
وصباح الجمعة 14 تموز 1944 غادرت القاهرة باتجاه راس البر ترافقها صديقتها ومديرة أعمالها ماري قلادة، ولكن السيارة لم تصل إلى راس البر.. لأنها سقطت في النيل.. وماتت أسمهان وصديقتها غرقا, أما السائق فقد اختفى تماما, ولذلك ظل السؤال مطروحا حول سبب وفاتها وما إذا كانت بفعل فاعل, خاصة وان أقاويل كثيرة كانت تحاك حول علاقتها بالمخابرات البريطانية ومن ثم الفرنسية الديغولية, الأمر الذي جعل أصابع الاتهام تتوجه إلى الاستخبارات البريطانية, وأنها تخلصت منها لأنها توقفت عن التعاون معها لصالح الاستخبارات الفرنسية الديغولية.. أيضا وجهت أصابع الاتهام الى زوجها الثالث احمد سالم, كما وجهت الى أم كلثوم التي قيل كثيرا ان وجود اسمهان كان يشكل تهديدا لها.
بعد وفاتها حقق فيلم غرام وانتقام الذي عرض بعد وفاتها مباشرة أرقاما فلكية في شباك التذاكر، مذكرا بنجمة سطعت لفترة قصيرة جدا لم تتجاوز السبع سنوات هي عمرها الفني.