احتجاجات "مستقبلية" منظمة بالدواليب وقطع الطرق ... والجيش يحذر


برغم المشاغبات المسائية المحدودة، بعد محاولات الإثارة الخطابية ذات النبرة المذهبية الصارخة، فقد تمت الاستشارات النيابية الملزمة لاختيار رئيس الحكومة العتيدة، في يومها الأول، باحترام كامل لقواعد اللعبة الديموقراطية، حتى ورئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري يلوّح بأن الغد سيكون يوماً آخر..

على أن الشحن الذي حفلت به تصريحات نواب حاليين وسابقين من «كتلة المستقبل» وعدد من «حلفائها» بقيادة «القوات اللبنانية»، ثم الدعوة إلى إعلان يوم تكليف الرئيس نجيب ميقاتي، «يوم غضب» في الشمال، والدعوة الى اعتصام أمام ضريح الرئيس رفيق الحريري، اليوم، قد خلقت جواً رديئاً من الإثارة يدل أكثر ما يدل على أن الرئيس سعد الحريري الذي لم يعرف كيف يربح، وهو في سدة الحكم، لا يعرف أيضاً كيف يخسر.. بعد خروجه منها!

ولقد استذكر الكثير من أصدقاء الرئيس الشهيد رفيق الحريري، ومن خصومه أيضاً، كم كان متفوقاً في تقبّله الخسارة، سياسياً، مرتين، بقدر ما كان متفوقاً في إدارة المعركة كي يعود فيربح معوضاً ما خسره أضعافاً...

ولسوف تنتهي الاستشارات بعد ظهر اليوم بإعلان تكليف الرئيس نجيب ميقاتي بأكثرية مريحة، تداني الأكثرية التي أوصلت الرئيس سعد الحريري إلى رئاسة الحكومة قبل أربعة عشر شهراً، لتبدأ مرحلة التأليف التي لن تكون غاية في السهولة، وإن كان الأطراف جميعاً، في المعارضة ـ سابقاً ـ تعهدوا بأن يسهّلوا الأمر على الرئيس المكلّف، نتيجة تقديرهم حساسية المرحلة وأهمية توفير فرصة النجاح له في هذه المهمة الصعبة.

واعتبارا من مساء اليوم، سيواجه ميقاتي تحدي صياغة حكومة إنقاذ وطني، تتجاوز بتركيبتها وبرنامجها، الاصطفافات السابقة أو نسختها المنقحة حديثا، لتلامس التحديات المصيرية التي تواجه اللبنانيين، في حاضرهم كما في مستقبلهم، في خوفهم على أمنهم اليومي واستقرارهم الطري العود، كما في الحصول على كفاف يومهم.

وإذا كانت المعارضة بلسان جميع قادتها، ولا سيما الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله، وحليفه القديم ـ الجديد النائب وليد جنبلاط، قد أكدت أهمية قيام حكومة شراكة وطنية ورفض منطق الاستئثار والالغاء والتفرد، فإن المطلوب من الرئيس سعد الحريري أن يضع تجربة والده الرئيس الشهيد رفيق الحريري في مغادرة الحكم كمثال يحتذى وحافز للعودة المشروعة إلى السلطة مستقبلا، بالوسائل الديموقراطية، بدلا من سلوك مسار المغامرة غير المضمونة النتائج، ليس عليه فقط وإنما أيضاً على كل لبنان، خصوصاً بعد أن باتت لغة الاطارات سبيلاً إلى محاولة اختزال رئاسة الحكومة بشخصه، مراهناً على أن الرئيس «المنافس» ليس من النوع الذي يستطيع الصمود في مواجهة النيران المشتعلة، وهو الذي لطالما سار فوق المياه محاولاً تفادي البلل، فإذا بالرئيس ميقاتي يقدّم نفسه أمس نموذجاً مختلفاً من حيث تماسكه وصلابته واستيعابه لهذه المهمة الوطنية لا بل التاريخية.

بعد ظهر اليوم، مبدئياً، واستناداً إلى نتائج الاستشارات النيابية، سيستدعي رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان الرئيس ميقاتي لتكليفه برصيد يتراوح بين 65 و69 صوتا، بمهمة تشكيل حكومة إنقاذ تعيد وصل ما انقطع بين اللبنانيين، بينما يؤمل أن يتيقن الرئيس الحريري أن خسارته هذه المنازلة كان يمكن تفاديها، وربما سيذهب إلى دراسة الواقع الجديد للتعايش معه من أجل الحد من الخسائر.. وحماية أكبر قدر ممكن من فريقه داخل السلطة الجديدة...

الجيش يرفض المس بالأمن

وبصرف النظر عن حجم التحركات الاحتجاجية وفعاليتها او رقعة انتشارها المتزامنة، بعد ظهر أمس، في عدد من المدن والبلدات اللبنانية، التي توجت بقنبلة صوتية ألقيت في مجرى نهر أبو علي في طرابلس، في ساعة متأخرة من ليل أمس، فإنها ارخت جوّا من التوتر بين المواطنين، خاصة انها أعادت نبش صور الشارع والخطاب التحريضي المذهبي البغيض، وزرعت القلق الكبير في نفوس اللبنانيين، وهي مسألة تلقي على القوى الامنية اللبنانية، وفي مقدمها الجيش اللبناني ثم مؤسسة قوى الأمن الداخلي، مسؤولية فرض الامن «والحؤول دون سريان لغة الشارع، التي لن تؤدي سوى الى كارثة على الجميع»، على حد تعبير رئيس كتلة جبهة النضال الوطني النائب وليد جنبلاط.

وقال مصدر عسكري لبناني بارز لـ«السفير» ان امن اللبنانيين فوق أي اعتبار وممنوع المس به، واشار الى «ان الجيش اللبناني على اهبة الاستعداد لأي طارئ، وقرار قيادته واضح وصارم بالتصدي لكل من يحاول المس بأمن اللبنانيين، وليس هدف الجيش الصدام مع احد، لكن الامن خط احمر، والجيش يقف بالمرصاد لمن يحاول العبث به.

وسعى انصار الحريري منذ لحظة انطلاق التحركات الاحتجاجية التي امتدت على مناطق نفوذ تيار المستقبل في الشمال والبقاعين الغربي والأوسط واقليم الخروب وصيدا مرورا ببعض احياء بيروت وطريق الساحل الجنوبي، الى محاولة تفسيرها بأنها «مبادرات عفوية» لجأ اليها المواطنون احتجاجا على ما وصفها مستشار الحريري الوزير السابق محمد شطح بـ«محاولة فرض رئاسة حكومة بقوة السلاح».

ولعل اللافت للانتباه ما عكسته قيادات محيطة بالحريري بان التحركات مستمرة وهي غير مقيدة بفترة زمنية معينة، مشيرة إلى أنها ستشهد تصاعدا في الأيام المقبلة، وذلك إلى حين عودة الأمور إلى نصابها.

وفي المقابل، التزم فرقاء المعارضة الصمت، وبدا ذلك تماشيا مع قرار عدم الوقوع في ما وصفته اوساط قيادية بـ«فخ الاستدراج الى لغة الشارع»، ونبهت من خطورة قطع طريق الجنوب، وهو امر استدعى اتصالات مكثفة بين المراجع الامنية والسياسية لإعادة فتحه، وسجل في هذا الاطار قيام مسؤول أمني ليلا بزيارة الرئيس سعد الحريري، وتم التوافق على ضبط التحركات وعدم السماح بحرفها عن مسارها.

وفيما التزم الرئيس ميقاتي الصمت، مكتفيا بدعوة مناصريه في طرابلس والشمال الى ضبط النفس والتحلي بالحكمة والصبر «وعدم الانجرار وراء انفعالات قد تسيء الى الاستقرار العام»، اكدت اوساط قريبة منه لـ«السفير» ان كل الامور في اوقاتها، وألمحت الى موقف مهم سيعلنه في بيان قبول التكليف مساء اليوم.

ودعا الرئيس نبيه بري عبر «السفير» الى قيام حكومة انقاذ وطني يشارك فيها الجميع من دون استثناء في تحمل مسؤولياتهم الوطنية في مواجهة التحديات المصيرية المحدقة ببلدهم.

جنبلاط: لبنان محكوم بالتسويات

وأعرب رئيس جبهة النضال النائب وليد جنبلاط عن بالغ استيائه «مما حصل من تحركات في الشارع من قبل انصار الرئيس سعد الحريري»، وقال لـ«السفير»: الامر المستغرب هو ان هذه التحركات تناقض ما سبق ونادى به الرئيس الحريري نفسه لناحية الاحتكام للمؤسسات والدستور والقبول بنتائج اللعبة الديموقراطية ورفض لغة الشارع.

اضاف: ان ما جرى يخالف كل ما قاله، ولا اعرف لماذا هذا التناقض، وانا شخصيا اعتقد انه ليس هناك أي معنى لكل هذه التحركات ولا فائدة منها، خاصة ان الشيخ سعد الحريري هو اول من استنكر النزول الى الشارع، واعلن مرارا انه ضد اللجوء الى الشارع، فما الذي حصل؟

وردا على سؤال عما اذا كانت هذه التحركات ستؤثر على الجولة الثانية من الاستشارات او تؤدي الى الغائها، استبعد جنبلاط ذلك، الا انه اكد «ان هناك مسؤولية كبرى على الرئيس سعد الحريري، لناحية وقف ما يجري، وبالتالي التوجه الى انصاره للقبول بنتائج اللعبة الديموقراطية، ولندخل جميعا في محاولة انتاج حكومة انقاذية جديدة تحمي البلد وامنه واستقراره، فلا احد يريد الغاء احد ولا احد يستطيع الغاء احد».

وقال جنبلاط: «الشارع هو سلاح قاتل ونتائجه الكارثية لن تقتصر على طرف دون آخر، ويجب ان يكون معلوما ان الشارع يلغي الجميع».

وتوجه جنبلاط الى الحريري قائلا: اعتقد انه واع لخطورة ما يجري وهو الذي دعا الى الاحتكام الى اللعبة الديموقراطية. ان عليه مسؤولية كبرى، عليه حماية السلم والمؤسسات، واتمنى عليه ان يكون في مستوى المسؤولية كما كان دائما، وان يعمل على اخراج الناس من هذا التشنج، فالرجال الكبار يظهرون كبارا في المراحل الصعبة حينما يقبلون بالتسوية ولبنان محكوم بالتسويات..

واشنطن تراقب... وتهدد

في واشنطن، اعلن المتحدث باسم البيت الابيض بي جيه كراولي ان الولايات المتحدة الاميركية تراقب عن كثب الشكل النهائي الذي ستؤول اليه حكومة لبنان، لكن اعطاء «حزب الله» دورا اكبر من شأنه ان يعقد العلاقات بين البلدين، وايضا المعونات الاميركية للبنان.

وفي نيويورك («السفير»)، رفض فرحان حق المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون التعليق على تطورات الوضع في لبنان والتركيبة السياسية للحكومة المقبلة، مكتفيا بدعوة الأطراف المعنية بتشكيل تلك الحكومة، الى الحوار. وقال إن مبعوث الأمين العام إلى لبنان مايكل ويليامز هو الذي يتولى متابعة الموقف على الأرض في بيروت، والاتصال مع مختلف الأطراف اللبنانية، وإن تصريحاته هي التي تعبر عن موقف الأمم المتحدة.

وحول استعداد الأمم المتحدة للعمل مع حكومة تعبر عن وجهة نظر المعارضة، قال فرحان حق للصحافيين «لنعبر الجسر عندما نصل اليه. لا أريد اصدار أي احكام مسبقة بشأن الحكومة المقبلة في لبنان».


شام نيوز- السفير