اثيوبيا تهدد مصر في نيلها

 

الشغل الشاغل للمصريين حكومة وشعبا ومعارضة، هو الانتخابات البرلمانية التي ستعقد بعد ايام معدودة، ولكن القضية الأسخن، في رأينا، هي تلك المتعلقة بالخلافات المتفاقمة بين مصر ودول منابع النيل، واثيوبيا على وجه الخصوص.

 


الاهتمام المصري، السياسي والاعلامي بالتحركات المكثفة من قبل خمس من هذه الدول، بقيادة كل من اثيوبيا واوغندا لإعادة توزيع حصص مياه النيل التي تستأثر مصر بحوالي ثمانين في المئة منها، قد يكون هذا الاهتمام تراجع قليلا، ولكن هذا لا يعني ان القضية تراجعت من حيث الحدة، فما زالت الدول الافريقية ماضية قدما في محاولاتها هذه وتصليب تكتلها ضد كل من مصر والسودان.

 


بالأمس القى الرئيس الاثيوبي ملس زيناوي برميلا من الوقود شديد الاشتعال الى نار الخلاف مع مصر، عندما صرح لوكالة 'رويترز' للانباء بان مصر لا يمكنها ان تكسب حربا مع اثيوبيا حول مياه النيل، وكشف لاول مرة انها تدعم جماعات اثيوبية متمردة تعمل على زعزعة استقرار بلاده.

 


الحكومة المصرية لا تفكر في اشعال فتيل حرب مع اثيوبيا لان هذه الحرب غير ممكنة بسبب بعد اثيوبيا (حوالي خمسة آلاف كيلومتر)، وهي تؤمن بالحوار من اجل تسوية اي خلاف ينشأ. ولكن التدخلات الاسرائيلية في دول منابع النيل، من حيث تحريض هذه الدول على بناء سدود لتحويل المياه، وتقديم صفقات اسلحة ضخمة لها للتصدي لأي هجوم مصري مزعوم، هذه التدخلات بدأت تعطي ثمارها توترا وتدهورا في العلاقات بين مصر واثيوبيا على وجه الخصوص.

 


الحكومة المصرية تملك اوراقا عديدة يمكن ان تستخدمها للضغط على اثيوبيا اذا ما قررت السير قدما في خططها لإعادة توزيع حصص مياه النيل بما يؤدي الى تقليص حصة مصر، ومن ابرز هذه الاوراق مساعدة جماعات انفصالية اثيوبية خاصة في منطقة اوغادين الصومالية التي ضمتها اثيوبيا بالقوة. ومن غير المستبعد ان تكون الحكومة المصرية قد بدأت السير في هذا الاتجاه لإيصال رسالة حاسمة الى الرئيس زيناوي بانها لن تصمت على تحركاته هذه.

 


توزيع مياه النيل بين الدول المعنية محكوم باتفاقات دولية الاول جرى توقيعه عام 1929 والثاني عام 1959. واعطت مصر دولة المصب حصة مقدارها 55.5 مليار متر مكعب من المياه، والسودان دولة الممر حوالى 18 مليار متر مكعب، من مجموع مياه مقداره 84 مليار متر مكعب، بينما يذهب الفارق هباء بسبب التبخر او ما يعادل عشرة في المئة.

 


اثيوبيا تملك الورقة الاقوى في مسألة توزيع المياه لان حوالي 85' من مياه النيل تأتي من مرتفعاتها من خلال 'النيل الازرق' الذي يلتقي مع النيل الابيض القادم من بحيرة فيكتوريا الاوغندية، ولكن هذا لا يعني ان تغير الحكومة الاثيوبية الحالية واقعاً يمتد لآلاف السنين.

 


مياه النيل مسألة حياة او موت بالنسبة لمصر، ولا يمكن ان تتهاون بشأن اي محاولة للتلاعب بحصتها. ولكن لا يمكن اعفاء النظام المصري الحالي من مسؤولية تدهور الأمور الى هذه الدرجة من الخطورة طوال الاعوام الثلاثين الماضية.

 


الحكومة المصرية اهملت الملف الافريقي، وتعاملت بطريقة تتنافى مع مصالح مصر الاستراتيجية، سواء من خلال غضها النظر عن التحركات الاسرائيلية التخريبية في دول المنبع بحجة الالتزام بمعاهدة السلام، او الدخول في قطيعة مع السودان تحت ذريعة السيادة على مثلث حلايب او الخلاف مع جبهة الانقاذ السودانية الاسلامية الطابع.

 


الرئيس الاثيوبي ملس زيناوي اظهر لهجة عدائية تجاه مصر في تصريحاته هذه، واذا كان يعتقد بأن مصر لا يمكن ان تكسب اي حرب تخوضها لحماية المصدر الرئيسي لحياة ثمانين مليون مصري، فانه يجب تذكيره ايضاً بانه سيكون من ابرز الخاسرين اذا ما قرر الاستمرار في الارتماء في الاحضان الاسرائيلية والاستناد اليها في تحدي مصر. فالداخل الاثيوبي على درجة كبيرة من الهشاشة، واوضاع اثيوبيا ليست على درجة قوية من الاستقرار وأخطر ما يمكن ان يهدد الأنظمة هو ضرب جبهتها الداخلية، ومصر قادرة على ذلك لو أرادت اذا اشتد الخناق عليها، ووجدت ان هذا التدخل هو الخيار الاخير.

القدس العربي