أميركا مصدومة: هل ينقلب «الربيع العربي» علينا؟

«كيف يحصل ذلك في بلد ساعدنا في تحريره؟!»... طرح ردُّ فعل وزيرة الخارجية الأميركية على حادث الاعتداء على القنصلية الأميركية في ليبيا ومقتل السفير الأميركي فيها الكثير حول طبيعة العلاقة بين الولايات المتحدة وحلفائها الجدد، والأهم حول مستقبل علاقة بدت مُربَكة منذ نشأتها. 
وأتى ردّ فعل الرئيس الأميركي باراك أوباما، «الحائر» بين مسايرة حلفائه وإدانتهم، ليؤكد مأزقاً حقيقياً دخلت فيه واشنطن منذ بداية الهجوم على سفارتها في القاهرة، وتعزّز مع الحملة الداخلية التي شُنّت ضده من قبل خصمه الجمهوري ميت رومني. 
لهذا السبب شغلت مسألة التكهن بما ستؤول إليه العلاقة على خط واشنطن ـ «الربيع العربي» حيّزاً مهماً في الزوبعة القوية التي أحدثها فيلم «براءة المسلمين» المسيء للنبي محمد، وتراوحت التحليلات بين متهكم على «صدمة» البيت الأبيض بينما يبدو ما حصل طبيعياً وأعمدة الدخان لمّا تخمد في العراق وأفغانستان بعد، وبين من ناقش المأزق الأميركي الحالي وأبعاده مؤكداً أن زمان سيطرة أميركا على حركة الشعوب قد ولّى، بالدليل القاطع. وربط عدد من المحللين ما حصل بالدعوات إلى التدخل الأميركي في سوريا، مشددين على أن هذه المحنة دليل إضافي على أن النجاح في سوريا سيكون شبه مستحيل. 
بعد أيام قليلة على الاعتداء لم تتكشف خيوط الحادثة بعد. سيناريوهات كثيرة أطلقت تحتاج جميعها إلى أدلّة، لكن الواضح هو أن المسألة تزداد تعقيداً وواشنطن غارقة في حَرَجِها، فكيف تتعامل مع حلفائها الجدد؟ الإسلاميون الذين دعمتهم وتدعمهم هم أنفسهم من يقودون هذه «المعركة» ضدها؟ 
في هذه الأثناء، كان البعض يرصد تأثير ما حصل على السباق الانتخابي المستعر في الولايات المتحدة، معتبراً أن رومني وجد «فرصته الذهبية» للتصويب على أوباما حيث وصف رد فعل الأخير على ما جرى بـ«المعيب والمثير للاشمئزاز». 
وتدليلا على «الحَرَج» الأميركي، أشارت صحيفة «نيويورك تايمز»، في تقرير لهيلين كوبر ومارك لاندلر، إلى أن كل ما رآه أوباما من مشاهد وصور «مروعة « من مقر القنصلية الأميركية لم يدفعه لاتخاذ موقف حازم بحق حلفائه وبقي متردداً «تتنازعه احتمالات عدة». 
وأكثر من ذلك، اعتبرت «نيويورك تايمز» أن تحدي أوباما يكمن في القاهرة أكثر منه في طرابلس، رغم أن الاعتداء القوي كان في ليبيا. السبب هو رد الفعل «الفاتر» من قبل الحكومة المصرية مقارنة باندفاع ليبي كان أشبه إلى طلب الغفران ومحاولة «التعويض». 
وبينما أشارت الصحيفة إلى تخوف لدى خبراء في مجال السياسة الخارجية من أن مرسي يحاول استرضاء شعبه بأغلبيته المسلمة على حساب الأمن القومي لبلاده، خلصت إلى أن الولايات المتحدة لم يعد في مقدورها ممارسة نفوذ وهيمنة كاملة على حركات الشعوب. 
«واشنطن بوست» سلّطت بدورها الضوء على»أزمة ديبلوماسية حقيقية تهدّد استراتيجية الإدارة الأميركية الطويلة الأمد في العالم العربي»، لافتة إلى تبخّر أماني أوباما الذي كان يحاول تغيير المنطقة من حالة العداء لأميركا إلى منطقة صديقة تساعد، مع إسرائيل، في احتواء الطموحات الإيرانية. 
وهكذا على الرغم من إعلان المسؤولين الأميركيين سعيهم لتحديد الجهة المسؤولة عن الحادث، إلا أن ما جرى يعدّ خير دليل على أن جميع الجهود الأميركية خلال العام الماضي من اجل «شرق أوسط ديموقراطي» ذهبت باتجاه التطرف. أما أبعد من ذلك فقد يكون الأمر إيجابيا بتعزيز نية أوباما عدم التدخل العسكري في سوريا. 
أما مستشار أوباما السابق لشؤون الشرق الأوسط دنيس روس، الذي يعمل حالياً كباحث في «معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى»، فقد وضع الأمر في سياق الجدال المحتدم بين الرئيس الأميركي ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ليقول إن ما جرى يُحتّم على أوباما إعادة النظر في علاقته مع إسرائيل ومع منطقة الشرق الأوسط، ففي النهاية «وقع الحادث في أحد البلدان القليلة التي وقّعت معاهدة سلام مع إسرائيل». 
وفي السياق، لفتت صحيفة «كريستيان ساينس مونيتور» إلى «انقلاب الربيع العربي على أميركا»، محذّرة على لسان مسؤول أمني رفيع المستوى رفض الكشف عن اسمه بضرورة تقليص عدد البعثات الديبلوماسية في الأماكن الخطرة، في وقت تساءل «إن لم تحرك السلطات الليبية ساكناً عندما يقتل ليبيون، فلماذا تفعل عندما نُقتل نحن؟». 
أما اللافت في ما أعرب عنه عدد من المسؤولين والمحللين الأميركيين، فهو الوصول إلى التشكيك في «الربيع العربي» نفسه، حيث خرجت تساؤلات من نوع «هل هو حقاً ما اعتقدنا أنه عليه»، بحسب الكاتب باتريك كوكبرن الذي اعتبر من جهة أخرى أن ما جرى تكذيب لادعاء أوباما أن مقتل زعيم تنظيم «القاعدة» أسامة بن لادن كان صفعة مميتة للجهاد الإسلامي. 
وأوضح كوكبرن أن «الربيع العربي» لم يكن تصويتاً جماعياً لمصلحة الغرب، بل على العكس فالحكام السابقون كانوا يسايرونه رغماً عن إرادة شعوبهم.. وعليه فإن على الغرب أن ينتظر مفاجآت كثيرة مما اعتقد أنه «ربيعه العربي».