احذروا صمتهم

 

  أكثر ما يقلق المراقب، صمت «القاعدة» تجاه بعض الفعاليات الكبرى في بلدان تملك فيها حضوراً قوياً. ففروع التنظيم اعتادت على تسخين المناسبات منذ وقت مبكر..

وفي المناسبات السياسية تلجأ الدول المستضيفة إلى بذل قصارى الجهد لتأمين سلامتها، وأحياناً من دون صدور أية تهديدات مسبقة، فبعض الخوف ناتج عن معلومات مسربة عمداً لمزيد من التوتر، وبعضه الثاني عن بلاغات من دول أخرى تفيد بتحرك خلايا نائمة، وبعضه الأخير تطبيقاً لحكمة «الوقاية خير من ألف علاج».

والحكاية لا تكون «قاعدة» دائماً، فهناك دول تملك عداء، صريحاً أو خفياً، لبلد ما، فتسعى إلى توتير مناسباته الكبرى، وغالباً ما تكون أبعاد العداء اقتصادية. ولنا في صراعات الدول الكبرى، على مدى عقود إلى يومنا هذا، خير مثال. فبعض الدول تلجأ إلى «القاعدة» لتنفيذ أعمالها، بعد اختراق التنظيم، الذي يعتبر من الأفعال السهلة. إذ يستجيب سريعاً إلى كل من يحقق له رغباته في فتح جبهة جديدة لعملياته، تحت أية شعار (القدس، أفغانستان، نصرة الإسلام، طرد المحتل) من دون الأخذ في الاعتبار ماهية الداعم واتجاهه وهدفه، طالما أن التنظيم يحقق رغباته ومكاسبه في الانتشار السريع واختطاف المناسبات إعلامياً وأمنياً.

«القاعدة» اليوم حاضرة في ربع العالم على أقل تقدير؛ تملأ الشرق الأوسط وأطرافه، وجنوب آسيا وبعضاً من شرقها، وأوروبا، ولا تغيب عن أميركا طويلاً. وليس الجميع كادراً في التنظيم، لكن الكثير يتماشى مع أفكاره، ويستعد للضرب عندما تحين الفرص، فالصمت لا يطمئن دائماً، خاصة مع تنظيم كهذا.

وهو في حالة «القاعدة» ربما لأسباب، فالتنظيم يؤمن جداً أن تهديداً واحداً يطلقه كفيل بتوتير أية فعالية، عندها يجدر الأخذ في الاعتبار التزام الجناح الإعلامي بالصمت، رغم إصداره عشرات التسجيلات المرئية والسمعية، وأكثر منها مكتوبة.

لذا، لا يملك المراقب إلا طرح تفسيرين، أولهما تكتيك يستدرج من خلاله الضيوف، وثانيهما عدم ملاءمة كلّ المناسبات لأهداف «القاعدة». فبالصمت يمكن للشمل أن يجتمع، ومن ثم تأتي الضربة، وذلك التفسير هو الأقرب، أما الثاني، فهو الأبعد، فتنظيمٌ يبحث عن كل ما ينغص حياة دولة ما، ويفسد مشروعاتها، ويقوض اقتصاداتها، لن يوفر مناسبة واحدة لتحقيق ذلك. أما التفسير الثالث، الصعب طرحه، فهو وجود قرار داخل التنظيم بصرف النظر عن مناسبة ما، وجعلها تمضي بسلام، وهذا تفسير سياسي خطير.

 

فارس بن حزام

الرياض