ألفت إدلبي - ياسمينة دمشق وبسمتها
ألفت إدلبي – ياسمينة دمشق وبسمتها
1912 – 2007
سهير الذهبي - شام نيوز
في الصالحية . احد الاحياء العتيقة بمدينة دمشق ولدت الاديبة السورية الكبيرة ألفت عمر باشا إدلبي لأبوين دمشقيين هما ابو الخير عمر باشا ادلبي ونجيبة داغستاني
تلقت دراستها في مدرسة تجهيز البنات بدمشق , ولانها كانت بنتا وحيدة على خمسة اخوة ذكور فقد كانت مدللة ابيها , الذي لم يكن اديبا ولكنه كان ذواقة ادب كما تصفه ألفت. فقد كانت مكتبته زاخرة بأمهات الكتب مثل: الأمالي والأغاني والعقد الفريد, وغيرها كثير.... وقد بدأت القراءة في كتاب الاغاني عندما كان عمرها اثني عشر عاما.
اما خالها كاظم الداغستاني فكان له فضل في دفعها إلى كتابة القصة القصيرة, إذ كان أديبا مرموقاً في تلك الفترة. عرفها بالادب الحديث بعدما عرفها والدها بالأدب القديم, فقدم لها أدب طه حسين، وأطلعها على معارك النقد الادبي التي كانت تثار على صفحات المجلات السورية والمصرية الحديثة مثل الرسالة والمقتطف, إذ كانت لديه مكتبة كبيرة جداً, وكانت ألفت تتجول فيها تنتقي منها ما تشاء من الكتب...
تتحدث الف ادلبي عن طفولتها الاولى قائلة:
"في سنة 1920 حين عاد الملك فيصل الأول من باريس, خرجت لاستقباله بزي أعد خصيصاً لهذه المناسبة التاريخية, وفي السنة التالية أصبت بالحمى التيفية, ونجوت منها بأعجوبة, فتأخرت عن الالتحاق بالمدرسة سنة كاملة, ولما أسست مدرسة العفيف القريبة من منزلي انتميت إليها, وكنت من المتفوقات في درسي .. وسنة 1927 حصلت على الابتدائية وانتقلت الى دار المعلمات, وكان صفي قليل العدد لا يتجاوز ستة عشر تلميذاً, أما التلميذات فلا يكاد عددهن يذكر, وفي السنة ذاتها خرجت مع رفيقاتي في مظاهرة ضد الفرنسيين وأنا محجبة".
عام 1929 تزوجت إدلبي من الدكتور حمدي الادلبي, وأنجبت ثلاثة اولاد هم ليلى وياسر وزياد, وفي بدايات الثلاثينات انتسبت إلى عدة جمعيات خيرية وثقافية كجمعية دوحة الأدب.. وكانت تعقد في بيتها ندوة شـهرية يشترك فيها عدد من أدباء دمشق لتبادل الآراء حول الأدب والثقافة... وفي عام 1940 انتسبت إلى جمعية الندوة والى حلقة الزهراء الادبية, ثم التحقت بجمعية الرابطة الثقافية النسائية عام 1945 والتي كان من أبرز اعمالها إصدار كتاب (مختارات من الشعر والنثر) لماري عجمي.
عام 1947 كتبت أول قصة بعنوان ( القرار الاخير) وارسلتها للاشتراك في مسابقة اذاعة لندن وحصلت على الجائزة الثالثة.
وتروي ألفت إدلبي حكاية أول قصتين كتبتهما فتقول: أخبرت خالي كاظم الداغستاني أنني كتبت قصتين وأرسلتهما الى مجلة الرسالة, وعندها ضحك كثيراً وقال لي : ألم تجدي مجلة أقل تواضعاً من مجلة الرسالة؟.. كيف ترسلين بواكير نتاجك الى تلك المجلة التي لا يكتب فيها إلا العمالقة؟... إلا أن العدد الجديد من الرسالة صدر وفيه قصتي الاولى التي حملت عنوان (القرار الاخير)... ثم صدر العدد الثاني وفيه قصتي الثانية (الدرس القاسي).....
وتمر السنوات وألفت إدلبي مستمرة في الكتابة , في انفتاح فكري وأفق واسع.. وكان أكثر ما يثير اهتمامها في شخصيات أدبها هو المرأة , فقد اهتمت إدلبي كثيرا بإظهار الظلم والواقع المتردي الذي تعيشه المرأة أسيرة للعادات والتقاليد , وقد ظهر هذا طلياً حين جسدت لـوحات في قصصها الشامية عام 1954 ، وفي روايتها دمشق يا بسمة الحزن عام 1981 التي رصدت فيها عشرينات وثلاثينات القرن الماضي بكل تفصيلاته وأحداثه، من الثورة السورية الكبرى، والمظاهرات والاضرابات، وقصف دمشق .. ومقاومة الشعب بكل فئاته ضد الاحتلال،
شهادات المبدعين في الفت الادلبي:
مارون عبود :
أنا أومن بالذاتية قبل كل شيء, وقد رأيت السيدة ألفت إدلبي ذات ذاتٍ, فعلى هذا الاساس بنيت تقديري لها, لقد استطاعت ان تصور لنا في قصصها أعماق نفسية المرأة وبدواتها ونزواتها, فأفادت بذلك القصة العربية جداً, ومن أدرى من المرأة بالمرأة؟
عبد السلام العجيلي:
تتميز السيدة ألفت إدلبي بموهبتها البارعة في تسجيل قصص الحياة الواقعية بأسلوب رائق وسرد طلي مستمدين من نضارة الحياة الشامية التي تصفها فيما تكتبه , وتكاد السيدة إدلبي أن تكون الوحيدة بين قصاصينا وكاتباتنا القصصيات التي بلغت بهذا النوع من الفن القصصي هذه الدرجة من الكمال. ومن يقرأ كتابيها: (قصص شامية) و (وداعاً يا دمشق) يدرك بوضوح ما قلته.
خيري الذهبي:
حين كتبت ألفت إدلبي أول نصوصها كانت تعرف تماما ما هو فن القص... فلم تغرق في بكائيات المنفلوطي , ولا في نسائيات احسان عبد القدوس, بل اختارت ان تكتب عم تراه , وبعين شديدة الحدة قادرة على رؤية ضعف الانسان وعجزه أمام القدر .... واذا ما عرفنا ان خالها كان الاديب كاظم الداغستاني الذي كان يؤرخ من خلال كتاباته لتقاليد الطبقة الغنية في المجتمع , بنسائه المحبوسات في بيوت شامية وغريتهن وحسدهن ومؤمراتهن الصغيرة, عرفنا ان هذا النمط الادبي كان شهادة شديدة الجمال في عصرها, الا ان الرواية لم تستفد منه الكثير , فقد كان وثيقة لمرحلة كان الداغستاني منغمسا فيها لدرجة لم يستطع ان يقف على مبعدة منها..... اما ألفت إدلبي وعندما خرجت علينا برواية دمشق يا بسمة الحزن , فقد قدمت لنا البيت الدمشقي نفسه والعلاقات نفسها, ولكنها كانت تكتب بقلم روائي محترف يستطيع التعامل مع المادة المكتوبة بعين محايدة تستطيع ان تقرأ فيها الضعف والتراجيديا والمأ ساة بشكل جعل من روايتها هذه قاعدة لرواية مختلفة في سوريا.
محمود تيمور:
خير ما في قصص ألفت إدلبي أنها طراز خاص وشخصية مستقلة فيها تصوير للحياة الشرقية, فهي شرقية الجو والروح والنزعات اما التمهيد للمواقف وبراعة السبك, ودقة المعالجة في هذه القصص فتتريك المعايير طبيعية لا تكلف فيها ولا تزوير.
ابراهيم الكيلاني:
أما الطابع الذي ارتضته فعرفت به وعرف بها فهو طابع (الشامية) .. وأعني بالشامية تلك الخصائص العقلية والسلوكية التي تتصف بالنعومة والتهذيب والمصالحة وغير ذلك من ولائد حضارة قديمة متوارثة كونت الخلق الشامي وجعلته نسيج وحده, إن لقصص السيدة ادلبي قيمة وثائقية فلولكلورية حملت الكتاب في الشرق والغرب علي ترجمتها الى لغاتهم المتعددة.
قالت عن دمشق:
من المخجل لنا حقاً, نحن أبناء هذا الجيل, أن تفقد دمشق في عصرنا هويتها التي عرفت بها عبر تاريخها الطويل كمدينة السحر والجمال......
لن ابدأ الحديث عن أسماء دمشق الكثيرة فطالما اختلف المؤرخون في اسبابها ولكن الذي لم يختلفوا فيه ابداً هو ألقابها وصفاتها لقبت دمشق (بالجنة الخضراء) تقول الاسطورة : لما طرد آدم وحواء من الجنة هبطا على الارض فلم يجدا فيها مكاناً أشبه بالجنة من دمشق فاتخذاها سكناً لهما, وفيها تكاثرت ذريتهما, وفيها قتل قابيل اخاه هابيل في جبل قاسيون.
قالت في المراة:
من سوء حظ المرأة ان كتاب ألف ليلة وليلة شائق جداً ويجذب العامة ببساطته وصراحته وبما فيه من عجائب وغرائب ووصف فاجر, وكلام بذيء فاحش يتملق شهواتهم ويدغدغ غرائزهم ويجذب الخاصة بما فيه من خيال مجنح جامح, وفن قصصي اصيل, ربما في طياته من رموز وحكم مستقاة من واقع الحياة.
لقد زرع هذا الكتاب الشك في قلوب الرجال فجعلهم لا يأتمنون النساء ابداً, والأدهى من ذلك كله أنه شكك المرأة في نفسها أيضاً فطالما سمعنا عجائزنا يرددن هذا القول:( الحية والمرية لا ترفع عنهم العصية).
الوداع:
بعد حياة مديدة حافلة وشيقة وثمينة امتدت على مدى اعوام خمسة وتسعين, أغمضت ألفت إدلبي عينيها للمرة الاخيرة في باريس بعيدا عن دمشق التي عشقتها وكتبت عنها ولها.. بعد أن تركت إرثاً ثقافياً كبيراً من القصص والروايات والدراسات الأدبية التي تميزت بالواقعية والتركيز على الحياة الشرقية ، وسجلت اسمها كواحدة من أكبر الأديبات السوريات والعرب, وواحدة من ابرز رموز الادب النسائي العربي...
مؤلفاتها :
1- قصص شامية- دار اليقظة العربية ,1954 وصدرت في طبعة ثالثة 1996 عن دار طلاس بدمشق.
2- وداعاً يا دمشق- قصص - وزارة الثقافة 1963 واعادت دار طلاس اصدارها بثلاث طبعات عام : 1989/1992/2001.
3- المنوليا في دمشق واحاديث اخرى - محاضرات /دمشق 1964.
4-ويضحك الشيطان - قصص- وزارة الثقافة 1974. واعادت دار طلاس طباعتها ثلاث مرات آخرها عام 2004.
5-نظرة في ادبنا الشعبي – دراسة – اتحاد الكتاب العرب 1974. وصدرت طبعتها الثانية في دمشق عن دار الشادي 1992.
6-عصي الدمع- قصص - اتحاد الكتاب العرب- 1976, وصدرت عن دار طلاس في طبعتين فيما بعد.
7-دمشق يابسمة الحزن -رواية- وزارة الثقافة - 1981, وصدرت ايضاً عن دار طلاس في ثلاث طبعات.
8-حكاية جدي- رواية- دار طلاس 1999 .
9-نفحات دمشقية- مجموعة محاضرات 1990 - دار سامي الدروبي بدمشق.
ترجمت قصصها الى اكثر من خمس عشرة لغة هي الالمانية الانكليزية, الفرنسية, الروسية, الاوزبكستانية, الشوفافية, الهنغارية, الهولندية , السويدية, الاسبانية, الصينية, الايطالية, البرتغاية, التركية, الفارسية.