أنا أكره .. وأحبكم

احمد اسكندر سليمان - بلدنا
أنا السوري الذي بنى المدن الأولى، وما زالت الأنماط ما قبل المدنية تعصف بحياته ..أنا السوري الذي مازال يستخدم محراثه الذي صنعه قبل آلاف السنين .. أنا السوري الذي ابتكر الكتابة الأولى ومازال مترددا وملجوماً عن كشف عالمه الداخلي، لأن كتب السماء مسخت كتب الأرض..أنا السوري الذي ابتكر النوتة الموسيقية الأولى وما زال لايجيد الاستماع الى الموسيقا الخالصة .. أنا السوري الذي ابتكر الدولاب ليِؤكد حالة الدوران في حياته وليس التد فق..
أنا السوري الذي ابتكر الألوان ومازال يرسم حياته بالأسود والأبيض، لأن الأرض سوداء والسماء بيضاء .. أنا السوري الذي امتص ثقافة الآخرين من يونان ورومان وفرس وعرب وأوروبيين وعثمانيين, وأنجز حواراته معها، قبل أن ينجز حواره مع ذاته.. أنا السوري في الحاضر الذي يرتجله ماضيه.. أنا السوري الآن في مهب الأسئلة.
نعم .. أنا السوري الذي لم يعرف إلا المحبة والرغبة في العيش بسلام على هذه الأرض التي تعطي الحاجة وتمنح الأمل.. أنا السوري الذي بادل الجميع حبهم باندفاعه الأقوى الى الحب، أصبحت قادراً على الكراهية..
نعم أنا أكره الفاسدين والمرتشين والنصّابين والمحتالين والمزوّرين والمنحرفين والذين لا يحفظون الأمانة مهما كانت طبيعتها.. نعم، أنا أكره كل من تحوّل الى ذريعة وكان سبباً في محنتنا القاسية، بعد أن تحولت إلى مؤامرة ظلامية رعناء.. نعم، أنا أكره المحرّضين أياً كان موقعهم.. على منبر .. على منصة..في وسائل الإعلام .. في وسائل التواصل ..
أنا أكره القتلة بطبيعتهم وغريزتهم وتربيتهم، ولهم مراجع في ذلك .. أنا أكره من لايقدر على الحوار ويعتقد أنه يملك الحقيقة والصدقية الكاملة أو الوصاية الكاملة من الله أو من التاريخ ..
أنا أكره من يدعو إلى التدخل الخارجي، مهما كانت طبيعته أو مستوياته أو أدواته؛ فتاريخي وهويتي ومشروعي الحضاري كسوري في حالة الحوار وبناء الدولة لا أضعها تحت الوصاية ومسخ الحلم ..
نعم، أنا أكره كل من سلك سلوكاً طائفيا في أي جهة كان وباتجاه أي جهة كانت.. أنا أكره كل من مارس العنف المسلح باتجاه تصعيد الأزمة والحصول على مكاسب.. أنا أكره كل من يؤخر الإصلاحات التي تم الإعلان عنها ..
أنا أكره جامعة آل ثاني الخليجية العثمانية وأدعو الى العمل على تأسيس جامعة الشعوب العربية .. أنا أكره كل من يكره السوري .. أنا أحبكم أيها النبلاء في كل الجهات.
قد لا أذهب للصلاة معك.. قد لا أخرج معك في ثورتك، ولكنني سأكون سعيداً عندما أراك عائداً من الصلاة أكثر فرحاً وأكثر حباً بالآخرين في الطرق الأخرى، كما لو أنهم في طريقتك أو طريقك ..
سأكون سعيداً عندما تكتب قصيدة رائعة عن الثورة دون أن تتلطخ يداك بالدم .. سأفرح عندما أرى لوحة جديدة لك .. كتاباً .. أو ، عندما تصنع مسرحية أو فيلماً.. عندما تغني أغنية جميلة .. أو تؤلف وتعزف مقطوعة موسيقية .. أو عندما ترقص لتكتشف لغة جسدك وتحاور أجساد وذوق الآخرين في يومياتك المتوالية ودراما الحياة المتواصلة والمتنامية..
سأكون فرحاً بك بلا حدود، عندما تخلق الجمال الذي يغير كل شيء في تصاعده إلى النهاية دون أن ينتبه أحد إلى ذلك .. أيها السوري النبيل .. يا أخي .. يا صديقي .. يا مغايري .
شاميرام .. أليس محزناً ألا نعرف بعضنا قبل الآن.. ألا نلتقي إلا في هذا الممر الضيق حين تهب الأسئلة في البلاد التي تبنى على لسان الخالق ولم يقلها بعد
بلاد الحوارات الناقصة والمختلف الكامل .. البلاد التي تثير كل هذا الغضب ونريد استعادتها إلى الشمس .