أطفال إشارات المرور ... أخضر أصفر أحمر انطلق؟؟!

شام نيوز- وجيه موسى
ما إن تتوقف دقيقة واحدة عند إشارة المرور حتى يتجمهر أمامك مجموعة من الصبية يعرض عليك كل منهم بضاعته متذللا إليك ، راجيا منك أن تجبر بخاطره، بعد أن يسمعك وصلة من الدعاء والابتهال إلى الله أن يوفقك ويوفق زوجتك وأولادك، ويزدك الله من نعيمه عله "يحنن قلبك" ،وتشتري منه علكة أو علبة محارم أو حتى "قداحة " فإن رق قلبك واشتريت فزت بالدعاء ، وان امتعضت من ذلك وانتهت دقيقة التوقف على الإشارة وانطلقت ولم تشتر حتى تسمع بداية موشح من نوع أخر فيه شتائم لا تخطر على بال.
هذه الصورة العامة عند الإشارات الضوئية ليس في دمشق فقط وإنما في أغلب محافظات القطر.أطفال لا يتجاوزن العاشرة من العمر يعرضون عليك المناديل والعلكة ويقبلون على زجاج السيارة كبركة هبطت من السماء للحصول على مبلغ زهيد لا يقارن مع ما يهدر من ماء وجههم.
باختصار شديد هم أطفال متسولون يقضون معظم وقتهم تحت أشعة الشمس أو تحت المطر بينما من المفترض أن يكونوا في مدارسهم، وهناك من يستغل هؤلاء الأطفال بسبب ظروف الفقر والعوز لإقحامهم في العمل بالتسول كحل لمشاكلهم المادية.
التسول ظاهرة قديمة ومستمرة وهي تعتبر من أكثر الظواهر خطرا على المجتمعات فكيف إذا كانت هذه الظاهرة تمتد إلى الأطفال الصغار دون سن البلوغ . شام نيوز رصد بعض هذه الحالات واستطلع بعض الآراء حول هذه الظاهرة :
عند إشارة مستشفى دمشق "المجتهد" صبي في الثامنة من عمره يبيع العلكة والمصاصات، يسير في اتجاه معاكس، سألناه هل تدرس، فقال "في الصف الثالث، ولا أبيع إلا في العطل المدرسية"، وأضاف أن والده عاطل عن العمل لمرضه، ويجب أن يعمل ليساعد أهله، وأشار إلى أن والده أحياناً يحضر معه، سألناه "ألم تتعرض لمضايقات خاصة وأنت طفل صغير؟"، قال "كثيراً ، لكنهم يعطونني نقوداً كثيرة
•فتاة في الثالثة عشرة من عمرها، تبيع الشيبس والعلكة والمحارم على إحدى إشارات مرور دمشق عند سؤالها عن السبب قالت "لا أحد يهتم بي، أبي طلق أمي وأنا صغيرة، وأمي متزوجة من آخر ، ولا أحد يريدني أنا وأخي الأصغر مني بسنة، وهو أيضاً هرب من البيت، وسمعت أنه يتعاطى المخدرات.
•رامي في الخامسة عشرة من عمره، يمسح زجاج السيارات عند إشارة شارع /30/ يقول إنه لا يعرف أهله، تربى عند عائلة أخبرته فيما بعد أنه ليس ابنها، وأنها وجدته ملقى في أحد الأبنية المهجورة، ولكن العائلة ربته لتستغله في السرقة والتسول، وهي تعاقبه إذا لم يحضر معه مالاً كثيراً.
يقول حسن :كنت في البداية كأي طفل ينعم بالسعادة مع أبيه وأمه، لكن مرض أمي بالسرطان قلب كل الموازين، حيث سافرت أمي للعلاج عند أهلها، وتركتنا ثلاثة أولاد وبنتين دون أن يرعانا أحد، وأهملنا والدي بقضائه معظم الوقت خارج البيت، وتركنا دون طعام أو شراب، وأحياناً كان يغيب لأيام لا نعرف وجهته، وهل سيعود أم لا؟".
ويضيف حسن "اضطررت للعمل في الشارع، وأهملت دراستي بعد أن كنت متفوقاً، والآن ليس لي عمل سوى بيع العلكة والمناديل أمام الإشارات الضوئية حتى أعيش.
ثلاثة أطفال متقاربين في العمر يتبادلون الحديث فيما بينهم بين الفينة والأخرى كما يتبادلون البضائع أيضا وكأنهم شركاء عرفت فيما بعد بأنهم أشقاء وعند سؤالي لهم عن النقود التي يجمعونها لحساب من.. كان الجواب بأن والدهم هو من يحضرهم كل صباح إلى هنا ويأتي مساء لاصطحابهم, واخذ ما تمكنوا جمعه من نقود.
يقول أحد الذين سألناهم عن هذه الظاهرة إن اغلب هؤلاء الصبية ليسوا بحاجة لذلك التعاطف السلبي لأنك عندما تعطيهم تقدم لهم مبرراً جديداً لاعتماد هذه المهنة وتكرس قناعاتهم بهذه المهنة
•يقول أخر : إن دافع العطف لدى العابرين على الشوارع ينبع في الغالب من شعورهم اتجاه أبنائهم وهم بعطفهم يحاولون التخفيف من وطأة الأذى الذي يلحق بنفوس الأطفال،لكن وبغض النظر فمن منا يمكن أن يصدق أن هذا الطفل الذي يقف لساعات طوال في مكان بعيد عن المراقبة والرعاية يبقى على طبيعته الطفولية الصرفة؟
•يقول أخر لولا الحاجة لما وجدتهم يعرضون أنفسهم للاهانة والذل من أجل قروش قليلة فالحياة صعبة "والله يعين الناس "
•كما ترى يتم استغلال مشاعر الناس للتعاطف معهم لكونهم يثيرون الشفقة والإحسان مما يزيد من تلك الظاهرة وانتشارها ،ويجب عدم الانسياق وراء العواطف واستثارة المشاعر لان التعاطف بمثل هذه الحالات يزيد من هذه المشكلة بدلا من تداركها.
إن هذه الظاهرة غير حضارية وغير إنسانية ويجب أن تتكاثف كل الجهود للحد منها ومعاقبة كل من ينظمها فالقانون يجب أن يكون صارما وخصوصا مع الأشخاص الذين يستغلون الأطفال بهذه الطريقة الغير إنسانية.
رأي القانون
•يقول أحد المحامين فيما إذا اعتبرت هذه الظاهرة بابا من أبواب التسول فالتسول معاقب عليه قانونا ضمن قانون العقوبات السوري بالمواد:
المادة 603
يعاقب بالحبس من شهر إلى ستة أشهر وبالغرامة مائة ليرة أبو القاصر الذي لم يتم الخامسة عشر من عمره أو أهله المكلفون إعالته وتربيته رغم اقتدارهم وتركوه مشرداً.
المادة 604
من دفع قاصراً دون الثامنة عشرة من عمره إلى التسول جراً لمنفعة شخصية عوقب بالحبس من ستة أشهر إلى سنتين وبالغرامة مائة ليرة.
وشددت العقوبة إذا تم استخدام القصّر في التسول.
إن حرمان الأطفال من حقوقهم بالتعليم والحياة الكريمة وإدخالهم في عالم بعيد عن عالمهم كل البعد يجعلهم يفقدون حسهم الطفو لي ويكتسبون عادات شاذة ويتعلمون تصرفات لا تنسجم مع طفولتهم البريئة اضطروا لتعلمها بسبب الاحتكاك اليومي بذاك المجتمع الذي لا يناسب أعمارهم ولا عقولهم التي لم تنضج بعد لتميز الصحيح من الخطأ والجيد من الرديء مما يصدر لهذا المجتمع جيل شاب أمي غير متعلم وعالة على هذا المجتمع لا ينتج إلا الكثير من المشاكل الاجتماعية لاحقا من التحول إلى الجريمة أو الدخول في عالم المخدرات والانحرافات التي لا تنتهي.
إن المستفيدين من تشغيل الأطفال بالتسول يستغلون الطرفين بطريقة غير إنسانية فالطفل الصغير يدخل إلى عالم مجنون لا يعرف إلا المصالح والمنفعة ولا يفقه غير المادة وكيفية الحصول عليها بذلك تتحول تلك البراءة وتتشوه بما تكتسبه من الاحتكاك بهذا المجتمع
مكان الأطفال الطبيعي في بيوتهم ومدارسهم وعالمهم الجميل البريء وأحلامهم البسيطة الصغيرة وبين ألعابهم الطفولية وليس في الشارع يمدون أيدهم للحصول على المال الذي سيقضي على طفولتهم مستقبلا وسيكون هو النهاية لحياتهم الكريمة لاحقا وموتا أكيدا لكل طموح أو مستقبل كان ممكن أن ينتظرهم يوما……
إن هذه الظاهرة بحاجة لجهود منظمة ولخطط من اجل القضاء عليها ولوعي من كل أفراد المجتمع بمكافحتها واهتمام أكبر من المؤسسات الحكومية والشعبية ورصدها ودراستها للوقوف على حقيقة وجودها من أجل وضع الحلول المناسبة للتخلص منها وبالتالي حماية أطفالنا ومجتمعنا من هذه الظواهر السلبية والمدمرة .