اريحا أم المدنية

 

عشرة ألاف عام، هي تاريخ ميلاد المدينة الاقدم في سجل ميلاد الحضارة الانسانية. أريحا الكنعانية الفلسطينية - العربية، دونت بلبنات طوبها ومغرها مداميك ولادة البشرية في أطوارها الاولى. أريحا روت وتروي قصة الانسان من مهد الحضارة إلى لحظة اسدال الستارة عليها في زمن غير معلوم. أريحا أم المدنية، المتجذرة في التاريخ، وصانعتة فلسطينية الهوى والهوية والانتماء.

تاريخ وميراث وتراث أريحا يؤكد الرواية الكنعانية الفلسطينية العربية لكل الارض الفلسطينية من البحر إلى النهر، وينفي ما عداها وخاصة الرواية الصهيونية المزورة.
 

عبقرية مدينة أريحا لا تتمثل في تاريخها وانتمائها الفلسطيني فقط، بل في أسمائها وموقعها وميزاتها وسماتها. فلها أكثر من اسم، وكل اسم له سحره الخاص ودلالته. كان يطلق عليها مدينة يريحو، وهي كلمة كنعانية، وتعني القمر. لذا تسمى بمدينة القمر. كما كان يطلق عليها اسم مدينة النخيل، لانتشار زراعة شجرة البلح ( النخيل ) بها تاريخيا. وأيضا لها اسم مدينة السفيدان، وهو نوع من أنواع الورود، الذي يتميز عن الورود الاخرى. ولكن الاسم الاشهر والاكثر انتشارا، هو، مدينة القمر. لما للقمر من سحر في فضاء المدينة المفتوح على مدياته القصوى حيثما ولى الانسان وجهه.

 


أريحا الكنعانية الفلسطينية، المدينة المبغوضة والمكروهة عند اليهود تاريخيا، تمتاز بأنها المدينة الاكثر إنخفاضا عن سطح البحر في العالم. والذي يعطيها ( الانخفاض ) زيادة في نسبة الاوكسجين عن أي مكان في الارض ب 7%. وهذا يعطي المنتجات الزراعية فيها خاصية الرائحة النفاذة والطعم المميز.

 


عبقرية أريحا تأتي من عبقرية الجغرافيا ( المكان ) الفلسطينية. فإنخفاضها المتميز، الذي يمنحها الدفء في الشتاء، ويزيدها سحراً، يأتي أيضا من الفرق بينها وبين مدينة القدس، التي لا تبعد عنها سوى عشرين دقيقة او يزيد قليلا، من حيث الارتفاع، الذي يصل إلى حوالي ( 1200 ) متر.

 


وتمتاز أريحا ليس بكونها تتوسط فلسطين التاريخية، إنما كونها تتوسط المنطقة العربية. فعلى بعد ثلاثة كيلو مترات منها يمكن للمرء ان ينطلق إلى المشرق العربي في العراق والخليج عموما ومنها إلى سوريا ثم تركيا وأوروبا. وهو، ما يميز أريحا بأنها اقصر مسافة للسفر في الاتجاهات المختلفة.
وهناك خاصية أخرى لمدينة القمر، بأنها الاخصب في المنتوجات الزراعية. ومن يعود لاغوارها يلحظ بأم العين خصبها، وتنوع زراعتها.

 


وفي مدينة النخيل ( 113 ) موقع أثري، اهمها : جبل قرنطل ( الجربة )، الذي تقابل فيه السيد المسيح عليه السلام مع الشيطان، وأبلغه « أنه ليس بالخبز وحده يحيى الانسان «. وفيها شجرة الجميز، المعروفة بأنها الشجرة التي تطرح سبع مرات في العام، وهي الشجرة الاخصب، والتي تحتها قام السيد المسيح عليه السلام، عمل إعجوبته الاولى في إعادة نظر الاعمى.

 


وفيها قصر هشام، وأكبر قطعة موازييك إسلامية ومساحتها ( 850 ) متراً مربعاً، وفيها المغطس على نهر الاردن، وفيها البحر الميت، الاعلى كثافة في ملوحته، والذي لا يغرق فيه إنسان. وفيها كنيستان مهمتن، هما : سانت جورج، وقيمتها تأتي من كونها مقامة في جبل وادي القلط، وفيها راهبان محنطان منذ ألفي عام. وفيها مبان في منتهى الجمال داخل المغر والجبل الشاهق. والكنيسة الثانية، تدعى كنيسة دير حجلة، وسميت نسبة إلى السيدة العذراء مريم، لانها كانت تسير مثل الحجل ( قفزاً ). وعلى طريق أريحا - القدس موقع النبي موسى، الذي بناه الظاهر بيبرس، والذي يشهد إحتفالات سنوية تعرف باسم « احتفالات النبي موسى «.

 


هذا التنوع في التراث والارث الحضاري يملي على اليونيسكو وكل المنظمات الدولية ذات الاختصاص حماية الموروث التراثي العالمي، إعطاء أولوية لضم المدينة للمواقع الحضارية، المطلوب حمايتها وحفظ آثارها من العبث والاستهتار الاسرائيلي.

 


وتمتاز أريحا باتساع مساحتها، وهي قادرة على استيعاب الديمغرافيا الفلسطينية المتزايدة. وهي لكل ذلك يزورها تقريبا مليون سائح في العام. ويمر منها ذهابا وإيابا حوالي مليون وربع المليون مسافر سنويا. وهذه خاصية إضافية تفتح الافق أمام الاستثمار السياحي لرأس المال الوطني والعربي والاجنبي، لاسيما وأنها مدينة رغم قدمها، فإنها أرض خصبة للاستثمار، لانها مازالت بكراً في هذا المجال. وهذه دعوة مباشرة لكل أصحاب رؤوس الاموال للتوجه لاستثمار أموالهم في المجال الفندقي والخدماتي والزراعي والصناعي والعمراني والفني - الثقافي.

 


لكل ما تقدم تؤكد مدينة القمر أن الشعب الفلسطيني الاعرق والاقدم، والاكثر تجذرا في التاريخ أولى بالرعاية والحماية من الاقطاب الدولية والامم المتحدة، ومنحه حق تقرير المصير وبناء دولته الوطنية المستقلة وذات السيادة على حدود الرابع من حزيران عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.

 

الحياة الجديدة "الفلسطينية" - عادل عبد الرحمن