أيها المواطن النجيب تحضر لأسعار جديدة للمازوت والكهرباء والفيول

أيها المواطن النجيب تحضر لأسعار جديدة للمازوت والكهرباء والفيول 

 

ليس من دخان بلا نار، فما بدأ يسري في الشارع أخيراً حول رفع أسعار الطاقة، (كهرباء و بعض المشتقات النفطية ) وراءه مذكرة رفعها السيد وزير النفط والثروة المعدنية المهندس سفيان العلاو إلى السيد رئيس مجلس الوزراء لتعديل أسعار الفيول- زيادتها طبعاً – ليصبح السعر الجديد المتوقع تطبيقه بحسب مصادر وزارة النفط مطلع العام المقبل، وفق نظام الشرائح، أي لكل كمية استجرار سعر معين، فالسعر تصاعدي، يبدأ من /10000/ ليرة للطن الواحد، وينتهي وفق السعر العالمي لمن يستجر أكثر من 201 طن شهرياً، أي في لغة الاقتصاد،  سحب الدعم عن هذه المادة التي تستهلكها محطات توليد الكهرباء بالدرجة الأولى ومعامل القطاع الصناعي الحكومي والخاص، والحكومي على وجه التحديد، سواء في منشآت الاسمنت أو الزجاج أو بعض الصناعات النسيجية، كالصباغة وغيرها.

وأيضاً وراءه - نبأ زيادة أسعار الطاقة - مقترحٌ قدمه وزير النفط، يقضي برفع أسعار الكهرباء والمازوت والغاز بشكل متدرج، وصولاً لنهاية عمر الخطة الخمسية المقبلة عام 2015، وتم توزيع المقترح على الوزارات لدراسته وإبداء الرأي، وخاصة لجهة  انعكاس أسعار حوامل الطاقة المقترحة على المواطن وعلى أسعار تنافسية مختلف السلع

 

بينَ بينْ

 

موضوع تحرير أسعار عوامل الطاقة بين دراسة وأخذ ورد، وصولاً لإقراره أو تأجيله أو ربما صرف النظر عنه، ولكن- في حال الإقرار مطلع العام المقبل كما هو مخطط -  ما هي الآثار المتوقعة على الصناعة أولاً، وعلى جذب الاستثمار ثانياً، لأن الإحاطة بالنتائج من خلال هذا التحقيق- وثالثاً أي الأثر على الزراعة، ورابعاً الآثار على زيادة العاطلين عن العمل، والآثار مجتمعة على المواطن-   أمر أقرب للمستحيل

 

رغم تراجع الاستيراد والاستهلاك

 

الفيول مادة تحريضية، كما هو معروف، أي برفع سعرها سترتفع أسعار مواد أخرى، بدءاً من بعض السلع الصناعية الاستهلاكية، وصولاً إلى سعر الكهرباء وبعض مواد البناء، ولكن قبل التطرق إلى ما يمكن أن يسببه رفع أسعار الفيول، قد يكون من الضرورة الإشارة إلى مستوى الإنتاج والاستهلاك وحجم الاستيراد .

مدير شركة محروقات عبد الله خطاب قال في تصريحات صحفية: إن معدل استيراد الفيول انخفض خلال الربع الثالث من العام الجاري بمعدل 45% مقارنة مع الفترة ذاتها من العام المنصرم، كما أن- الكلام للمدير- كميات الفيول الموردة حتى نهاية الربع الثالث من العام الحالي وصلت إلى نحو /900/ ألف طن، مقارنة مع 1.6 مليون طن العام الفائت.

وكذا- يتابع مدير محروقات – الكميات المباعة حتى الشهر العاشر من هذا العام بلغت نحو 3.8 ملايين طن، مقارنة مع 4.6 ملايين طن للفترة نفسها في العام الفائت، أي بانخفاض بلغ 15%.

إذاً السؤال هنا، لماذا رفع الأسعار طالما ليس ثمة زيادة، لا في الاستيراد ولا حتى في الاستهلاك، أم ترى- للإنصاف – زيادة استهلاك الغاز، وخاصة في محطات توليد الكهرباء، هو وراء تراجع استهلاك الفيول، لتبقى النتيجة ذاتها، أي تحمل الدولة عبء فارق الأسعار، أي الدعم، إن في الفيول أو في الغاز؟!.

 

مذكرة بداية الحكاية

 

 اقترح السيد وزير النفط والثروة المعدنية سفيان العلاو إلى السيد رئيس مجلس الوزراء تعديل أسعار مبيع مادة الفيول وفق ثلاث شرائح:

بيع الفيول للشريحة الأولى التي تستجر حتى 50 طناً شهرياً بمبلغ /10000/ ليرة سورية ، علماً أن نسبة هذه الشريحة من المستهلكين هي 69.9%، وتستهلك  22.2% من إجمالي الاستهلاك .

أما الشريحة الثانية التي يستجر كل زبون منها شهرياً بين 51 – 200 طن، فيحسب السعر 21500 ليرة للطن، نسبة هذه الشريحة /25.2/ وتستهلك 39.1% من إجمالي الاستهلاك، ويعامل كل زبون من الشريحة الثالثة الذي يستجر أكثر من /201/ طن شهرياً وفق السعر العالمي للفيول، علماً أن نسبة هذه الشريحة صغيرة 4.6 % بالنسبة للمستهلكين، لكنها تستجر ما نسبته 36.1 % من إجمالي الاستهلاك .

وبرر الوزير العلاو مقترحه بأن ثمة إيرادات إضافية ستذهب للخزينة العامة جراء تعديل أسعار الفيول ستصل إلى نحو /3815873/ ألف ليرة سنوياً، في حين يحصل كل مستهلك من الشريحة الثالثة على دعم بنحو/25.5/ مليون ليرة سنوياً .

 

تتمة الحكاية

 

 لم يكتف السيد وزير النفط بالكتاب (1561/19/س) الموجه إلى السيد رئيس الوزراء والمتعلق بتعديل أسعار الفيول، بل تقدّم بمقترح آخر يقضي برفع أسعار الكهرباء والمازوت بشكل تدريجي وصولاً لتحرير أسعارها حتى العام 2015. وجاء في المقترح الذي وزع على الوزارات المعنية للدراسة وإبداء الرأي حول آثار رفع الأسعار على السلع ومعيشة المواطن، بأن سعر الكيلو واط الساعي يباع بليرتين عام 2010، وسيصبح عام 2015 ( نهاية الخطة الخمسية الحادية عشرة ) ست ليرات ، ورفع السعر سيكون بالتدرج – لا بالصدمة، أي عام 2011 سيكون 3 ليرات، وعام 2012 سيرتفع إلى 4 ليرات، وعام 2013 سيكون 4.5 ليرات، وعام 2014 يبلغ 5 ليرات، ليستقر السعر على 6 ليرات خلال الفترة الخمسية المستهدفة .

أما لجهة مادة المازوت، فكان له حصته أيضاً في مقترح السيد وزير النفط، فقد اقترح الوزير العلاو أن يرتفع سعر ليتر المازوت العام المقبل 2011 إلى /22/ ليرة سورية ويتابع الارتفاع ليصبح سعر الليتر 24 ليرة عام 2012، و26 ليرة عام 2013، و28 ليرة عام 2014 ليصل سعر الليتر عام 2015 إلى 30 ليرة سورية فقط لا غير.

طبعاً وكان للغاز من المقترحات نصيب، إذ اقترح وزير النفط  رفع سعر المتر المكعب من الغاز وبشكل تدريجي ليكون العام المقبل 16 ليرة للمتر المكعب، و17 ليرة عام 2012، و18 ليرة عام 2013، و19 ليرة عام 2014، وصولاً إلى 20 ليرة لكل متر مكعب من الغاز عام 2015، علماً أن سعر المتر المكعب الآن هو 15 ليرة سورية .

هكذا رد الوزير

 لأن القطاع الصناعي هو الأكثر تضرراً من رفع سعر الفيول، سألنا السيد وزير الصناعة فؤاد عيسى الجوني عن الآثار المتوقعة بعد زيادة الأسعار.

الوزير الجوني آثر النظر بشمولية إلى القضية، ورفض الاتهامات التي بدأ يعلنها بعض الصناعيين، لأن خزينة الدولة هي جيوب رعاياها، كما قال الوزير، ومعلوم للمتابعين أن موارد الخزينة  تتراجع، سواء من فوائض المؤسسات الاقتصادية الحكومية، أو من عائدات النفط، أي بإعادة النظر في أسعار الفيول سيتحقق مورد إضافي للخزينة، لذا ليس من المنطق الاقتصادي معارضة مقترح السيد وزير النفط لأجل المعارضة، أو بالانطلاق من النفعية والمصالح الخاصة، ولكن في الآن نفسه، أضاف وزير الصناعة : لا بدّ من أخذ الآثار على بقية القطاعات، ومنها مصلحة الصناعة السورية وبقطاعاتها المختلفة، بعين الاعتبار، لأن زيادة أسعار الفيول ستزيد من تكاليف الإنتاج، ما يعني عاملاً إضافياً في تقليل القدرة التنافسية للمنتج السوري أمام الإنتاج المماثل، سواء في السوق الداخلية أو الخارجية، كما أن هناك طرائق دعم يتلقاها الصناعيون  في الدول المجاورة تقلل من تكاليف إنتاجهم و تزيد من قدرتهم على المنافسة ودخول الأسواق

وزير الصناعة لم يعارض مقترح وزير النفط، بيد أنه نبّه إلى أهمية عوامل الجذب التي تتمتع بها سورية، ومنها اعتدال أسعار الطاقة والمواد الأولية ورخص اليد العاملة، وخشي الوزير الجوني أن يؤثر رفع سعر الفيول، ومن ثم الكهرباء والمواد التي ستتأثر برفع سعرهما، على جذب الاستثمارات والرساميل، لأن سورية تعول كثيراً على هذا الجانب، وبدا ذلك جلياً خلال الخطة الخمسية المقبلة    

 

بين طيات الحكاية

 

 السيد وزير النفط والثروة المعدنية قارن في مقدمة مقترحه بشأن رفع سعر مادة الفيول بين الأسعار في سورية والأسعار في كل من لبنان والأردن وتركيا، وبين السعر العالمي أيضاً، ولم نعرف لماذا لم يتابع الوزير المقارنة مع بقية الدول العربية الداخلة في اتفاقية منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى، علماً أن سلعها تدخل السوق السورية دونما رسوم، ولماذا اقتصر في المقارنة على الدول غير المنتجة للنفـــط، علمــاً أن ســـــورية تنتــــج

سنوياً نحو 380 ألف برميل نفط يومياً، فيها نحو 4 ملايين طن فيول كل عام

كما قارن الوزير العلاو بين الأسعار في سورية والدول غير المنتجة مع السعر العالمي ولم يذكر مواصفات الفيول العالمي ومواصفات الفيول السوري الذي يباع للصناعة، وخاصة لجهة المواصفة واحتوائه على الكبريت

وهنا للتذكير ليس إلا، لقد تم رفع سعر طن الفيول مطلع العام الجاري من /7500/ ليرة إلى /9000/ ليرة سورية  

 

مبررات أخرى  

 

إضافة لما يمكن أن ينعكس جراء رفع أسعار الطاقة بالنفع على موارد الخزينة العامة للدولة، برر السيد وزير النفط مقترحه بشأن رفع سعر الفيول بأن العجز التجاري لشركة محروقات بلغ خلال النصف الأول من العام الجاري نحو 47.7 مليار ليرة، وكان سعر طن الفيول عالمياً نحو 20.750 ألف ليرة  ويباع في سورية بـ 9000 ليرة

بيد أن السيد الوزير لم يوضح آثار دعم مادة الفيول على ذلك العجز، لأن الأرقام تقول: إن استجرار القطاع الصناعي ( عام وخاص ) من مادة الفيول خلال الأشهر الستة من العام الجاري- موضوع مقارنة الوزير – لم تزد عن /70000/ طن، فإن كان السعر العالمي هو  /20.750/ ألف ليرة للطن، والسعر المحلي هو /9000/ ليرة، فبحسبة بسيطة يمكننا اكتشاف أن الفيول الذي يباع للصناعة سبب بعجز قدره /8.225/ مليار ليرة. 

 

يقل الربح ولكن لا يخسرون!!

 

 مدير هيئة الاستثمار أحمد عبد العزيز قلل من آثار رفع أسعار حوامل الطاقة على جذب الاستثمار، لأن المستثمر عندما يدرس عوامل الجذب وجدوى مشروعه سيصل بعد الدراسة  إلى قلة الأرباح لا إلى الخسائر، لأن الأسعار في بعض الدول المجاورة أعلى مما هي عليه في سورية، وعلى الرغم من ذلك تجذب الرساميل الدكتور عبد العزيز أكد على ضرورة تحرير أسعار الطاقة وسحب الدعم، ولكن بالتدرج، شريطة اجتماع الأطراف المعنية وللخروج بحل مُرض للجميع، مقترحاً إيجاد طرائق أخرى لدعم الصناعة السورية، كما هو معتمد في الدول المنافسة وذات الإنتاج المماثل، إذ لا يمكن- بحسب عبد العزيز – دعم المحروقات إلى الأبد

مدير هيئة الاستثمار تساءل: لماذا لا نفتح استيراد الفيول للقطاع الخاص مباشرة من الخارج، لأنه من غير المجدي اقتصادياً أن تستورد الدولة طن الفيول بعشرين ألف ليرة وتبيعه للصناعيين بتسعة آلاف 

وتابع في تساؤلاته: ما هو أثر ذلك على القطاعات غير الصناعية، كالزراعة ومعيشة المواطنين، وهو ما يجب دراسته قبل الإقدام على خطوة تحرير الأسعار والتي لا بدّ منها، لأن الصناعيين يجب أن يتأقلموا على الإنتاج والمنافسة وفق الظروف والأسعار العالمية وينسوا مراحل الحماية والحصر، التي لم يعد لها وجود في قاموس الاقتصاد السوري 

 

 

خوف الغرف الصناعية

 

 

رئيس اتحاد غرف الصناعة السورية عماد غريواتي يتحدث قائلاً: إن الدراسة التي تقدمنا بها تعبر عن حال غرف الصناعة قاطبة، وأكد بأنه لا معارضة لديه من تحرير أسعار حوامل الطاقة، لأن في ذلك مصلحة عامة للجميع، وليس لموارد الخزينة فحسب، بيد أن المذكرة التي تعبّر عن حال الصناعيين توصلت إلى أن الواقع الصناعي الوطني يعاني من أزمة كساد وارتفاع في تكاليف الإنتاج وضعف في القدرة التنافسية ونقص في السيولة المالية، فكيف له أن يواجه زيادة كبيرة في أسعار الفيول التي ستشكل عبئاً كبيراً على الإنتاج لا يقل عن 15%، الأمر الذي سوف يؤدي إلى خروج عدد كبير من المصانع وإغلاقها، ما سيفاقم أزمة البطالة.

وتابع غريواتي من خلال مذكرة عبّرت عن رأي الغرف الصناعية في سورية، زيادة الأسعار ستؤدي إلى تلاشي الكثير من الصناعات المحلية من الأسواق مقابل المستوردة، مثل الفورميكا والزجاج والإسمنت والورق الصحي والكرتون والسيراميك والقرميد والمنظفات والخيوط والأقمشة القطنية والنسيجية والحديد والكونسروة.

غريواتي اقترح أن يتم رفع وتوحيد سعر طن الفيول إلى /1000/ ليرة وتغطية الوفر المتبقي المراد تحقيقه للخزينة العامة من خلال الأسعار والشرائح المقترحة من صندوق دعم الصادرات، ريثما يتم تأمين البديل لمادة الفيول، أي الغاز الطبيعي

واقترح رئيس اتحاد الغرف الصناعية أن يتم اعتماد استراتيجية وطنية متكاملة للطاقة من خلال لجنة تضم الوزارات كافة، والقطاعات ذات العلاقة، طالباً- في الآن نفسه -  التريث في رفع أسعار حوامل الطاقة إلى حين إقرار صندوق التنمية الصناعية الذي يعد له الآن في وزارة الصناعة.

 

خلاصة القول

 

 

  تباين في الرؤى، واختلاف في المصالح، أفرز لنا معادلة من طرفين، الطرف الأول أن موارد الخزينة في تراجع بعد خسارة الميزان التجاري النفطي، وزيادة أسعار استيراد المشتقات على أسعار النفط الخام المصدر، وتراجع فوائض معظم مؤسسات القطاع العام 

والطرف الثاني، زيادة تكاليف الإنتاج الزراعي والصناعي، وتقليل القدرة التنافسية للمنتج السوري، مضافاً إلى ذلك، وهو الأهم، أعباء معيشية إضافية سيدفعها المواطن، لأن الصناعي سيرفع الأسعار إن زادت أكلاف الإنتاج، ولن يكون إلا المستهلك في الواجهة

لذا إعادة معادلة المعادلة ليتساوى طرفاها، بغض الطرف عن المصالح الضيقة، وأخذ مصلحة المواطن والخزينة أولاً، هو من اختصاص اللجنة الاقتصادية التي أُحيلت إليها مقترحات السيد وزير النفط...ونحن في الانتظار

 

شام نيوز- عدنان عبد الرزاق