أطفال مناطق السـكن العشوائي..يرسمون أحلامهم.. ويمارسون هواياته.... في أماكن لاتتناسب وطفولتهم

كما يقول المثل الشعبي «العين بصيرة، واليد قصيرة».. لا حول ولا قوة لنا، فأصواتنا لم تصل في يوم الى المعنيين، وما ينقصنا الكثير من الخدمات والحاجات الضرورية، شوارعنا بلا تعبيد، وطرقاتنا بلا أرصفة، والممرات تضيق على شخص بمفرده أن يمر بها، وبيوت تكاد تلامس بعضها بعضا، وأطفال لا تتسع لهم ساحات البيوت مهما كانت تحركاتهم بسيطة، ولكن أين الحلول، وكيف السبيل للخروج من هذه الحال التي لا تسر عدواً أو صديقاً...؟!!
هذا لسان حال سكان مناطق السكن العشوائي ومناطق المخالفات..
لاءات لا تنتهي
وفي جولة لصحيفة الثورة لبعض هذه المناطق، تجمع حولنا سكانها وكأننا المنقذ، لينطلقوا بشكواهم التي تعددت بين لاءات لا تنتهي، لا تعبيد في الشوارع، لا حدائق للأطفال، لا مدارس تكفي، لاسرافيس تخدم المنطقة، لاحاويات تضم القمامة التي تتجمع في كل مكان.. تقول السيدة ميساء شامية من منطقة /86/.
لا يوجد أي متنفس لأطفالنا، فالشوارع تضيق بهم، وهي غير آمنة، وفي الآن نفسه، تتجمع فيها القمامة والأتربة وعند هطول الامطار تتحول الى تجمعات من الأوحال والطين، لذا يفضل الأهل حجب أولادهم عن النزول الى الشوارع رغم ضيق المنازل وعدم توفر الشروط الصحية فيها في أغلب الأحيان، ويمكن لبعض الأهل ممن يمتلكون الوقت والمال الكافيين، إرسال أولادهم الى احد النوادي في المناطق النظامية القريبة منهم مثل ملعب الجلاء، وملعب تشرين، لكن ليس الجميع لديه المتسع لذلك..
صيحات.. في مهب الريح
يقول العم أبو علي، لو اقتربت قليلا من البيوت وحاولت استراق السمع، لسمعت صراخ الأطفال وهم يلعبون ويتشاجرون وتعلو أصواتهم من أجل ربما لعبة يختلفون عليها، أو قطعة حلوى يتخاطفونها، والأم هي القاضي الذي لا يجد من أساليب التهدئة أي جدوى، فيعلو صوتها فوق صوتهم، وهكذا تنشأ معركة أطرافها الأهل والاطفال، لأن الجميع يحتاج متنفسا له بعيدا عن المنزل الذي يضيق بهم ولا سبيل لذلك، وعلى الجميع القناعة، الى أن تأتي الحلول من عالم الغيب أو من عالم المعنيين بالشأن...
الحال... ليست أفضل
وفي لقائنا لمجموعة أطفال وجدوا مكانا يقضون فيه أوقاتهم بعد الانصراف من المدرسة، لا تظنوا أنه حديقة عامة، أو ساحة مخصصة لهم، بل هو مكان لتجمع النفايات، فاستثمروه لقضاء أوقاتهم، المسروقة قبل الدخول الى المنزل، وممارسة الأهل عليهم سياسة المنع من الخروج والعبث بالشارع خوفا عليهم من حادث طارىء أو اصابة غير آمنة، أو شجار مع أبناء الحي....
يقول الطفل عامر من الصف السادس: اجتمع كل يوم مع أصدقائي في هذا المكان نلعب معا بالكرة، وبعدها نذهب الى البيت، وعن سؤاله ماذا تفعل والدته عندما تجده وقد اتسخت ثيابه، حتى ساء حالها.. يقول «لا بأس لدى أمي غسالة أتوماتيك» لأنه غير مسموح لنا بالخروج الى الشارع ولا حدائق ولانوادي في منطقتنا «دف الشوك».
أما صديقه محمد فيقول:«ليس هذا المكان الذي نلعب به، بل هناك بستان قريب لا زرع فيه، نتجمع فيه أحيانا للعب، لكننا أصبنا أكثر من مرة من جراء وجود حجارة كثيرة نصطدم بها فتؤدي الى اصابتنا بجروح قد تكون بالغة أحيانا...
لكن لا خيار لنا...
أمـــا الشــــــــاب الذي لقب نفسه بـ أبــــــو عبده فيـــقول: «نشكل كل يوم فريقين ونتبارى معا، والفريق الفائز عليه أن يحضر لنا (أكلة طيبة) وهؤلاء الأطفال أتوقع أن يكون لهم مستقبل متميز في مجال الرياضة، رغم عدم توفر الشروط الملائمة للتدريب، وعدم تبني أي جهة مواهبهم، حتى مدارسنا تكتظ بالأعداد الكبيرة ضمن الصفوف حتى لتتجاوز الستين طالبا، والمدارس تضيق بنا ولانجد فرصة لممارسة هذه الهواية المفيدة... نأمل أن نأخذ حقنا من الجهات المعنية، فأي موهبة تحتاج عناية خاصة لتنميتها...
هذه حالهم فكيف يرد المسؤولون عن تساؤلاتهم وهل نجد حلولاً على المدى المنظور، أم أن الواقع يحتاج معجزة تقلب حاله السيء الى حال أفضل..
نعمل.. .ضمن الإمكانات المتاحة
نقلنا حال المواطنين في منطقة /86/ الى المهندس سامر حداد رئيس بلدية المزة فقال:
ينقسم عملنا في دائرة الخدمات الى قسمين أولها معالجة وقمع مخالفات البناء المحدثة بموجب المرسوم 59 الصادر من السيد الرئيس والمرسوم /11 لعام 2003، بالهدم الكامل وإحالة المخالفة للقضاء بموجب التعليمات التنفيذية..
والأمر الثاني هو إجراء عمليات الترميم للشوارع الرئيسية والفرعية بمادة الزفت وصيانة الأرصفة، وتنفيذ طلبات لجان الاحياء في الاجتماعات الدورية معهم..
وبالنسبة لحدائق الاطفال، فلا توجد، لأنه لا توجد أصلا مساحات أرضية في /86/ تصلح لتكون حدائق، بسبب البناء العشوائي المخالف، وطبيعة المنطقة أيضا تقف عائقا في تنفيذ هكذا مشاريع... علما أننا نطلب باستمرار في دائرة الخدمات وندعو لتنظيم منطقة المخالفات واستصدار مخططات تنظيمية تلحظ المرافق العامة من مستوصفات، ومشاف وحدائق، وتفتقد منطقة المخالفات لما يسمى لجان البناء المصادق عليها أصولا، ولا وجود لهيئة شاغلين، وبالتالي، تفتقد المنطقة الى صلة الوصل بينها وبين دائرة الخدمات ، ما ينعكس على المواطن بشكل سلبي...
السكن ضرورة .. والحدائق رفاهية
المخالفات الجماعية لا تدخل ضمن المخططات التنظيمية، إلا أن ذلك لايمنع من تخديمها ولو بالحد الأدنى، فالسكن والغذاء والماء ضرورة وليست حاجة، وعندما يفكر الإنسان في مأوى فلا وقت ليفكر في رفاهية الأولاد... وخصوصا أن الموضوع تم في فترة سابقة وبظرف معين، وتحت ضغط معين...
وفي سؤالنا هل ثمة مشاريع على المدى المنظور تجاه هذا الأمر؟
قال المهندس باسم الشيخ مدير خدمات الميدان أن هذا الموضوع استراتيجي ودائرة الخدمات هي جزء من المحافظة، والمحافظة جزء من الإدارة المحلية، ووزارة الإدارة المحلية هي التي تنسق مع وزارة الاسكان ومع وزارة التخطيط، ونحن كدوائر خدمات جهات منفذة، والخطوات الأولية للمرسوم/59/ والقانون رقم/1/ وموضوع تطويب المخالفات كلها خطوات ايجابية في موضوع التطوير والتحديث.....
ان المخالفات مضى عليها عشرات السنين نتيجة حاجة أو ضرورة للمواطن لتأمين المأوى والسكن، وعلاجه يحتاج الى تضافر جهود وزارات عدة، والقيام بمسح اجتماعي لعدد شاغلي المنطقة، واحتياجاتهم، ومناقشتها بالتفصيل حتى يكون المشروع ناجحا، عندها تهدم هذه المخالفات كاملة ويبنى محلها أبنية نظامية..
أعطونا مناطق خالية من الإشغالات نعطكم حدائق..
ويبدو أن الحلول متاحة في مديرية الحدائق، يقول المهندس بشار بسطاطي، مناطق السكن العشوائي لم تخضع لأي تنظيم، أو تخطيط، وبالنسبة لنا عندما تسلم لنا مناطق خالية من الاشغالات وضمن نقاط حدودية على الواقع، نقوم فورا بتنفيذ الحدائق..
ولكنني في الوقت الراهن ليس لدي دراية فيما إذا كان من المقرر اعادة تأهيل هذه المناطق، أو هل هناك تنظيم جديد لها، أم هل سيقام مكانها أبراج.. فهذا من شأن التنظيم العمراني وبرأيه، الحل يكمن في اعادة تنظيم مناطق المخالفات ، وبناء أبراج سكنية، بتنظيم حديث، تلحظ بها جميع الخدمات من حدائق، ومستوصفات ومدارس، وسواء أعطيت لشركات قطاع عام أم خاص، المهم أن تلغى المخالفات... ومشوار المئة ميل يبدأ بخطوة... فهل نبدأ..؟!!
سانا