أكلات رمضان في حلب.."كل أكلة وإلها غنية"!!!

اشتهر المطبخ الحلبي منذ القدم بتنوع ألوان أطعمته الدسمة كالكبب حتى بلغت أكثر من ثلاثين صنفاً والمحاشي المتنوعة واليبرق و"السندوانات" إلى جانب أنواع الحلوى المختلفة كالكرابيج والمعمول وكعك العيد وأقراص السكر و(الزنكل والنانات) والأشربة السائلة كالسوس والتمر الهندي والقمر دين

ذات النكهة الطيبة والكلفة البسيطة حيث أتقن صناعتها أمهاتنا وجداتنا وقدمنها إكراماً للضيف ووزعنها حسنة على الفقراء والمحتاجين كما أطعمنها للأطفال كغذاء وللمرضى كدواء ونبدأ‏

بالخبيصة:‏

تطبخ الخبيصة في حلب مع النشاء ومع الدبس أو من النشاء مع الحليب والسكر أو النشاء العسل وتغلى هذه المكونات إلى أن تتعقد ثم تسكب في صحون وعندما تبرد يضاف على سطح الصحن الجوز, وكانت تباع على العربات وأمام دور السينما والمدارس ويضع البعض للطبخة ملونات ليكون لون الخبيصة أصفر أو غير ذلك والبعض يطبخها مع عصير البرتقال ويضيفون إليها الحليب وتسمى (حليب مبطن) أو تطبخ بمفردها وتسمى خبيصة البرتقال ويهزج الأطفال ويقولون (خبيصة طيبة ورخيصة).‏

رز بحليب:‏

يطبخ الرز مع الحليب والسكر حتى ينضج الرز ويسكب في صحون وكانوا يتحلون به بعد أكل اليبرق المحشي ويقدمونه كحلوى للضيوف وإذا صبوا فوقه المهلبية الصفرا سموه المبطن - أي أبطن أو أخفى الرز بحليب ويقولون (الرز بحليب كل ما برد أكلو بيطيب).‏

حلوى الحبوب:‏

هي نوع من الحلوى مايزال معظم الناس يطبخونها في بيوتهم واليوم يبيعها الحلوانية في حوانيتهم وهي مكونة من حب القمح بدون نخالة ثم يسلق ويطبخ مع السكر أو الدبس أو العسل واليوم مع الحليب.‏

عند الانتهاء من طبخ الحبوب تسكب في صحون صغيرة أو كبيرة ويرش على سطح الصحن الشمرا أو ماء الورد ومسحوق جوز الهند والجوز ويسمون الحبوب: القمحية الحلوة, وأهالي حلب يطبخونها في العديد من المناسبات الدينية والأعياد ويوزعونها حسنة على أرواح أمواتهم طلباً للثواب ومن الأمثال التي تقال في هذه المناسبة (أكلوا الحبوب وفارقوا المحبوب) والظاهر أن أهالي حلب يطبخونها في المدينة المنورة ويوزعونها على الناس طلباً للثواب.‏

الرشتاية بحليب:‏

الرشتاي أو الرشتاية بحليب هي طبيخ من العجين يشبه طبخ الخبز لكن يضاف إليه الحليب المغلي والسكر وتدعك بالكفين لمدة 20 دقيقة أو أكثر ثم تقطع كتلة العجين إلى كرات حجمها بمقدار قبضة اليد وترق بالشوبك (وهو قطعة اسطوانية من الخشب لها مقبضان من اليمين ومن الشمال وتقطع إلى خيوط عرضها نصف سنتمتر ويسلق في الحليب المحلى وعند برودته يتم تناول هذه الخيوط أو القطع وهناك الرشتاية بعدس وشوربة الرشتاية تلقب بقصاقيص الخياطة لأنها تشبه بقايا قطع القماش ويسمونها أيضاً (ستي ازبقي) ويسمونها علي دلوّ وتناغي الأمهات أطفالهن بهذه الأغنية:‏

تس تك تس تك تساية‏

بعرسك لأطبخ رشتاية‏

وان عيروني الجيران‏

لأضربهن بالجمجاية‏

وتدل هذه الأهزوجة على أن الرشتاية أكلة متواضعة ورخيصة ومن نوادرهم قال واحد لأمه: يامو أجوزك إلا أطبخ لك رز بحليب؟فأجابته تقبر عين أمك, أنا ليش عندي أسنان لآكل رز بحليب؟‏

ويوجد أيضاً رز بعسل حيث يطبخ الرز مع رائب العسل وحالياً لم يعد أحد يطبخه.‏

المهلبية:‏

تطبخ من الحليب والنشاء والسكر ويقال كما ورد في موسوعة الأسدي أن حكيماً من بابل يسمى دودوس وصفها للقائد الشهير المهلب بن أبي صفرة وقد فسدت معدته واعتادت قذف الطعام فصح بها مزاجه ويقدمونها للمرضى لسهولة هضمها كما تقدم للضيوف ويرش فوق صحنها مسحوق جوز الهند واليوم يضعون الفستق الحلبي وفي استانبول تسمى المحلى وينادي بياعها (مهلبية بتاكلا العجوز بتقلب صبية).‏

الهيطلية:‏

من أنواع الحلوى التي اشتهر بها المطبخ الحلبي والتي تصنعها النساء الهيطلية وكانت هذه الحلوى قبل أن يعم طبخها لدى العامة يقتصر تناولها على البيوت الحاكمة والثرية وكان الحكام يقدمونها لكبار ضيوفهم حتى أن الأمير صالح بن مرداس قدمها إلى الشاعر الكبير أبي العلاء المعري عندما زاره في حلب ومع مرور الأيام أصبحت أكلة شعبية تصنع في البيوت وتقدم في المطاعم الشهيرة وهي تطبخ على شكلين تصنع كما ورد في موسوعة الأسدي:‏

الحليب يطبخ مع قليل من النشاء وبعد أن يبرد يقطع ويصب عليه رائب السكر أو البوظة بحليب أو كلاهما ويعطر بالشند والهيطلية بالدبس أقدم من السكر ومن عادة أهالي حلب أن يتحلوا بهيطلية النشاء بعد أكل الكبة بسمك.‏

وأورد الأسدي الكثير من التفاسير نورد بعضها فيقول أنها تحريف (هي طلية) بمعنى بياض الصبح وفي السريانية (حيا طلية) بمعنى حياة الطفل او قوته أي كانت طعام الطفل وحتى اليوم العديد من الأسر يطعمون الطفل الوليد (العرعروط) وهي أكلة مكونة من مادة النشاء ورائب السكر وقد تناولناها جميعاً أثناء طفولتنا والعرعروط أشبه بالهيطلية لكن بشكل بدائي وقد تكون الهيطلية قد تطورت عن العرعروط.‏

كما يعتقد أن الهيطلية من الهطل والهياطلة نقل طبخها أو صناعتها تجار حلب من قبائل كانت تسكن في بخارى وسمرقند وهؤلاء القبائل استمدوها من الصين ولهذا تؤكل الهيطلية بصحون وملاعق خزفية صينية.‏

ويورد القاضي سعد زغلول الكواكبي في مخطوطته (جابرة الطرود) أن الهيطلية حلوى منسوبة إلى مدينة هيطلة من بلاد ما وراء النهر قوامها النشاء بالحليب المطبوخ حتى يمسي رخواً فيصب في صوان ذوات أطر عالية ويسكب عليها الماء البارد وماء الورد المحلى بالقطر ويضاف إليها الثلج وهذه الإضافة تسمى بالعامية (عنبر بوظ) أي الثلج الطبيعي المحلى بالشراب ولما جلبت آلات صناعة الجليد في عام 1907 توقف جلب الثلج الطبيعي إلى حلب من جبال عنتاب القريبة من قمم طوروس ويشتريه علية القوم لاستخدامه في المآكل والمشارب أيام الصيف الحارة.‏

والذين صنعوا هذه الحلوى بحلب هم أفراد الجالية الهيطلية الذين جاؤوا من مدينة هيطل وماتزال أسرة هيطلاني موجودة في حلب إلا أن أفرادها اكتفوا بمهن حرة كالطب وسواها من المهن العلمية بعد أن كان أبوهم أشهر هيطلاني يصنع حلوى الهيطلية في بلادنا.‏

الزردة:‏

يذكر السيد سعد زغلول الكواكبي في مخطوطته (جابرة الطرود) من صنع حلوى (الزردة) فتاة تدعى شروق ابنة العالم الشهير الحسين بن أحمد بن خالويه مؤدب بلاط سيف الدولة وأولاده وكانت المناسبة عندما قدمها الأمير صالح بن مرداس لضيوفه في مضاربه تكريماً لهم.‏

وزارده: حلوى فارسية اسمها شولي زارده أي الصفراء الرخوة نقلت صناعتها إلى حلب من العجم عن طريق الجالية الكبرى التي كانت تقطن حلب ومنهم بني العجمي العلماء المشهورين بتاريخ حلب وقد نقلت هذه الجالية صناعة الزردة وقوامها الرز والسكر والزعفران حيث ينقع الزعفران 24 ساعة ثم يخرج من الماء ويحمص قليلاً ويدق ويخلط مع مائه بالرز المطبوخ بإضافة السكر فإذا هي حلوى لذيذة المذاق وبما أن الزعفران باهظ الثمن لأنه مستورد قد استعيض عنه بالعصفر لكي تصبغ الحلوى باللون الأصفر وهذا ما يفقد الحلوى المذاق الخاص للزعفران ونحن الآن لم نعد نضع سوى نصف الكمية من السكر التي كنا نضعها سابقاً حتى يستطيع الناس تقبل أكلها وخاصة أن العديد من الناس يشكون من مرض السكري ولا يستعمل الزعفران إلا ميسور الحال, والزاردة باللهجة الحلبية الآن زردة.‏

كانت حلوى ملازمة للأعراس ويقولون: اللي ما بحضر العرس ما بياكل زرده.‏

ثم أصبحت تقدم في الأعياد والمناسبات الاجتماعية.‏

وقديماً أخذت بلدية حلب تطبخها وتوزعها على الفقراء والمحتاجين والموظفين وكان الناس يقصدون البلدية ومعهم الصحون والمواعين لإملائها من الزردة أما الأعيان وكبار الموظفين فكانت الزردة تصل إلى بيوتهم.‏

كما كان البعض من المحسنين يطبخها ويوزعها على فقراء أهل الحي والجيران والأقرباء وفي المناسبات الدينية توزع في الجوامع ويذكر البعض كان يوزعها بجامع الحلوية مقابل الجامع الأموي الكبير وعندما شاع طبخها أخذت ربات البيوت تطبخنها في المنازل أيام الموالد والأعياد وختم القرآن الكريم وعند ظهور أسنان الطفل الرضيع وغيرها من المناسبات واليوم استعاض البعض عن الماء بالحليب لزيادة نكهتها وطيب مذاقها ورش صحونها بقلوب اللوز ومسحوق المدردر أو مطحون جوز الهند ودخلت الزردة في الفولكلور الشعبي حيث تهنهن أم العريس عند صبيحة العرس وتقول:‏

طبخت رز أصفر‏

وعلى البلاط يدردر‏

وصار لي سبع سنين‏

على هن نهار بتحسر‏

أي أن الأم انتظرت سنين طويلة لتشاهد ابنها عريساً ولأهمية هذه المناسبة طبخت له حلوى الزردة ويقال للولد إن شاء الله باكل من زردة عرسك أي أن يمد الله بعمره وصحته وعافيته والأمهات تناغي أطفالهن بالقول:‏

عالتس تيسه وتس تيسه وعرسك يوم الخميسه‏

وبعزم لك أهل السراي وبطبخ زرد وهريسه‏

الحريرة:‏

هي لون من ألوان الحلوى وقد تصنف ضمن أطعمة المرضى ويغذون بها الطفل وتتكون من الطحين والحمص والماء المغلي ومدقوق السكر وتصب في الصحون ويوضع فوقها مدقوق القرفة.

 

الجماهير‏