أعطني حذاء جيداً ... لأصعد إلى القمر

 

هيفاء عجيب. تشرين

صحيح أن دارون سرق منا نظرية تطور الأنواع , وأن اينشتاين قد سبقنا إلى نظرية النسبية, كما أن كثيراً من النظريات العلمية كنا على وشك أن نصل إليها لولا أن هؤلاء الأجانب استعجلوا (حبتين) ليسبقونا لأنهم لا يعرفون أن العجلة من الشيطان, 

رغم كل هذا علينا ألا نصاب بالإحباط , فنحن لدينا  نظرياتنا المحلية الخاصة, وبعد نظرية (الثقب) ونظرية اقتصاد السوق الاحتكاري, ونظرية (كل مين إيدو إلو) وغيرها, أجد أن نظريات أخرى جديدة يروج لها البعض, أعجبتني منها نظرية ( ديالكتيك الحذاء والرأس), وقبل استعراضها لتعميم فائدتها, من الضروري الإشارة إلى بعض جذورها التاريخية.


الحذاء الألمع تاريخياً
كنت أعتقد أن الحذاء الذي يستحق اللقب هو حذاء سندريلا, نظراً لارتباطه بقصة شهيرة تتمنى كل فتاة لو كانت بطلتها, إلا أني وجدت أنه غير ملائم لخصوصية بيئتنا, فلو حدثت هذه القصة في بلدنا, لعجز الأمير عن إيجاد عروسه, والسبب بسيط وهو أن  الأحذية عندنا لا علاقة لها بمقاسات أرجلنا, فقد  يبحث العاشق المسكين عن فتاته التي يفترض أن نمرة حذائها 37 مثلاً, ليكتشف بعد فوات الأوان أن نمرة رجلها الحقيقية هي 40 ولكنها اضطرت لحشر رجلها في حذاء ضيق لأنها استعارته من أختها أو صديقتها لتحضر به الحفلة , أو بالعكس رجلها أصغر من الحذاء لأن أهلها اشتروه كبيراً لكي لا يضطروا لشراء واحد جديد في السنة التالية، ثم إن ابنتي الصغيرة نبهتني إلى أن الأمير غبي جداً, فلماذا يبحث عن سندريلا بوساطة حذائها, بينما يستطيع أن يميزها من وجهها! أنا شخصياً أفسر هذه النقطة بأن الأمير ليس غبياً, بل ربما كان (تنبلاً) ليس لديه استعداد للذهاب من أجل البحث عنها, فأرسل الخدم بالحذاء ليعثروا عليها ويأتوا بها من دون أن يكلف نفسه أي عناء.
أما الأحذية التي تسببت قديماً باشتعال الحروب بين القبائل نتيجة رميها على بعض الأشخاص المهمين, فهي غير موثقة لدينا تلفزيونياً, ولا أعتقد أن حروباً من هذا النوع ستتكرر رغم شيوع حوادث الضرب بالأحذية, ربما  لأن البعض قد (تمسح) ولا تهمه هذه الإهانات.
على كل حال لا داعي للعودة إلى الماضي البعيد, فالمدخل إلى النظرية السالفة الذكر هو النظر إلى عقب قدميك حيث الندوب التي تركتها الأحذية ستؤثر على رأسك.
نظرية (أعطني حريتي.. أطلق قدمي)
 هذه النظرية يعود اختراعها إلى جارنا (أبو نادر)      الذي عانى في طفولته من جزمة بلاستيكية شبيهة بما يرتديه عمال البناء, قبل أن يحكم حذاء الفتوة الأسود قبضته على رجليه, وهو يستغرب تسمية هذا الحذاء الكريه بالفتوة وهو أبعد ما يكون عن هذا المعنى من معاني الشباب والحيوية, فهو حذاء خلق للتضييق على أفكارنا,  ومنعنا من اللعب والحركة, وسرعان ما ترك الدراسة بسبب مشكلاته مع الإدارة  نتيجة إصراره على ارتداء حذاء رياضي, ثم ذهب للعمل في دولة مجاورة , وهناك توصل إلى صياغة نظريته  بعد أن جرب انتعال الأحذية الجلدية المريحة, والرياضية التي تحفز القدرات الخيالية، إذ يعد أن سبب آلامنا النفسية, والكبت الذي عاشه جيلنا هو تلك الأحذية القاسية, وأن مرحلة الانفتاح بدأت مع دخول الأحذية المريحة.
أما السيدة ابتسام فلها نظرية شبيهة بالسابقة لكنها ذات طابع أنثوي إذ تقول: أنا توظفت في الثمانينيات, حين كان دارجاً أن تذهب الموظفة إلى عملها بفستان أو تنورة , مع حذاء بكعب عال ورفيع, إضافة إلى جوارب نايلونية شفافة تخرب لأي حركة فنضطر لاستبدالها بشكل شبه يومي, ولا يمكن تخيل كم المعاناة بارتداء تلك الأحذية طوال اليوم ولاسيما أنه كان علينا تنفيذ عقوبة يومية في الصباح والمساء  وهي الركض وراء الباصات, لذلك ومن وحي معاناتي استنبطت نظريتي الخاصة, التي تقوم على أن رجلاً ماكراً هو من اخترع موضة الكعب العالي  من أجل منع النساء من التطور والمشاركة في الحياة بصورة فعالة, بل حتى لكي تكره الخروج من البيت, وهذا الأمر ليس مستبعداً على تفكير الرجال, لأني سمعت أن أحدهم وهو حاكم مصري قديم غريب الأطوار  قام بمنع صناع الأحذية من صنع أحذية خاصة بالنساء كطريقة لمنعهن من التحرك, وإن كنت متأكدة من أنه لم ينجح في مسعاه حيث إن الناس اعتادوا أن يتحايلوا على القوانين الجائرة بطرقها المبتكرة, فالأرملة المضطرة للخروج مثلاً سترتدي حذاء المرحوم أو قد تخرج حافية بكل بساطة. 

 
لا أستطيع أن أفكر وأنا أرقص
وبمناسبة السير حفاءً تذكرت مقالاً قرأته حديثاً لكاتب سوري شهير تحدث فيه عن فيلم (الكونتيسة الحافية) وعن حذاء لمارلين مونرو بيع في المزاد بأحد عشر ألف دولار فقط, ثم قدم نصيحة عصرية للمرأة لتحوز قلب زوجها, بأن عليها أن تكون راقصة ومغنية وترتدي الملابس الفاقعة التي تجعل الزوج يدوخ وراء مشيتها المغرية. وإثر قراءتي المقال طرحت الفكرة على مجموعة نساء بينهن عاملات وربات منازل ومن أعمار متفاوتة, فكان جوابهن أن على الرجل الراغب بهذا الدور الشهرياري أن يؤمن لزوجته أولاً خادمة, لأن من تشتغل طول النهار لن تستطيع الرقص ليلاً, ويؤمن مربية للأولاد أيضاًَ لكي يبقى مزاجها رائقاً, أو ألا تنجب أصلاً يكون أفضل لكي لا يعوقها الحمل والإرضاع عن مهمتها المقدسة بإسعاد الزوج, وطبعاً هي غير موظفة, لأن عليها أن تتفرغ لمشاهدة الأفلام العربية, وتحرم عليها متابعة الأخبار أو قراءة الكتب, فكلها أشياء مضادة للمزاج والفرفشة  المطلوبة.

 


ماذا يفعل الرجل إذا بنشر دولاب امرأته ؟
وتعقيباً على النظريات السابقة, تذكرت حادثة حصلت مع إحدى صديقاتي تؤكد أهمية الحذاء في تحديد المصير, فهي قصة شبيهة بقصة سندريلا, لكنها معكوسة, فصديقتي التي كانت تتمشى مع خطيبها في الطريق مختالة بكعبها العالي, تعرضت لحادث من الحوادث الروتينية التي تقع في مثل هذه الحالات, إذ فجأة طق كعب الحذاء, ووجدت نفسها عاجزة عن متابعة السير , خطيبها وقف مذهولاً يكاد يبكي من الارتباك والحرج من نظرات المارة ونظراتها المستنجدة ليفعل شيئاً, لكن الرجل عجز عن الإتيان بحركة, فلو أن سيارته تعطلت لكان إيجاد حل أهون عليه.. عند ذلك تبرع أحد أصحاب المحلات القريبة الذي راقب الموقف, بدعوتها للجلوس في محله, وأرسل الحذاء المخلوع مع صبيه للتصليح الفوري... والخطيب حمل الخاتم المخلوع وأكمل المشوار وحده!


نسيت يا أستاذ
عندما تحدث صاحب نظرية (أعطني حريتي أطلق قدمي) عن معاناته مع الأحذية المدرسية, تبرع صديقه أحمد بذكر موقف يؤكد أن الإنسان خلق حافياً ويرغب بأن يبقى هكذا لولا المجتمع, فهو يقول: والدي ذهب في إعارة تدريس إلى إحدى الدول العربية منذ حوالي عشرين سنة, وأهل ذاك البلد مغرمون بالحرية إلى درجة أن بعض الأولاد كانوا يأتون الى المدرسة حفاة ! حاول المعلم إقناعهم بارتداء (شحاطة) ليس أكثر, فكانوا يلبون رجاءه على قدر ما يسمح مزاجهم, يأتي واحدهم  يوماً وفي رجليه (شحاطة) ثم في اليوم الثاني يأتي حافياً, فيسأله المعلم: لم لا تلبس شيئاً في رجلك يا فلان؟ فيرد التلميذ ببراءة: نسيت يا أستاذ...  وفي النهاية المسألة مسألة مزاج, البعض يستطيع العيش من دون حذاء , والبعض يحتاج إلى ثلاثة آلاف زوج أحذية في خزائنه ليكون راضياً (لاشك في أنكم تذكرون أحذية ايميلدا ماركوس التي كانت السيدة الأولى في الفلبين)، كما أن أولادنا الذين يسعدون إذا تركناهم يرتدون أحذيتهم بالمقلوب, حالهم برأيي أفضل من حال ابنة (توم كروز) التي ارتدت الكعب العالي وهي في الثالثة من عمرها, من دون أن تنبري جمعيات حقوق الإنسان للدفاع عن طفولتها!