إسرائيل تستكمل جهوزيتها للعدوان..

 

تجاوز الأمر وجهة تعامل مجلس الوزراء، مع ملف شهود الزور، وكيفية صرف وليد جنبلاط الرصيد السياسي الكلامي الذي قدمه للمعارضة وسوريا طيلة سنة وثلاثة أشهر، وبلوغ رئيس الجمهورية ميشال سليمان لحظة تحديد الخيارات الكبرى، بعد سنتين ونصف السنة من تدوير الزوايا والتسويات، ليصل إلى حد محاولة الإجابة عن سؤال كبير، حول ما تضمره الولايات المتحدة للبنان، وتحديدا لـ «حزب الله» ومن ثم سوريا، ربطا بإعادة تزخيم حضورها اللبناني وإعادة شد ازر فريقها السياسي والتصرف كأن أميركا اليوم في المنطقة هي نفسها، غداة احتلال العراق في العام 2003.

 

 

سر الرؤساء

لدى مراجعة كتاب «في سر الرؤساء» للفرنسي فانسان نوزيل، وما تضمنه من وثائق ومحاضر رسمية أميركية وفرنسية، مهدت لصدور القرار 1559، تتكون قناعة عند المتابعين لتلك المرحلة، أن المطلوب، بعد احتلال العراق، ضرب سوريا وإيران و«حزب الله» والبنية الفلسطينية المقاومة... قبل أن يتبلور شيء اسمه «الملف النووي الإيراني».

اختار جاك شيراك التركيز على الحلقة الوسطية، أي سوريا، فمع انهيار النظام السوري، ينقطع «الأوكسيجين» السياسي والعسكري عن «حزب الله»، ويكون عليه ان يختار الانضواء السياسي في المعادلة اللبنانية بتخليه عن سلاحه.. وإذا قرر العكس، فتتولى إسرائيل الباقي وعندها لن يكون بمقدور، لا النظام الذي يكون قد تغير في سوريا ولا إيران التي تكون قد فقدت ظهيرها العربي، تقديم الدعم والمساندة للمقاومة في لبنان... وعندها تنهار المقاومة، وتصبح المهمة الأخيرة، حصار إيران تمهيدا لإسقاط نظامها الإسلامي.

 


جرّب الفرنسيون بالتنسيق مع الغرب إعطاء إشارات ايجابية لـ«حزب الله»، وكذلك لإيران في تلك المرحلة.

الحزب لن يوضع على لائحة الإرهاب في أوروبا وثمة مسعى لفتح قنوات الحوار السياسي بينه وبين الأوروبيين... في ظل هذا المسار، جرت عملية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، فكان قرار الخروج السوري من لبنان وقررت المقاومة ومعها كل حلفاء سوريا «الاحتماء» في مواجهة العاصفة الدولية ـ العربية. سقطت حكومة عمر كرامي، وولدت حكومة نجيب ميقاتي. أقيل من أقيل من قادة الأجهزة الأمنية قبل رميهم في السجون.

وقبل أن يكتمل الانقلاب، انعقد «التحالف الرباعي»، بـ«خدعة» ضمن السياق ذاته، فحصل سعد الحريري ووليد جنبلاط وفريقهما على الأكثرية على حساب ميشال عون تحديدا... لم تمض أسابيع قليلة حتى بدأ الانقلاب على «التحالف» نفسه، وكان قرار الانحناء أمام العاصفة مجددا، تحت وطأة استمرار الاغتيالات والتفجيرات من لون سياسي معين... وأحيانا على طريقة اغتيال الشهيد جورج حاوي التي خالفت كل التوقعات... وصولا الى اقرار المحكمة الدولية بقرار من مجلس الأمن ومنع محاولة لبننتها ووضع ضوابط لها في نهاية العام 2005.

 

 


من «حرب تموز» الى «لقاء العقبة»

  


وسواء اعتمدت رواية كتاب «في سر الرؤساء» حول كيفية «إفلات» النظام السوري مما كان مضمرا له ولـ«حزب الله» في ضوء هزيمة إسرائيل في «حرب تموز» 2006، أو اعتمدت روايات أخرى تؤدي للنتيجة نفسها، فإن مسارا جديدا رسخته تلك الحرب... وخير دليل على ذلك، عند مبادرة أحد كبار الأمنيين اللبنانيين للقول مرارا لسائليه «نحن كنا ندرك منذ مطلع العام 2006 أن «حزب الله» هو من قتل رفيق الحريري، لكننا لم نكن جاهزين لمواجهته، فقررنا استنادا إلى معطيات خارجية وداخلية، استثمار الجريمة بوجه سوريا.. ونجحنا في ذلك إلى حد بعيد».

 
لكن، هل أنتم اليوم في جهوزية لمواجهة «حزب الله»؟ يجيب المسؤول الأمني اللبناني نفسه:« المواجهة ليست معنا، بل مع مجلس الأمن. فهل يستطيع الحزب أن ينفذ 7 أيار بوجه مجلس الأمن الدولي»؟

  


بعد «حرب تموز»، وخاصة في «لقاء العقبة» في أعقاب ذلك النصر التاريخي الذي اكفهرت له وجوه كثيرة في المنطقة، وغير الكثير من المعادلات والحسابات، جلس للمرة الأولى، قادة أمنيون عرب وإسرائيليون وأميركيون، وتم التركيز على أولوية مواجهة «حزب الله» بعدما أفلت السوري من القبضة الدولية وخرج نظامه أقوى من أي وقت مضى. وقتها جاء من يسرب الآتي: مسؤولية جريمة اغتيال رفيق الحريري تبدأ من قاسم سليماني (قائد لواء القدس في الحرس الثوري الايراني) وتمر بمحمد سليمان في سوريا وتصل الى عماد مغنية في لبنان!

  


أصاب التعديل معادلة جاك شيراك ـ جورج بوش، لكن مضمونها ظل واحدا: الهدف إيران وسوريا و«حزب الله» وقوى المقاومة في فلسطين المحتلة، خاصة في ضوء نتائج الانتخابات الفلسطينية التي فازت فيها «حماس»... لكن صار «حزب الله» وقوى المقاومة الفلسطينية هم الهدف الأول، وصار مطلوبا، في المقابل، تحييد سوريا والتركيز على «مخاطر الملف النووي الإيراني»، وعلى «الهلال الشيعي»، في إشارة إلى ما أسماه الأردنيون وغيرهم «التمدد الفارسي» في المنطقة... وتبين بفضل كتاب « في سر الرؤساء» أن مصطلح «الهلال الشيعي»، هو مصطلح تولى صياغته جاك شيراك مباشرة بعد سقوط العراق في العام 2003.

  

 


تلازم الاتهام وقرار الحرب الإسرائيلية ضد «حزب الله»

  


سرعان ما ارتاحت سوريا واستعادت نفوذها الإقليمي، وصارت أبرز لاعب عربي، في ظل عجز الآخرين من العرب أو انكفائهم، وتراجع الضغط الدولي والإقليمي.

وفي المقابل، تعاظم دور «حزب الله» وقوى المقاومة الفلسطينية في الاستعداد لأي مواجهة محتملة مع إسرائيل، وتعزز بالتالي النفوذ الايراني باعتباره مصدر الدعم السياسي والمادي. وعندما نشرت «دير شبيغل» ما نشرته في العام 2008،
كانت تعبر عن وجود مناخ دولي ـ إقليمي باستهداف المقاومة، وها هي ساعة الحقيقة تقترب، فأي سيناريو يمكن رسمه للآتي من الأيام؟ وإذا كان هناك ما يبرر الهجوم الأميركي في العام 2004 في أعقاب احتلال العراق، فما الذي يبرر هذا الهجوم الأميركي اليوم، وما هي ركائزه، ولماذا هناك من يجدد الرهان عليه لبنانيا واقليميا؟

 


يقول خبراء دبلوماسيون ان قناعة تكونت لديهم منذ زيارة جيفري فيلتمان وكل الحركة الأميركية والغربية التي تلتها، وصولا إلى زيارة رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي السيناتور الديموقراطي جون كيري، مفادها أنه لن يكون هناك قرار اتهامي ضد «حزب الله» إذا لم تكن هناك جهوزية إسرائيلية للحرب ضد المقاومة في لبنان، ولن يكون هناك قرار سياسي في إسرائيل بشن الحرب إذا لم يكن المدعي العام في المحكمة الدولية القاضي دانيال بيلمار جاهزا لإصدار قراره الاتهامي.
يعني ذلك، بحسب الخبراء أنفسهم، أن الترابط صار وثيقا بين الاتهام والحرب، لكن في ظل عنصر ثالث مكمل لهما ويقع وسطهما تماما، وهو التداعيات التي يفترض أن ينتجها القرار الاتهامي في البيئة اللبنانية (الفتنة تحديدا). وهنا جوهر الأمر كله، ذلك أن «التحكم» بالمحكمة واتهامها الجاهز هما قرار أميركي مثلما يتحكم الأميركي والاسرائيلي وحدهما بقرار الحرب ضد لبنان وتوقيتها. أما التداعيات، فيستطيع كل طرف لبناني أن يتحمل مسؤولياته في مواجهتها. فالأكثرية، وعلى رأسها سعد الحريري، تقول ان اتهام «حزب الله» ليس نهاية العالم، وإنه «بمقدور الحزب أن يدافع عن نفسه، وإننا لن نقبل الا أن يكون الاتهام مبنيا على أدلة»!

  


في المقابل، لم تحسم المعارضة خياراتها، لكنها تضبط ايقاعها وفق رؤية «حزب الله» الذي يضع نصب عينيه أولا الاستعداد للحرب التي لا بد من أن تشنها اسرائيل، لذلك هو يرغب بحذف الاتهام لكنه لا يملك القدرة على ذلك، لذلك تصبح خياراته مندرجة تحت عنوان الحد من الخسائر ما دامت واقعة حتما بمجرد أن الاتهام سيصدر ـ اذا صدقت التكهنات والتقديرات وشبه المعلومات الذي «تسرّب» وتعمم ـ بمعزل عما يردده البعض حول وجود خلافات جديدة بين قضاة المحكمة حول مضمون القرار وتوقيت صدوره وتداعياته على الوضع اللبناني.

  

 


«إسرائيل جاهزة للحرب»

  


وإذا كان موضوع «التداعيات» هو العنوان اللبناني البحت، ويمكن تصور عشرات السيناريوهات، فإن السؤال هو هل أصبحت اسرائيل جاهزة للحرب؟


يجيب عن السؤال مراسل «السفير» في باريس محمد بلوط في التقرير الآتي:
«نعم. إسرائيل جاهزة للحرب ضد لبنان». هذه خلاصة حملها مسؤول فرنسي عاد من جولة شملت منطقة شمال فلسطين المحتلة قبل أربعة أسابيع. وقال المسؤول الفرنسي إن جولته ليست الأولى من نوعها، لا سيما بعد حرب تموز 2006. وكانت انطباعاته الماضية تؤخذ في الحسبان لتكوين صورة في الدوائر الفرنسية المعنية عن الخطط الإسرائيلية إزاء لبنان.

 


وقال الزائر الفرنسي، إن الإسرائيليين أبلغوه أنهم استكملوا في الأشهر الأخيرة، استعداداتهم العسكرية والمدنية، وان البنى التحتية والملاجئ في شمال فلسطين المحتلة، وخاصة المستوطنات المحاذية للحدود مع لبنان، باتت جاهزة لمواجهة احتمالات الحرب في أي لحظة. وفي الوقت نفسه، استكمل الإسرائيليون سلسلة مناورات هدفها اختبار قدرة الأركان والفرق الجديدة في الفيلق الشمالي الذي أعيد بناؤه، على تنفيذ الخطط المعدة في مسرح العمليات ضد «حزب الله»، بأســرع وقت ممكن.
وبحسب المصدر الفرنسي نفسه، فإن المناورات، التي جرى آخرها، في شباط الماضي، تستند الى مواجهة سلسلة من شبكات الصواريخ المتطورة، وكثافة نيرانية قد تهدد أمن إسرائيل، بالإضافة إلى صواريخ طويلة المدى وأنظمة دفاع جوي.

 


ولاحظ الزائر الفرنسي أنه بخلاف المرحلة الماضية، التي كان العسكريون في اسرائيل رأس حربة المعارضة لأي عملية جديدة ضد «حزب الله»، وضرورة الاستثمار الزمني أكثر في عمليات التدريب والتسليح، فإن ثمة انقلابا في موقف هؤلاء العسكريين الذين صاروا طليعة المتحمسين للقيام بعملية عسكرية، وإنهم على أتم الاستعداد لتنفيذ اي هجوم عسكري ما إن يصدر الأمر السياسي.

 


ونقل الزائر أنه منذ استقالة الجنرال موشيه سوكينيك من مهمته في إعادة بناء طابور الشمال (حلقة الوصل بين القيادة والكتائب الميدانية)، وتوجيهه انتقادات قاسية لعدم كفاية الميزانية للتدريب، رغم مضاعفتها أربع مرات، خلت القيادة من الأصوات المؤثرة التي كانت تستمهل حتى بداية الصيف أي عملية هجومية. ونقل الزائر أن إجماعا بات يسود الجيش الإسرائيلي بقدرته على خوض الحرب ضد «حزب الله»، متى قررت القيادة السياسية ذلك.

 


واختار الزائر للتعبير عن انطباعه برسوخ التوجه نحو الحرب، ما قاله غادي آيزنكوت من أنه «حينما تندلع الحرب المقبلة، يجب أن تحسم بسرعة وبقوة، من دون إيلاء أهمية للرأي العام العالمي»، كما «انه لن تحظى لا الولايات المتحدة، ولا الدول التي تشارك قواتها في «اليونيفيل»، بتنبيه كافٍ إلى اقتراب موعد الهجوم على «حزب الله». إذ لن تُلاحظ حشد الاحتياطي الإسرائيلي ولا التحركات العسكرية الكبيرة إلا بعد بدء الحرب. ويعني ذلك أنه لن يتسنى لها الوقت للقيام بمساعٍ دبلوماسية وقائية تقنع إسرائيل بالعدول عن الحرب».

 


القرار الاتهامي سيصدر، ربما أسرع مما يتوقع كثيرون، ليس في شهر كانون الأول بل ربما قبله، وإسرائيل جاهزة للحرب، و«حزب الله» هو الهدف. وإذا أصيب فسيكون السوري هو الهدف التالي، على عكس معادلة جاك شيراك ـ جورج بوش في العام 2004.

هل يظن أحد من العاقلين أو غير العاقلين، أن سوريا يمكن أن تقف على الحياد، في حال توجيه الاتهام ضد «حزب الله». وهل «اكتشف» من بيدهم الأمر لماذا وقف «حزب الله» عندما اتهمت سوريا في العام 2005 في ساحة رياض الصلح للقول «شكرا سوريا»... وماذا سيقول غدا الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله. وبعده، ماذا سيقول السوريون في كل العنوان اللبناني في الآتي من الأيام؟


لمن يسأل عن «سر» الهجمة الأميركية ورهان البعض عليها، أن يبحث عن عنوانين متلازمين لا ثالث لهما: القرار الاتهامي وتداعياته والحرب الإسرائيلية ضد لبنان.

 

 

السفير