أفول قمر.. على سور دمشق

شهناز فاكوش - الثورة
كانت مثل كل طفولة دمشقية.. تعشق الشام ورائحة المشربيات من خشب الورد.. حين تتطلع عبرها إلى مدينة حالمة يغفو أهلها بأمان على هدهدة بردى الذي يعبر بيوتها مجاوراً مرة وحاملاً لبعضها ومتدفقاً عبر /كباساتها/ أخرى فيروي الشجر ويرطب القلوب القاسية.. فتلين لتنضح حباً وعطاء، وهو يمضي شامخاً مثل أهلها يمنح الخير حيث يسير أو يحل.. كان يطيب لي أن ألقبها بسور دمشق كنت أرى كل البيوت بشهامتها ومحبتها عبر قلمها.. كما كنت ألقب الأخرى بياسمينة دمشق حيث كنت أراها تعرش في كل البيوت لتمنح عبقها لكل النفوس التي تبعث الدفء والحنان والحب فقلمها يقطر عشقاً، أحببتهما لما في نفسي فألقيت عليها مما في نفسي.. قلمان أورقا وأزهرا وأثمرا.. للمكتبة الدمشقية والعربية ما أستطيع أن أقول عنه كنزاً أدبياً دائم التجدد والحياة لا ينضب لأن خصبه يصلح لكل زمان ومكان . فقارئه يعيش زمانه ويستحضر مكانه، فيظل التاريخ حاضراً والمستقبل مشرقاً على تاريخه. أحببت قلميهما وحبهما الذي غمرني في مصيبتي فكانت كلماتهما أرق من ورق الورد وأطيب من ريح المسك وأهدأ من يمامة البيت الدمشقي التي تعشش على أشجاره.. يستيقظ النائم على هديل تسبيحها ليذكر خالقه. شغفت لصوت حدثني.. مواسياً وصوتي مختنق بعلقم الألم وغصة قلبي تقف في حلقي تقطع أنفاسي بين الفينة والأخرى. يا كل الخير.. كنت أنتظر في كل مرة زاوية تخطين بها حروفاً فعبرها أطمئن أنك بخير فلا أثقل في السؤال عنك وأنا أعلم أن قسوة الزمن لابد تمر على الأشداء لتفلّ من عزيمتهم. وأشكال قسوته متعددة تنالنا لتحرمنا بعض ما وهب الله.. لكنها الأقدار في النهاية ونسلم أمرنا لله. أيتها الرقيقة الصلبة، لكل إشراق، غروب ولكل ضياء غياب ولكل نور أفول.. لعل السنوات التي حفرت فيك أخاديد العمر سارعت في لملمة أيامها لتنشرها على سور دمشق. وباتت جزءاً منه، أساسه راسخ على أرضها وحجارته متسامية تتماهى مع سيفه وبرداه.. تعالت قمر.. نثرت كل ضيائها على دمشق.. فاستنار السور مشرئباً بشموخ تاريخه وتاريخها. وأعلنت لحظة الغياب.. توقف الزمن.. أفول القمر.. غابت قمر.. زادك الله أيتها الفاضلة رضاً بالجنة.. لك الرحمة ولنا الصبر والذكريات.. ولقلمك الخلود بين كنوز دمشق.. طبت منبتاً.. وطبت نشأة.. سلام عليك في مثواك.. سلام عليك فيما اختار الله لك.. ترجل قلمك.. عزاؤنا أن قلماً آخر ما زال يقطر عشقاً وحباً للوطن وأهله.. الرحمة لك سيدتي قمر كيلاني. البقاء لك سيدتي كوليت خوري.. الخلود لكل كلمة كتبت في حب الوطن.