ألو... كحلون... ستي...

هيام حمـــــــــوي

 

"ستي يا ستي، اشتقتلك يا ستي..."، 
مما لا شك فيه، أن جهاز الهاتف، هذا الاختراع العظيم الذي كان يهدف إلى التقريب بين الناس، وتعزيز التواصل بينهم... هذا الجهاز، أو باسمه الأكثر شيوعا، "التلفون"، كان موجودا عندما قدِمت جدتي، وحتى أم جدتي، إلى هذه الحياة، لكنه كان يكتفي، كجهاز، بنقل الأصوات عبر أسلاكه، لتسهيل التعامل بين البشر.
يروي تاريخ المخترعات الإنسانية، أنه بتاريخ 10 مارس/ آذار 1876، وفي اللحظة التاريخية التي نجح فيها المخترع الشهير الكسندر غراهام بيل في تشغيل الجهاز لأول مرة، تلفّظ بالكلمات التالية، متوجها بها إلى مساعده واطسون، وقال له هذه العبارة الشهيرة: "السيد واطسون، رجاء، هلّا تفضلت بالحضور إلى مكتبي؟"

منذ تلك اللحظة، لم يتوقف الاختراع عن التطوّر نحو ما يُفترض أنه "الأفضل"... شكل أكثر أناقة، تصميم أكثر عملية، البلاستيك حلّ مكان الخشب والمعادن، وزن أقل، إدماج السمّاعة بالميكرفون، ألوان زاهية، إمكانية التحرك في الغرفة ذاتها، أو من غرفة إلى غرفة، بث لاسلكي، الانتقال من القرص المستدير إلى الأزرار الضاغطة، وهكذا.... حتى وصلنا إلى أصغر أحفاد التلفون، في سلالة جديدة محسّنة في الجينات والمكونات إلى درجة لم يكن بالإمكان أن تصل إليها مخيلة غراهام بيل مهما عربدت في الأحلام، ونعني بذلك تلك القطعة التي صارت من أهم مستلزمات حياتنا العصرية، والمقصود طبعا جهاز "الموبايل".
السلالة الجديدة من صلات الوصل "التلفوني" تطورت أيضا في شكلها وفي مهامها وقدراتها وميّزاتها، وقد تطورت بفترة زمنية أقصر بكثير من فترة تطوّر السلالة السالفة، ومن يفكر بإمعان قد يجد أنها بقدر ما حققت من تقدّم عصري، يمكن القول والتفكير بأنها أعادتنا عد ة قرون من الزمن إلى الوراء، إلى زمن حكايات ألف ليلة وليلة، حيث كان أبطال هذه الحكايات، وفيما يسافرون على متن بساط الريح، يستعينون بملوك الجان للتحدث مع أشخاص باعدت المسافات بينهم، وأصبحنا بفضل المنجزات العلمية نحقق أغلب ما كان يثير دهشتنا في مغامرات نجوم وأبطال ليالي الملكين الساهرين، شهرزاد وشهريار. 
لكن إلى متى سيتوقف التطور، وهل يجوز له أصلا أن يتوقف؟ بعضهم يزعم أنه في الآتي من الزمن سيتم تثبيت شريحة "الموبايل" في الدماغ عبر عملية جراحية بسيطة، وللاتصال نلمس الأرقام الموشومة في راحة يدنا، ونبدأ بالتحدث، فيبدو الواحد منا وكأنه يتحدث مع نفسه، وما أحوجنا هذه الأيام إلى وقفة مع الذات، لنتشاور مع أنفسنا، قد يكون أهم ما يمكن أن يحمله لنا المستقبل إمكان التحاور مع النفس بعد أن كدنا نستنفذ كل وسائل الاتصال للتحاور مع الآخرين.


المهم في موضوع التلفونات والموبايلات أن الشركات العالمية "المنكبّة" على تصنيع وتطوير هذه "الظاهرة" المعاصرة ظلت تضيف من الميّزات لهذا الجهاز ما وصل إلى حدّ أنسى البعض أنه مصنوع في الأصل للكلام "التواصلي" مع الآخر، وليس للكتابة أو إرسال الرسائل أو مشاهدة المسلسلات، أو سماع الموسيقا، أو التسجيل الصوتي والمرئي أو حتى التصوير، صور ثابتة أو متحركة...
من المؤسف أن العميل البريطاني الشهير جيمس بوند، الشهير بالرقم 007، لم يكن يمتلك واحدا من هذه الأجهزة... الحق يُقال أنه كان بإمكانه تحقيق العجب العجاب من المغامرات لو امتلك واحدا من هذه الموبايلات، وبرع في استخدامه للتجسس على أعدائه في المعسكر المقابل، مثلما يبرع أي مار من المارة، اليوم في أي شارع  من الشوارع، في أية مدينة من مدن الدنيا، في إمداد بالمعلومات والأفلام من لا يريد الخير لبني البشر بكل ما أوتي من الإيذاء...
مقولة شهيرة لأحد كبار العلماء الفرنسيين مفادها: "علمٌ بلا أخلاق فناءٌ للروح".. هذا أيضا ما كانت تقوله جدتّي... قبل أن ينقطع الخط، خط الحياة والتلفون...

ألو، كحلون، ستّي...؟