أمهاتنا الشهيدات
أمهاتنا الشهيدات!
عندما قرأت خبر استشهاد الأم الفلسطينية فايزة مفارجة في مطلع عام 1990 إبان الانتفاضة الأولى، اعتراني شعور غريب لم أشعر به من قبل، شعور أشبه بالدوران، خصوصاً عندما رأيت صورتها وهي ترتدي الثوب الفلسطيني وتنظر إلى عدسة الكاميرا نظرة ساهمة لا يمكن تفسيرها، قبل العملية العفوية التي أقدمت عليها.
فهذه الأم المقدسية التي تركت خلفها بضعة أطفال وحملت سكين المطبخ لتطعن متطرفاً صهيونياً في القدس، قبل أن ترديها الشرطة الإسرائيلي؛ ليست أمًا عادية، إنها أم من نوع خاص لا يمكن أن نجده في أي بقعة أخرى من العالم.
في بلادنا تخالف الأمهات الطبيعة البشرية فهاهي ريم الرياشي تقوم بعملية استشهادية تاركة خلفها طفلين، وتلك هي غالية فرحات ابنة الجولان السوري المحتل تواجه بنادق الاحتلال بصدرها عام 1987، وأخرى تزف ابنها شهيداً وتزغرد له عندما يأتيها جثة أو أشلاء معبأة في صندوق خشبي.
السؤال الذي راودني دائماً أي قضية هذه التي تجعل الأمهات عندنا يخالفن طبيعتهن وغريزة البقاء الملتصقة بدافع الأمومة، لاشك أنها قضية بحجم هذه التضحيات. قضية عادلة في مواجهة ظلم معلن وتواطؤ شامل.
لا شك أن الأدب العربي عاجز عن بلوغ الحالة الواقعية التي تجسدها هذه الأمهات، فالصور الفنية والتشابيه والاستعارات، لن تكون بحجم رواية القصة كما هي في نشرات الأخبار. هنا الواقع يتجاوز الخيال، والحقيقة الموضوعية تتفوق على الحقيقة الأدبية، فلا مكان للأدب هنا.
رغم عظمة الأم في قصة مكسيم غوركي، هل ترتقي إلى مستوى فايزة مفارجة أو ريم الرياشي أو غيرها من الأمهات العربيات اللواتي يحتفلن بزفاف أبنائهن للشهادة؟ لا أظن ذلك، فالأم في قصة غوركي والتي تحولت إلى عدد من الأفلام والمسرحيات وغدت أمثولة للتضحية خلال القرن الماضي، لم تصل تضحيتها إلى درجة إزهاق نفسها في سبيل القضية التي تناضل من أجلها، هي حرّضت وقدمت خدمات "لوجستية" وساهمت بالصمود، ولكنها لم تخضع لاختبار فداء النفس الذي يعتبر أرفع درجات التضحية في تاريخ البشرية، وهو الاختبار الذي نجحت فيه الأمهات العربيات في فلسطين والجولان وجنوب لبنان.
من حق أمهاتنا الشهيدات أن نحتفي بهن في عيد الأم، بأن نتذكرهن ونتذكر تضحياتهن، ونخلد أسماءهن في قلوبنا وذاكراتنا الجمعية، ألم يضحين بأرواحهن من أجلنا جميعاً؟!
شام نيوز- تيسير أحمد