اختلاس 31 مليون ليرة من صندوق نقابة الأطباء

يطلب الدكتور وائل الحلقي، نقيب الأطباء، من مدير مكتبه أن يحضر لي العدد 178 من المجلة الطبية العربية التي تصدر عن النقابة، ربما هي العادة، حيث يتم تزويد الصحفيين بنسخ عن إصدارات تصدر عن جهة يزورونها، هكذا ظننت بداية.
ألقيت نظرة على العدد وتركته جانباً، وفي الوقت نفسه كان د. الحلقي منشغلاً مع طاقمه بمتابعة اللمسات الأخيرة للعدد القادم...
هو مفتاحها
لكن العدد 178 للعام 2010، كان الأبرز بالنسبة للنقابة، وخاصة لمجلسها الجديد الذي تسلم مهامه في 8 شباط من العام الماضي، وليس هذا فقط، بل هو العدد الذي سيبقى محفوراً في ذاكرة كافة عاملي النقابة.
فقد كان المفتاح الذي فتح باب أسرار اختفاء عشرات الملايين من صندوق النقابة.. «البعث ميديا» تنفرد، هنا، بنشر تفاصيل تلك الأسرار...
احتراماً للقارىء
ونشرت الصحيفة منذ أيام في صفحتها المحلية خبراً حول فقدان 8 ملايين ليرة سورية من صندوق نقابة أطباء ريف دمشق، وأشارت في خاتمته إلى فقدان مبلغ 31 مليون ليرة سورية من النقابة المركزية قبل مدّة.
وما أوردناه في الخبر، ليس خافياً على الجهات الوصائية والمعنية، ولكنه ليس كذلك بالنسبة للقارىء.
واحتراماً لهذا القارىء، ووضعه في صورة التفاصيل، وإزالة أي لبس قد يتولد عنده، ليس بسبب متن الخبر، وإنما بسبب ما قد يذهب إليه تصوّره من رسم خلفيات له قد لاتكون في محلها، فقد آثر الدكتور وائل الحلقي نقيب الأطباء، أن يبادر ويخص الصحيفة وقراءها بالتفاصيل كاملة.
مصروفات لعدد وهمي
عندما تسلم مجلس نقابة الأطباء الجديد مهامه في 8 /شباط / 2010، بدأ بعد فترة بالإعداد لإصدار عدد جديد من المجلة الطبية العربية (العدد 178) فطلب عروض أسعار لطباعة المجلة، وأثناء تدقيق الورق، وجد نقيب الأطباء، أن هناك مبلغاً وقدره 860 ألف ليرة سورية، قد صرف بتاريخ 14/2/2010 لعدد من المجلة.
ويوضح د. الحلقي، بأن العدد الذي صرف له المبلغ المذكور هو العدد نفسه الذي كان المجلس يحضر له، أي أن المبلغ قد صرف قبل ولادة العدد.
وتم الاتصال بالنقيب السابق، للاستفسار منه إن كان قد وقّع على أي أوامر صرف أو شيكات قبل تسليمه مهامه التي انتهت في 8 /شباط/2010، فأوضح النقيب السابق، بأنه لم يوقع أي أمر صرف أو أي شيك بعد 6/شباط /2010.
وكان يحمل الشيك توقيع النقيب والخازن السابقين، ثم طلب د. الحلقي من كادره التدقيق في البيانات المالية للعدد السابق (177)، فوجد أن هناك شيكاً آخر قد تم صرفه وبالمبلغ نفسه( 860) ألف ليرة سورية بتاريخ 3 /شباط/ 2010 ، مما يعني أن مليوناً وسبعمئة وعشرين ألف ليرة، قد صرفت على عدد لم يصدر بعد ، مع العلم أن المجلة ربعية (تصدر كل ثلاثة أشهر).
الشيكات مزورة
وبالتدقيق في صورة الشيكات التي صرفت، تبين أنها تحمل أرقاماً سباعية، على الرغم من أن شيكات النقابة تحمل أرقاماً سداسية، وتحمل كذلك تواقيع مزورة للنقيب والخازن السابقين، وبواسطة آلة سكنر، وتم الاحتفاظ بالمعلومات والوثائق التي أكدت واقعة التزوير، فطلب نقيب الأطباء من فروع البنوك التي تتعامل معها النقابة البيانات المالية التي تكشف عمّا تم من استجرار مبالغ لصالح النقابة خلال الأعوام من 2007 -2010.
أخفى كتاب الإيقاف
وبمتابعة ردود المصارف والبنوك، تبين وجود مبالغ صرفت من حساب أحد المصارف على الرغم من أن الحساب متوقف لديه فكيف تم سحب المبالغ إذا كانت النقابة قد طلبت سابقاً وقف حسابها فيه؟
يوضح د. الحلقي ، أن الموظف الموقوف حالياً (ف.ط) بالعديد من التهم ومنها تهمة الاختلاس، قد اتلف كتاب الإيقاف ولم يقم بإيصاله إلى المصرف وبقي الحساب مفتوحاً ، ولهذا قام بسحب أكثر من 31 مليون ليرة سورية وهكذا توضحت الأدلة ، وتبين أن أموال النقابة قد تم اختلاسها.
تم إبلاغها
بعد أن اكتملت حلقة الأدلة، قام النقيب بإعلام الجهات الوصائية، ووضعها في صورة التفاصيل كاملة، مبدياً حرصه أولاً على محاولة إعادة المبالغ إلى صندوق النقابة.
فواجه المتهم بكافة ما لديه من وثائق وأدلة، والذي أقرّ باختلاسه المبلغ المذكور واعداً بإعادة المبلغ، ولكنه لم يسدد سوى 3 ملايين ليرة سورية.
طبعاً تلك الخطوات كانت بالتنسيق مع الجهات الوصائية والجهة التي تولت التحقيق لاحقاً، حيث قامت بإلقاء القبض على المدعو (ف.ط)، واعترف أمامها بالواقعة.
ما بحوزته
الجهة التي تولت التحقيق، تمكنت من إعادة مبلغ 5 ملايين ليرة سورية، إضافة إلى إلقائها الحجز على ثلاث سيارات حديثة وفخمة (لاكزس - لاندكروزر - برادو» كانت موجودة في مستودع اشتراه الموقوف في مدينة جوبر، وتم إلقاء الحجز كذلك على المستودع، وعلى فيلا حديثة في إحدى بلدات ريف دمشق، وسيتم عرض هذه الممتلكات للبيع في مزاد علني، وسيدفع الموقوف تكاليف المزاد، على أن يتم إيداع مبالغ البيع في صندوق النقابة، وكل ذلك سيسير وفق التسوية القانونية كما أوضح د. الحلقي.
تقنيات حديثة للتزوير
واستخدم الموقوف في توقيع الشيكات آلة سكنر متطورة، إلى جانب شرائه لآلتين لتصنيع الأختام وصل سعرهما إلى نحو 450 ألف ليرة سورية، وقد اشتراها على اسم النقابة، إذاً هي أدوات متكاملة للتزوير تعتمد على تقنيات وتجهيزات رقمية متطورة، سهّلت له كل ما قام به، ووصل به الأمر حد تزوير الكشوف البنكية، إذ كان يبدل ويغير في الكشوف التي ترد من البنوك بأخرى يقوم بإعدادها وتزويرها ويعرضها على مجلس النقابة لتبدو متطابقة مع حساباته التي يعرضها على المجلس.