إيمان سعيد.. والخوض في مشروع الكتابة

«في المساء ابتعت لأمي مجلة تحمل صورتي، جالستها لمتابعة مسلسل كنت قد كتبته، زينت حائط منزلها بشهادات بالغت في اقتنائها، في الصباح جلست أمي متباهية بين جاراتها لتخبرهن كيف أن ابنتها تجيد «تكبيب» الكبة»، هذا ما دوّنته إيمان سعيد على صفحتها في الـ«فايسبوك».
لا تبدي إيمان انزعاجها لفكرة استحضار التقليدي ومواءمته بالعصري في مشاريعها وطموحاتها.. فخريجة المعهد العالي للفنون المسرحية والحاصلة على إجازة في علم النفس من جامعة دمشق، هالها البدء بمشروع الكتابة انطلاقاً من الورقة البيضاء على حد تعبيرها. وعليه فضلت البدء في الإعداد المسرحي و«الدراماتورجية»، محولة بعض النصوص الأدبية العالمية والعربية إلى أفلام قصيرة ومسرحيات، أي إلى جنس فني آخر.
بداية، خاضت إيمان تجربة العمل الجماعي، لتشارك في كتابة «اسكتشات» بمسلسل «بقعة ضوء»، «أمل ما فيه»، ثلاثية «المارقون» لمخرجه نجدت أنزور، الذي شكل نقطة انطلاقتها نحو العمل الفردي، حيث القصة التي تهمها ولغة الحوار الخاصة بها، واعتبار السيناريو مشروع بحث حقيقياً، لها تكتب فيه وتترك لنفسها الأسئلة الدائمة حوله. وضعت سيناريو فيلم ضخم يروي قصة الاحتلال الإيطالي لليبيا. صور منه ما يقارب ثلاث عشرة دقيقة عرضت في مهرجان دمشق السينمائي للعام 2009. لكن المشروع لم يكتمل بحجة «المصالحة» الليبية الايطالية!
لعل أبرز أعمالها الدرامية حتى الساعة هو المسلسل التلفزيوني «سحابة صيف»، الذي شارك في بطولته بسام كوسا وسلوم حداد، سمر سامي، وديمة قندلفت. يستعرض العمل الموزاييك الاجتماعي لمدينة دمشق وشكل العلاقات المتبادلة بين أبناء دمشق وبين الوافدين إليها من لاجئين فلسطينيين وعراقيين وبعض طلبة الجولان المحتل.
تعيش ايمان صراعاً مستمراً بين شخصيتي الناقد والكاتب. وهو ما يفسر اتساع المسافة الزمنية بين أي عمل درامي لها وآخر. فالكاتب مسيّر بالموهبة والاجتهاد، فيما الناقد مسير بالمنطق ومتطلبات التجديد والبحث. فتضطر إلى تعطيل أحدهما لينطلق الآخر.
لم تفرد إيمان السعيد مكاناً لبطل يستحوذ على حصة كبيرة في «سحابة صيف». فهي ترفض تكريس فكرة البطل ولا تريد مجاراة تلك النزعة المستحكمة في الدراما العربية. البحث عن بطل منتظر أو مخلص أسطوري من نتائجه «ركون الجماعة إلى خيباتها وتقبل واقعها دون تحمل المسؤولية». فتوزيعها لأدوار البطولة بالمعنى الفاعل درامياً انطلق من مبدأ أن «لكل منا حكاية هو بالمطلق بطلها. فكتبت بميل لواقعية إنسانية نفسية دون أن ارتكب فعل الخيانة بحق أفكاري والمبادئ التي أؤمن بها».
لا ترابط بين هوية إيمان السعيد الفلسطينية وإتقانها الخط الفلسطيني في «سحابة صيف». فقد كان من الطبيعي لها وهي على تماس معهم أن تمتلئ بحكاياتهم وتفاصيل حياتهم اليومية. لكنها استعرضتها «كقضية عادلة وإنسانية بالدرجة الأولى، بعيدا عن الشعارات التي قدمت نموذج (كليشيه) للفلسطيني اللاجئ أو الواقع تحت الاحتلال. لذلك كانت قصة كقصة راشيل كوري الأميركية التي وضعت نفسها أمام الدبابة الإسرائيلية ذات معنى، لأنها مدفوعة بخيار الضمير الإنساني أكثر من خيار الواجب الوطني». اذ ان «قيمة العمل الدرامي في ما خص القضية الفلسطينية اليوم، لا تأتي من أهمية القضية فحسب، بل من كيفية رؤيتها دون الوقوع في اجترار الأفكار ذاتها، أو استخدام الفلسطيني كمادة قابلة لتصنيع فن يستغل فيه وجدانيات المتلقي واللعب على البعد الميلودرامي». فقد كان الفلسطيني في «سحابة صيف» متأرجحاً بين من يعيش خيبة خسارة الوطن ومن يتجاوز الواقع باتجاه حلم العودة، وبين من استبعد فكرة الوطن التقليدية، بل مكان يتبادل معه المنفعة المشتركة. حيث الفلسطينيون يتفاوتون في الأخلاق والقيم ويتنقلون بين كونهم ضحايا وجلادين، حالمين وواقعيين، ثابتين متحولين. «فالبشر ليسوا دائماً أصحاب فضيلة»، تقول ايمان.
تعتبر إيمان أن الفنون الدرامية العربية بأشكالها الثلاثة سينما، مسرح، وتلفزيون هي فنون مستوردة لا تعبر عن هويتنا العربية أو الوطنية. فنحن «ندور في دائرة التقليد سواء على مستوى الشكل أو المضمون. بينما يختلف الوضع في الشعر والرواية. بإمكاني أن أحدثك عن هوية السينما الإيرانية أو الأوروبية بينما بعض تجارب السينما العربية لم تصل لمستوى تشكيل هوية خاصة بها».
اصطبغ فكر إيمان وشخصيتها بصباغ الأمكنة التي ارتحلت إليها وسكنتها. الفتاة التي زارت بيروت لأول مرة كسائحة في 1993، غادرتها بيروتية الهوى. «كنت أشعر في أثناء مشيي في شوارعها أن قدميّ لا تطآن الأرض، أني أطير قليلاً». المدينة التي يحج إليها كل مثقف. ذلك المكان الجدير بالغزل. تعمد إيمان إلى توقيت فترة إقامتها فيه. تواظب على إتيانه كزائر خفيف الظل. أن تحافظ على ما يشبه قصة حبّ مع بيروت. أن يشعرها بعض اللبنانيين رغماً عنها بصورة الضابط أو العامل التي ألفوها عن السوريين. كانت تجتاز نقطة «المصنع» الحدودية متشوقة للقاء فيروز في المساء، عندما بلل فستانها ماء غمام لم يعرف حدوداً، لا هوية له سوى المطر.
علي السقا-السفير