أقوال وأفعال بين دمشق وواشنطن

جاءت ردود الأفعال على توقيع الرئيس أوباما على قرار تعيينه لـروبرت فورد سفيراً لواشنطن في دمشق، في أثناء عطلة الكونغرس، الأمر الذي جعل هذا القرار نافذاً، طبيعية ومتوقعة في ظلّ الخريطة الراهنة التي ترسم الواقع السياسي الأميركي، والتي في عنوانها الرئيس وضعت أوباما وإدارته أمام أغلبية جمهورية في الكونغرس.
على أن تفسيراً تبسيطياً رائجاً من هذا النوع، يجب ألا يحيل على النسيان أن قرار إعادة السفير إلى دمشق (حزيران 2009)، ومن بعده تعيين روبرت فورد لم يحصل بعد انتخابات الخريف الماضي، بل قبل ذلك بكثير عندما كان الديمقراطيون يتمتعون بأغلبية مريحة في مجلس النواب والشيوخ على السواء. فما الذي كان يمنع الكونغرس الديمقراطي مثلاً من الموافقة على قرار أوباما الديمقراطي (16 شباط 2010) بتعيين فورد– الذي لمع نجمه أيام الجمهوريين ويتمتع بثقتهم الكبيرة– سفيراً للولايات المتحدة الأميركية في دمشق؟!
إنّ سؤالاً من هذا النوع، من شأنه اقتراح طريقة مختلفة، ومنهج آخر لمقاربة بعض الخطوط الخاصة والاستثنائية في سياسة الولايات المتحدة، والتي لا يمكن لتبسيط سياسي كلاسيكي قائم على ثنائية (موالاة– معارضة) أن يحيط بها أو يكتشف مرجعياتها ومآلها النهائي.
لا ترتسم السياسة الخارجية لواشنطن وفق الثنائية السابقة، كما أن آليات اتخاذ القرارات التي تقع في حقلها لا تكون محكومة بحساب عددي ناتج عن هذه الثنائية، وتزداد المسألة اختلاطاً وتعقيداً عندما يكون أي قرار سيصدر على علاقة بإسرائيل إن كان على نحوٍ مباشر متصل بأحداث ووقائع تجري على الأرض، أو على نحوٍ غير مباشر، ولكن له علاقة بالرؤية الإسرائيلية وإستراتيجيتها الخاصة.
يفسر هذا المنهج، على نحو واضح، كيف أن الحضور الإسرائيلي في المجالس التشريعية الأميركية يطيح بالكلاسيكية الاكاديمية القائمة على ثنائية (موالاة– معارضة) وينتج خليطاً آخر يجمعه عنوان (إسرائيل) ويحكم من جماعات الضغط، وتفرّقه العناوين الأميركية المحضة!!
من وجهة التحليل السياسي، جاء توقيع الرئيس أوباما على قرار تعيينه لـفورد في لحظة سياسية شهدت فيها تشييع المبادرة الأميركية للمفاوضات بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، بعد سلسلة تراجعات متوالية أقدم عليها البيت الأبيض، ليبدو الموقف الأميركي دون رؤية خاصة، ولتتحول واشنطن إلى مجرد مخزن مؤنة لوجستي: سياسياً ومالياً وعسكرياً... للحكومة الإسرائيلية وقادتها. بينما حلفاء الولايات المتحدة من الدول العربية، ووفق حركة أحجار الدمينو، تساقطوا من خلفها واحداً واحداً، ومن يلاحظ خريطة هؤلاء الحلفاء يمكنه تبيان خطوط الضياع والتخبط التي ترسم هذه الخريطة، في واقع مكوناتها داخلياً، وفي انعدام وجود رؤية إستراتيجية خاصة بعيداً عن المحافظة على كراسي الحكم.
يبقى، من هذه الصورة، ملاحظة أن قرار سحب السفير من دمشق عام 2005 اقترن مع اغتيال رفيق الحريري– في عملية مكشوفة وشديدة التكّلف– ولكنها شديدة الارتباط بالعملية السياسية التي كانت تستهدف في أحد جوانبها سورية. فما معنى أن يعاد السفير إلى دمشق في مناخ احتدامي حول عنوان المحكمة الدولية وقرارها الظني المرتقب، والذي لا تزال واشنطن تعلن صراحة أنها لن تتخلى عنه رغم كل ما يشاع عن التوصل إلى تسوية لبنانية عبر سورية والسعودية. تسوية لا يمكن أن تنجز دون تنازلات أميركية وفي عنوان المحكمة الدولية تحديداً؟
في أكثر من مرة كان الأميركيون يقولون إننا ننتظر من سورية الأفعال لا الأقوال، وفي سياق الأحداث استخدمت سورية العبارة نفسها عندما طالبت واشنطن بالأفعال لا بالأقوال.
هل وصول روبرت فورد إلى مبنى السفارة الأميركية في دمشق هو بداية الأفعال؟
شام نيوز- الوطن