إشتباكات طرابلس: ما بين الأهداف والخلفيات جملة من الأسئلة

 

خلال الأشهر الماضية، برز أكثر من تحذير من إنفجار الوضع في شمال لبنان نتيجة تحركات مشبوهة لجماعات من المفترض أنها تحت أعين الأجهزة الأمنية، لكن للأسف ولأسباب معروفة من قبل الجميع، لم تكن هذه الأجهزة تتخذ قراراً بالحسم مع هذه المجموعات بالرغم من الملفات الكثيرة التي تملكها عنها.

اليوم، وبعد كل ما حصل في عطلة نهاية الأسبوع المنصرم من إشتباكات مسلحة خطيرة في طرابلس، بات من الضروري طرح العديد من علامات الإستفهام وبوضوح حول العديد من الأمور التي حصلت وتحصل منذ أشهر طويلة لأن هناك من لا يريد للبنان وللشمال خيراً.

 

ما الرابط بين إشتباكات طرابلس وإنتشار الجيش على الحدود؟
قبل أيام قليلة من إشتباكات طرابلس، كانت وحدات من الجيش اللبناني تنتشر على طول الحدود اللبنانية السورية من ناحية الشمال، بعدما أثارت هذه الحدود الكثير من التساؤلات حول ما يعبر من خلالها نحو سوريا من سلاح وأشخاص، وأصبح هذا الإنتشار مطلباً شعبياً لأبناء المنطقة الحدودية ولنواب المنطقة الذين كانوا يتخوفون من تحرك ما للجيش السوري نحو الأراضي اللبنانية.
ويدفع توقيت هذه الإشتباكات بالتزامن مع إنتشار الجيش على الحدود الى السؤال عما إذا كان هناك من يريد إلهاء الجيش عن الحدود وإفتعال مشكلة في قلب عاصمة الشمال بهدف بقاء هذه الحدود بعيدة عن أي مراقبة.

 

ما العلاقة بين الإشتباكات والأحداث السورية؟
من جهة ثانية، كان العنوان الأبرز خلال التظاهرات، التي إنطلقت في شوارع طرابلس والتي كانت الشرارة لبدء الإشتباكات المؤسفة، الاحداث السورية وما يجري بالتحديد في منطقة حمص من إشتباكات مسلحة بين الجيش السوري والمعارضة السورية.
هذا الترابط، معطوفاً على الشعارات التي طرحت، يدفع الى السؤال عن الجهات التي لديها مصلحة في نقل ما يحصل من معارك عسكرية في سوريا الى الداخل اللبناني، وعن الهدف من وراء ذلك في مدينة تشهد إنقساماً سياسياً وطائفياً واضحاً على خلفيات المواقف من الأحداث السورية، وهذا الأمر كان واضحاً من خلال الإتهامات المتبادلة بين القوى السياسية الفاعلة في المدينة عشية الإشتباكات.

 

لماذا إختيار شارع سوريا مكاناً للتظاهر دائما؟
على صعيد متصل، إعتادت بعض الحركات والجماعات إختيار شارع سوريا منطقة للتظاهر بشكل دائم، والشارع المذكور يعرف بين أبناء طرابلس بأنه "خط تماس" بين جبل محسن وباب التبانة منذ سنوات طويلة بسبب الإنقسام الطائفي الحاد بين المنطقتين، وهذا يعني أن الهدف من الدعوة الى التظاهر في هذا الشارع من قبل أي فريق كان إستفزاز الفريق الآخر لأن التظاهر والتضامن يمكن أن يكون في نقطة أخرى لا تشكل إي إستفزاز.
هذا الإستفزاز في منطقة بات ينتشر فيها السلاح بشكل واسع يعني الهدف منه الوصول الى إشتباكات مسلحة، وبالتالي من المفترض التحقيق في خلفية الإختيار الدائم لهذا الشارع للتظاهر، وعما اذا كان وراء ذلك حركات "صبيانية" من قبل البعض فقط أم أن هناك شيئاً متعمداً لتحقيق أهداف معينة.

 

ما الهدف من حملات التحريض على الجيش اللبناني؟
من ناحية أخرى، عمدت بعض الجماعات والحركات الى شن حملة تحريضية واسعة على الجيش اللبناني ومخابراته، أعادت الى الذاكرة الحملات التي تشنها بعض الشخصيات على الجيش منذ مدة، و"الفتاوى" التي أصدرها البعض ودعت الشباب من أبناء الطائفة السنية الى عدم الإنخراط في صفوف الجيش والتعاون معه.
هذه الحملات، التي لم يعد من المنطقي القول أنها غير منظمة أو فردية، تدفع الى البحث في أهدافها خصوصاً أنها تصوّب سهامها على مؤسسة يجمع اللبنانيين منذ سنوات على أنها مؤسسة وطنية جامعة وضامنة لمختلف فئات المجتمع، وهو ما يدفع إلى التساؤل عما إذا كان الهدف منها منع الجيش والأجهزة الأمنية من القيام بواجباتهم تحت عنوان "الإعتداء على طائفة معينة".

 

من يدعم بعض الحركات التحريضية في طرابلس؟
بالترابط مع العناوين السابقة، برزت في السنوات القليلة الماضية الى الواجهة العديد من الحركات والجماعات المتشددة غير المعروفة تاريخياً على الساحة الطرابلسية بشكل كبير حتى باتت هذه الحركات تشكل رقماً صعباً في فترة قياسية.
الكثير من علامات الإستفهام يفترض أن تطرح حول مصادر تمويل هذه الحركات والجماعات ومن يقدم لها الدعم الكبير الذي يظهر من خلال كميات الأسلحة الباهظة الثمن ووسائل الإتصال المتطورة التي تملكها، والتي لا يمكن التصديق بأنها فقط من أموال ما يعرف بالتبرعات ورجال الخير، خاصة وأن جميع الفئات السياسية الفاعلة في عاصمة الشمال تنفي في العلن علاقتها بها، وهذا الأمر ظهر جلياً في قضية مخزن السلاح الذي إنفجر في منطقة أبي سمراء وتبين أن مالك هذا المخزن حتى الساعة مجهول الهوية والإنتماء.

 

من يغطي بعض الشخصيات المعروفة في المكان والزمان؟
سؤال أخير ينبغي الإجابة عليه والبحث في تفاصيل ما يطرح، يتعلق بالغطاء الذي تمنحه بعض الجهات لشخصيات معروفة في المكان والزمان وتعمل على "كب الزيت على النار" في فترة التوترات.
هذه الشخصيات الدينية والإجتماعية عمدت خلال الإشتباكات الأخيرة الى إثارة الكثير من الشائعات عن إشتباكات وهمية في شوارع معينة من مدينة طرابلس كانت تشهد هدوءا نسبياً تمهيداً لنقل المعارك إليها على ما يبدو، كما سعت الى نقل دعوات الى "الجهاد" عن لسان العديد من الرموز الدينية في المدينة لتحفيز الشباب على المشاركة في الإشتباكات، وهذه الشخصيات معروفة بالحماية المؤمنة لها من خلال العديد من الرموز والجهات التي تمنع التعرض لها، بإعتبارها "مفاتيح" يمكن الإستفادة منها في العديد من المحطات ولا سيما الإنتخابية منها، وللمفارقة فإن هذه الشخصيات معروفة بالإنتقال من جهة الى أخرى بحسب ما تقضي مصلحتها.

هذه جملة من الأسئلة التي تطرحها الأحداث الأخيرة في طرابلس ويمكن إضافة العديد من الأسئلة الأخرى إليها، وهي قد لا تؤدي الى كشف المخطط الذي كان يحضر للمدينة ومن يقف خلفه بشكل مباشر، لكن البحث المعمق فيها قد يؤدي الى الوصول للعديد من الخيوط المهمة التي تساعد في كشف العديد من الحقائق في دولة باتت فيها الحقيقة وحدها التي لا تظهر، فهل هناك من يسمع ويتابع؟