إحداثيات وطن

إحداثيات وطن
علي قاسم - الثورة
تكبر خريطة الوطن وهي تتزين بشهدائها الذين يرسمون إحداثياتها بباقات الورد، وتكبر معها مساحات العطاء التي ترسم حدودها وهوامشها دماء أولئك الذين نذروا أنفسهم دفاعاً عن أمن الوطن وأمان المواطن.
لم يكن مفاجئاً لنا نحن السوريين أن تكون رغبة العطاء دون حدود وأن يكون معياراً نتسابق جميعاً لملامسة عتباته، ولم يكن مفاجئاً أيضاً أن يكون جيشنا بأفراده وضباطه على عهدنا بهم.. حماة متيقظين يلبون النداء حين يكون الواجب.
في لحظة الحقيقة ثمة مساحة فاصلة كنتم فيها رجال الوطن الشامخ جسدتم إرادة السوريين في التصدي لكل مظاهر الإخلال بأمن الوطن.
نستطيع ان ندرك مدى العزيمة.. ومعنى الإصرار.. ودلالات هذا العطاء، ونحن نلمس تلك الجاهزية العالية والأداء المتقن لمواجهة أي خطر يحدق.. وأي تحد يبرز.
لا تهتموا لتلك الأبواق.. لا تمنحوها حتى التفاتة.. لا تتركوها تتسرب إلى مسامعكم لأننا مثلكم نعي أهدافها وغاياتها.. الألم ذاته الذي يعتصركم هو مانكابده حين يتجرأ البعض على إنكار تضحياتكم.. أو التشكيك في رسالتكم النبيلة..
لكن كما كنتم دائماً.. تكبرون على الجراح..، وعلى هزال الكلمات التي ينطق بها البعض.. وعلى لغة غريبة عن مسمعكم ومسمعنا..
تعالوا ننصت معاً إلى أحاديث الناس التي تُكبر فيكم تضحياتكم.. إلى آيات العرفان التي تنطق بها نظراتهم وهم يقفون أمامكم وأمام مهمتكم باحترام.. لم نسمع كلمة تأفف ولا لحظة تذمر.. كلهم مستعدون أن يكونوا عوناً لكم..
باقات زهورنا لحظة اعتراف.. وقفة إجلال لكم.. لمن عبدوا الطريق أمامنا بتضحياتهم وعطاءاتهم.. بعرقهم.. بجهدهم..
يستطيع كل سوري أن يوجه كلمة شكر.. وإن كانت لا تكفي.. نظرة امتنان وعرفان بجميلكم الذي يطوق أعناقنا جميعاً.
ندرك جميعاً كم يختزن الوطن من ملامحكم.. وكم يجمع من طيب أعمالكم.. وندرك أيضاً أن القلب المزروع في صدركم يقتسم الحلم.. ويغلف شغافه بعلم الوطن.. ونبض الوطن..
هذا ليس مديحاً لكم.. ولا هو إطراء.. إنه حقيقة نتقاسمها، ونشعر بمساحة اتساعها في وجدانكم وهي ترتسم في كل خطوة منذ اللحظة التي قررتم فيها أن تكونوا ذلك السياج المنيع.
يؤلمنا ويؤلمكم أن ينسى البعض تلاوة صلاته صباح مساء.. وألا يعتد بسواعدكم والشمس تلفح وجوهكم المعفرة بتراب الوطن.. والمسيجة بمائه وسمائه وهوائه..
في القصص والحكايات المتناقلة.. ثمة تفاصيل عديدة ترسم في مخيلتنا بعضاً من الواقع وكثيراً من الحلم.. في لقائنا اليومي مع بعضكم.. وفي متابعتنا لتضحياتكم.. يعود زهونا.. أقوى وأكبر.. يتسع الحلم إلى مساحات تصغر أمامها كل المساحات الأخرى مثلما تصغر المصاعب والمتاعب والهموم..
في تقاسيم وجوهكم لمسنا عزيمة لا تخطئها عين.. ولا تتوه عنها بصيرة.. وفي ملامح تصميمكم أدركنا ما هو أعمق من تلك التفاصيل التي كنا نفتخر بها..
خطوتكم الأولى.. كانت توطئة لمشروع الشهيد الذي يتراءى في عيونكم.. في بصيرتكم.. في إرادتكم.. وفي كل همس تنطقون به..
ذاك الشهيد الذي يزنر الوطن.. تزهو به قرانا ومدننا وبلداننا.. تزفه شوارعنا وأزقتنا وطرقاتنا.. وزغاريد نسائنا، وكلمات وداع أطفالنا..
هنا يقف التاريخ.. ينحني قليلاً.. يتواضع ليلتقط اللحظة الفاصلة التي صنعتها سواعدكم.. وإرادة العطاء فيكم.