أصوات أميركية تقول: الحرية الأميركية تتلاشى!

د. صباح عزام - الوطن
بينما كان الشعب الأميركي في استقبال العام الجديد عشية رأس السنة قام الرئيس الأميركي أوباما بالتوقيع على قانون طوارئ يعطي الجهات العسكرية والأمنية الأميركية صلاحيات واسعة وغير مسبوقة منذ تأسيس الولايات المتحدة الأميركية فتحت ستار الحفاظ على المصالح النفطية والأمنية، ومن أجل حماية مصالح إسرائيل صدر هذا التشريع الجديد الذي خوّل الجيش والأمن الأميركيين صلاحيات كبيرة لاعتقال المدنيين دون ذكر أسباب اعتقالهم أو التهم الموجهة إليهم، ومن هذه الصلاحيات: سجن أي إنسان «مشتبه به» لمدة زمنية غير محددة، قد تكون أبدية ومن دون محاكمة.
والجديد في هذا القانون أن هذه الصلاحيات العسكرية غير المحدودة تنطبق على المواطن الأميركي في داخل الأراضي الأميركية وخارجها، ويرى كثير من الباحثين والمحللين السياسيين أن المستهدف الحقيقي من هذه القوانين هم العرب الأميركيون والمواطن المسلم بشكل عام.
وفي بيان صحفي، علق المدير التنفيذي لجمعية الاتحاد الأميركي للحريات المدنية على هذا التشريع واصفاً إياه بأنه «خطير جداً، ليس له محدودية زمنية أو جغرافية، وفي المستقبل يمكن للرؤساء اللاحقين أن يستخدموا هذا القانون لأعمال اعتقال المدنيين البعيدين عن مواقع القتال وزجهم في السجون العسكرية، وأن أي اعتقال عسكري للمواطنين الأميركيين أو غيرهم في الولايات المتحدة يعتبر مخالفاً لدستور البلاد والشرعية القانونية».
سياسات جديدة
وفي مقال في صحيفة «الواشنطن بوست» نفى البروفسور (جونثان تورلي) أن تكون الولايات المتحدة ما زالت المثال للحرية، وأكد أن الحكومة الأميركية تبنت قوانين عديدة تحد من الحريات المدنية للشعب الأميركي تحت ستار محاربة الإرهاب، وقارن البروفسور، وهو من جامعة جورج واشنطن، بين ممارسات الحكومة الأميركية وممارسات الدول الديكتاتورية، مثل السعودية وغيرها في مجال التعامل مع المواطنين والتجسس عليهم. وأشار الكاتب في مقاله إلى مجموعة من السياسات الرئيسية التي تبنتها الولايات المتحدة منها:
- الاعتقال المفتوح لأي مواطن مشتبه به بنيات إرهابية!
- قتل أو إعدام المواطنين الأميركيين الذين تقرر الإدارة الأميركية أنهم حلفاء للإرهاب دون محاكمة.
- التفتيش غير الشرعي، والتجسس على المواطنين الأميركيين، وإجبار الشركات وأصحاب العمل والمصالح على توفير معلومات تخصّ المواطن مثل اتصالات التلفون والإنترنت، وحسابات البنك، ولائحة الأصدقاء.. إلخ!
- العدالة العشوائية التي تخوّل الرئيس الأميركي حق إصدار قرار محاكمة بحق أي معتقل أمام محكمة مدنية أو عسكرية.
- مناهضة أي جهود تهدف إلى تقديم المسؤولين عن سياسة التعذيب إلى المحاكمة لمحاكمتهم كمجرمي حرب، حيث لم يسمح الرئيس «أوباما» بتوجيه الاتهام إلى أي فرد من المخابرات الأميركية أو من الجيش الأميركي ارتكب أعمال تعذيب أو بمحاكمته، وخاصة من رجال الـ«سي. آي. إيه».
- الاستخدام الروتيني للأدلة السرية لاعتقال المدنيين ومحاكمتهم أمام المحاكم الفدرالية أو العسكرية.
- إعطاء الحصانة القانونية للشركات الخاصة التي تساعد على التجسس على المواطن الأميركي، ومن ثم تُنكر الحكومة الأميركية حقاً أساسياً من حقوق الضحية في مقاضاة ومساءلة تلك الشركات.
- ازدياد عدد المحاكم السرية وتوسيع صلاحياتها لتشمل أفراداً تعتبرهم الإدارة الأميركية من مناصري حكومات أو منظمات معادية.
- إزالة العقبات القانونية لنقل المواطنين الأميركيين إلى دولٍ أخرى لتعذيبهم في السجون والمعتقلات التي افتتحتها السلطات الأميركية في أكثر من دولة وخاصة الدول الاشتراكية السابقة.
- المراقبة المستمرة لتحركات المواطنين باستخدام جهاز الـ«جي. بي. إس» دون أي قرار مسبق من المحكمة يبيّن دواعي هذا التجسس.
مؤشرات سخيفة
هذا وقد حذّر أكثر من سيناتور أميركي من هذه الأمور والإجراءات والسياسات التي أقرها القانون الجديد، منهم على سبيل المثال السيناتور «راندبول» مشيراً إلى أن المؤشرات التي تعتمدها أجهزة المخابرات الأميركية للاشتباه أو لاتهام أي مواطن بنيات إرهابية سخيفة، ويمكنها أن تعرض كل مواطن أميركي للسجن دون محاكمة. فمن غرائب الدلائل «للمشتبه بهم» المعتمدة لدى سلطات المخابرات في أميركا:
1- كل من فقد أصابعه.
2- كل من وجدت عنده مؤونة غذاء لمدة سبعة أيام.
كل من أراد دفع فاتورة الهاتف نقداً...إلخ.
وقد تمَّ نشر هذه التعليمات في مذكرة وُزِّعت في الأماكن العامة مثل المطاعم والفنادق ومواقع العمل، وذلك بهدف أن يقوم المواطنون بمراقبة بعضهم بعضاً، ويبلغوا السلطات المختصة عن كل تصرفٍ يعتقدون أنه غير طبيعي أو لافت للنظر.
وما يجدر ذكره أن هذه القوانين المضادة لحرية الشعب الأمريكي والمقيدة له تمَّ تمريرها بتصويت الأغلبية في الكونغرس، وبينما كان الرئيس «أوباما» يعلن بين الحين والآخر أنه سيستخدم حق الفيتو لإلغاء تشريع الاعتقال المفتوح، كشف أحد أعضاء الكونغرس أن البيت الأبيض طلب عدم استثناء المواطنين الأمريكيين من الاعتقال المفتوح، الأمر الذي جعل الكثير من المفكرين الأمريكيين يشيرون إلى هذا الأمر، منهم على سبيل المثال البروفسور «تورلي» عندما كتب في إحدى الدوريات الأمريكية مقالاً حول هذا الموضوع قال فيه: «لقد تعوّد الأميركيون على عدم مصداقية ساستهم».
استنتاج
باختصار يمكن القول إنه لا فرق بين سياسة الرئيس السابق «بوش» الابن، وسياسة الرئيس «باراك أوباما» الذي وعد بالكثير من التغيير ولم ينفذ منه شيئاً، ولا فرق بين ممثلي الحزبين الجمهوري والديمقراطي، فكلاهما تموله وتشتريه مجموعات المصالح الخاصة والشركات الكبرى العابرة للقارات، ومن أبرز هؤلاء المشترين «اللوبي الصهيوني» على حساب المواطن الأمريكي المغلوب على أمره. وفي الوقت الذي لا يزال الإعلام الأمريكي بوسائله المختلفة يخدع الأمريكيين ويبيعهم حلم الحرية وحقوق الإنسان والديمقراطية، تتم «أسرلة» قوانين الولايات المتحدة لسحب البساط من تحت أرجل العامة من الناس. وبات التشابه كبيراً في تعامل أجهزة السلطة الأمريكية مع المواطنين المسلمين أو من أصل عربي، وبين تعامل الدولة الصهيونية مع المواطنين العرب في فلسطين المحتلة، وخاصة منهم عرب 1948.
لقد باتت الحرية في أمريكا تلفظ أنفاسها الأخيرة كما قال أحد المحللين الأمريكيين حيث إن كل مُقلِّد أعمى أو متحالف منتفع سيجلب الدمار والتفتيت إلى دياره لا محالة.