اختلال العالم


هل نحن إعلا ميّون أم إعلا نيّون 2 

 

ساهرة صالح.شام نيوز

 

لم يكن الإعلام يوماً مصدر ثقة عند العامة و الخاصّة من الناس ,رغم محاولاته الجادّة و الحثيثة لكسب هذه الثقة,وهنا طبعاً أتكلم عن الإعلام بمعناه,لا عن المؤسسات (المُدّعية) الربحيّة التي نتابعها بالعين والأذن أحيانا ..

 


فالإعلام لطالما شُكك به وبنواياه وانتماءاته السياسية ,و إذا اجتمع البعض على الثقة بمصدر إعلامي ما اختلف عليه البعض الأخر, لتتجاوز هذه الأزمة بحدودها الدول و القارات..
مثلا ما يقوله الإعلام الغربي مُشكك به عندنا لإيماننا بأنه يغيب الحقائق , و يغير الكثير من الأدلة الدامغة على أن أصوله الاستعمارية مازالت تسيطر على فكره و تشتعل كالنفط الخام في عروقه ..
و ما يقوله الإعلام عندنا مشكك به عند الغرب لاعتقاد هذا الأخير بأننا دول دكتاتورية الإعلام فيها ناطق بإسم حكوماتها فقط ..
هكذا وبما أننا نخوض حرب إعلامية باردة,ماذا ترانا قدمنا في هذه الحرب , و ماذا تراهم قدموا....؟
 

الحقيقة أنّنا أثبتنا براعةً منقطعة النظير في استنباط النظريات و إقامة الندوات وتشكيل اللجان لتحليل الوضع الإعلامي العالمي الراهن .ليأتينا الجواب ((إي حاجة تحلل وحياتك , تسلملي تحليلاتك )) بما أن الغرب (المتوحش) كما يطلقون على أنفسهم بأفلام الكاوبوي قد سبقنا بخطوة واحدة ليس إلا , تدعى ( التنفيذ ) و استخدم مؤسساتنا الإعلاميّة للإعلان عن فكره المتحضّر و المحبّ لباقي شعوب الأرض وعن طبيعة الحياة في مجتمعه المنفتح التي أصبحت بدورها حلم للكثيرين ..

 


فعلى سبيل المثال لا الحصر ,قناة ال mbc هي القناة الأكثر متابعة في الوطن العربي و هي في نفس الوقت الأكثر ضخا للبرامج الأمريكية , من ( oprah show) إلى (american idol ) مرورا ب ( So u think you can dance ) مستأنسين ب (the doctors ) مودعين ( American gots talents) مندهشين ب (moment of truth ) ...إلخ

 

                   

 


و بما أننّي لا أريد أن أُتّهم بالتشاؤم ولا بالتفاؤل أيضاً, قررت أن أصبح متشائلة و أن أتشاءل عن سبب تحوّل أكبر مؤسساتنا (الإعلاميّة) إلى مجرد معلن للغرب الذي التف من وراء الجبل بعد أن تنّبه إلى أزمة الثقة المتبادلة بين إعلامنا و إعلامه,ليمطرنا بوابلٍ من البرامج الترفيهية والاجتماعية و الطبية التي تخاطب فكره و معتقداته ومجتمعه حصرا,عن طريق أهمّ قنواتنا الفضائية وعلى رأسها ال mbc  ...

و إن ردّنا كان و بكلّ بساطة ,كذلك الرجل الذي أراد أن يقتل رجلاً أخر فوضع له مسدسا في الطعام و جلس مبتسما ينظر إليه منتظرا موته ..
تساؤلات كثيرة تهاجم العقل في هذا القرن الواحد و العشرين , فكما قال أمين معلوف في كتابه الأخير ( اختلال العالم ) ((دخلنا القرن الجديد بلا بوصلة ..لقد أخذت تحصل منذ الأشهر الأولى أحداث مقلقة تحمل على الظن بأن العالم يعاني اختلالاً كبيراً , و في عدة ميادين معاً, اختلالاً فكرياً, اختلالاً مالياً, اختلالاً مناخياً ,اختلالاً جيوسياسياً, اختلالا أخلاقيا))

ليصبح إختلال الإعلام تحصيل حاصل....

((ذلك أن المطلوب ليس فقط إقامة نمط جديد من الأداء الاقتصادي و المالي,ونظام جديد للعلاقات الدوليّة,ولا تصحيح بضعة اختلالات ظاهرة للعيان,وإنما أيضاً أن نتصور في الحال و أن نغرس في الأذهان رؤية مغايرة تماماً للسياسة,والاقتصاد , و العمل , والاستهلاك ,و العلم, و التكنولوجيا ,و التقدم ,و الهوية ,والثقافة ,و الدين ,و التاريخ, رؤية راشدة  أخيراً لما نحن ولما هم الآخرون , و للكوكب الذي نحن شركاء فيه,وبكلمة, ينبغي لنا أن (نخترع) مفهوماً جديداً للعالم لا يكون مجرد ترجمةً عصريةً لأفكارنا المسبقة القديمة, و يسمح لنا بإبعاد خطر التقهقر الذي يظهر في الأفق ....))

 

- ألسنا نملك من المال و الكفاءات ما يؤهلنا كمؤسسات إعلاميّة و كعاملين في مجال الإعلام أن نحقق هذه الرؤية المغايرة التي تكلم عنها أمين معلوف وأن نقدم من البرامج ما قد يقف إلى جانب الناس بدلاً من الوقوف على أكتافهم ؟

 


- ألسنا كعاملين في مجال الإعلام نملك عيوناً لنرى بها أنّ جمهور المستمعين والمشاهدين و القرّاء قد ملّ إذاعاتنا و قنواتنا و جرائدنا التي شابه فيها الكلّ البعض ؟
ربما لست الوحيدة المتشائلة , فنحن نتشاءم عند رؤية بعض ( الإعلاميّن )و بعض المؤسسات ( الإعلاميّة) ,و نتفاءل عندما نرى البعض الأخر, مع أن خيبة الأمل ليست أمرا نادرا في هذه الأيام..

لا بدّ أنّ الإعلام كما قيل هو مرشد و دليل للشعوب ,سواء كان سياسياً أم اقتصادياً أم اجتماعياً, ولكن ربما وجب الحذر أيضاً إذ قال الشاعر :

 

                                           ومن يجعل الغرابَ لهُ دليلاً                             يمرُّ بهِ على جيفِ الكلابِ