إلا سوريا !!

فليتوقف الجميع في سوريا العروبة عند هذا الحد، ولتسقط كل مؤمرات الفتن والقتل والاحتراب الاهلي، ودوامة العنف التي انطلقت في سوريا الحبيبة ولامست حد الانفجار.
وليكن الصوت السوري هو المدوي في الداخل، فلا صوت للاصلاح والبحث عن الحرية الا من السوريين انفسهم، ولا لنوبات الخارج المتربص للتدخل في الشأن السوري الداخلي، لينذر بما هو اصعب، ويهدد امن واستقرار سوريا ويعرضها للدخول في دوامة الفوضى.
بعد نحو شهرين من الاحتجاجات والتحركات الشعبية والاعمال الامنية في سوريا، تبين ان حركة الاحتجاج خرجت عن مسارها الحقيقي، والمبدئي بالمطالبة بالحريات العامة ومزيد من الانفتاح الاصلاحي سياسيا واقتصاديا.
لم يرفع المحتجون في حراكهم اي شعار لاسقاط النظام السياسي في سوريا، واقتصرت سقوف مطالبهم على الاصلاحات العامة، ولكن المتربصون لسوريا الدولة والمشروع العربي الهائج والمتدفق والصارخ في وجه الاحتلالات الاجنبية في وطننا العربي الكبير، حولوا شعار اسقاط النظام الى مادة تعبئة وشحن، لها ما يؤثر سلبا في الكثير من المواجهات الدموية التي تشهدها البلاد.
الفرصة لا زالت قائمة بسوريا للاصلاح، والنظام السياسي مؤهل بحكم بنية الدولة المؤسسية وعراقة تشكل مؤسسة السلطة بها، بان يعيد انتاج ادواته السياسية الداخلية ويجري اصلاحات عامة سريعة ومباشرة، فالدولة في سوريا لا زالت راعية للتعليم والصحة والاسكان، نظام سياسي يؤمن بالدور الاجتماعي للدولة، لم يتورط في سياسات التحول الاقتصادي العالمي «سياسة السوق».
المتابع للشأن السوري، يلتقط اشارات قوية وجازمة على ان النظام السياسي مدرك جيدا، انه لا يمكنه ان يعيش خارج سرب الاصلاحات والتحولات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي تشهدها البلاد العربية، وان النظام منذ تولي الرئيس بشار الاسد للرئاسة يسعى بتدرج الى تجذير الاصلاح بكل اشكاله في مؤسسات الدولة.
حماية سوريا من الفتنة، بات امرا ليس سوريا بحت، بل هو عربيا، فنقل سوريا الى مستنقع المواجهات وحالة الاقتتال الداخلي لتكرار نماذج عربية اخرى وصلت بلادها لحد سيل الدم الجارف، والفوضى الداخلية التي اوصلت البلدان الى ازمات وازمات داخلية لا تحمد عقاباها مهما كانت المبررات والدوافع من وراء ذلك.
الصوت السوري المعارض «الوطني» والعقلاني في الداخل والخارج السوري «موقن جيدا ان الحراك المطلبي الذي شهدته البلاد يجب ان يتوقف عند مطالبات اصلاحية سياسية واقتصادية واجتماعية، فهو يتخوف من التورط في الدم والحرب الاهلية، وزراعة الفوضى التي تجيدها قوى سياسية انتهازية تحول كل ابواقها واموالها لتحريض الغرب على التدخل في الشأن السوري الداخلي لاسقاط النظام، فقد اعجبهم ما حدث في العراق وما يحدث في ليبيا، واليمن.
المبادرة لا تزال، بيد النظام السوري، والتسريع في اجراءات اصلاحية تساهم في باحتواء الاحتقان واستيعاب الوضع الداخلي، وتبعث برسائل سياسية ايجابية تنذر بانهاء الازمة وان مرحلة جديدة تنتظر السوريين افقها السياسي العام الاصلاحي غير محدود، لان النظام السوري متصالح وطنيا مع شعبه، وليس ثمة ما يدفعه لرفض الاصلاح.
ما تمر به سوريا اليوم، ليس صعبا على اهلها، بل ان المنطقة العربية كلها، تنظر بقلق وريبة لما يجري هناك، وربما ان ذلك يفتح السؤال عن ابعاد التحرش الخارجي بالنظام السوري، والمنطقة على موعد لاستحقاقات استراتيجية كبرى بعدما يكتمل انسحاب الجيش الامريكي من العراق.
فهل يعقل ان يُقرأ ما يجري في سوريا، من زاوية داخلية بحتة، ولا نربطها بالتقاطعات الاستراتيجية الخارجية الكبرى والمعقدة التي تصيب منطقة الشرق الاوسط، فهل يمكن للغرب ان يترك سوريا بحالها ودوامة التغيير بدأت بالاصدقاء قبل الخصوم.
فارس الحباشنة- الدستور الأردنية