استاذة جامعية اميركية تعرض في"فورين بوليسي" اسوأ السيناريوهات وافضلها بالنسبة الى اليمن

 

تعرض استاذة العلوم السياسية في جامعة ريتشموند والجامعة الاميركية في القاهرة شيلا كاربيكو في مقال نشرته مجلة "فورين بوليسي" الاميركية على موقعها في الانترنت اسوأ السيناريوهات المتوقعة بالنسبة الى اليمن وافضلها جراء ما يشهده هذا البلد العربي من احتجاجات مطالبة بتغيير نظام الحكم الحالي هناك.

وكتبت الاستاذة كاربيكو: "بينما لا تزال اشياء كثيرة غير معروفة عن مآل الازمة السياسية الحالية في اليمن، ثمة شيء واضح: ان التطورات تتحرك بسرعة كبيرة وبصورة معقدة لا يمكن معها لأحد التنبؤ بالمنعطف التالي، ناهيك عن النتيجة النهائية. غير ان من الممكن، بناءً على الاحداث الاخيرة، النظر في اسوأ سيناريوهات متسمة بالعنف او الفوضى، وافضل سيناريوهات قائمة على اساس عقد اجتماعي جديد يؤشر الى مستقبل اكثر ديموقراطية.

وهذه هي خلفية اخبار هذا الاسبوع بايجاز: على الاقل منذ ان استعاد الرئيس علي عبد الله صالح الوحدة خلال حرب اهلية قصيرة في 1994، ترنح اليمن تحت وطأة اعباء كريهة من الفقر وانعدام المساواة والفساد والمحسوبية وتقييد الحريات السياسية وتآكل الاستثمار الاقتصادي وخراب الوضع البيئي. وقد عمد الرئيس الموجود في السلطة منذ اوائل العام 1979 في اليمن الشمالي والمصمم في ما يبدو مصمماً على البقاء في الحكم مدى الحياة، والذي يعد ابنه المفضل احمد علي صالح ليكون خليفته، ويحتفظ باحتكار للمقاعد لحزبه الحاكم، المؤتمر الشعبي العام في برلمان يزداد عقماً، الى تعطيل عملية انتخابية تنافسية متعددة الاحزاب وناجحة.

واما الجنوبيون الذين يعيشون في ما كان يعرف باسم جمهورية اليمن الديموقراطية الشعبية قبل 1990، فانهم يقومون بعد فشل محاولتهم الانفصالية في 1994 بالاحتجاج منذ سنوات على الحرمان المادي والقمع العسكري. وكان السخط يغلي تحت السطح في الشمال السابق حيث يحكم علي عبد الله صالح منذ 1978 ايضاً. وكافح نظام الحكم ضد التمرد الحوثي المحلي في محافظة صعدة، وهو تمرد موحى به من ايران. واعتبر كل من الحراك الجنوبي والتمرد الليبي مظالمه منفصلة عن مظالم بقية البلاد، وقد صورهم نظام الحكم بنجاح كمعزولين ومرتدين نحو جمهورية اليمن الديموقراطية الشعبية والإمامة الزيدية، على الترتيب، قائلاً انهم يهددون وحدة الجمهورية. ولكن المواطنين في كل انحاء البلاد كانوا ساخطين، ومحبطين وبائسين.

والهمت الثورتان اللتان اطاحتا بالدكتاتورين التونسي والمصري في اوائل 2011 اليمنيين. وقد تدفق الى الميادين العامة اناس معظمهم من الشبان متجاوزين ائتلاف المعارضة الرسمي المسمى احزاب اللقاء المشترك. وبالرغم من انهم لم يتمكنوا، بعكس ما كان ممكناً في تونس ومصر والبحرين، من التجمع باعداد كبيرة يمكن تصويرها في منطقة مركزية واحدة في العاصمة، فقد شكلوا انفسهم في نحو ست من المدن الكبرى وعدد من البلدات الصغيرة كحركة وطنية مؤيدة للديموقراطية. وهتفوا بالشعار التونسي "ارحل" و"الشعب يريد اسقاط النظام" مطالبين برحيل الرئيس ونظام حكمه باكمله. وفي تهكم على الهجمات العنيفة التي شنها متظاهرون موالون للنظام هتفوا قائلين "النظام يريد اسقاط الشعب".

وعلى الرغم من الوعود الخاوية للرئيس صالح بانتقال السلطة عن طريق الانتخابات في العام 2013، فان المظاهرات لم تتوقف بل انها انتشرت وتوسعت. وقد استقال عدد من اعضاء البرلمان وحزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم والحكومة تضامنا مع "الشباب". كما ان عددا من كبار شيوخ قبيلة الرئيس نفسه، قبيلة حاشد، اعلنوا عن تعاطفهم مع الثوار.

ويوم الجمعة الثامن عشر من الشهر الحالي اصدر احدهم الاوامر في نوبة غضب او ذعر الى القناصين لاطلاق النار على المتظاهرين قرب جامعة صنعاء. وفي اليوم التالي كان هناك خمسون على الاقل قتلى، واخرون مصابون اصابات بالغة. ولم يلبث 150 ألفا ان بدأوا مسيرة وفي نفوسهم مشاعر من الغضب والاسى، في اكبر يوم غضب شهدته في صنعاء حتى الان.

واعلن كبار الدبلوماسيين والوزراء واعضاء الحزب الحاكم والخدمة المدنية استقالاتهم بصورة جماعية. واكثر عمليات الانشقاق تأثيرا كانت بين افراد الجيش، الذي ظل لفترة طويلة القاعدة الرئيسة التي يعتمد عليها صالح. واشدها قسوة بالنسبة الى الرئيس صالح اعلان اللواء علي محسن (الاحمر)، زميل النظام والقائد الذي قام بحملة العام 1994 وسحق من دون رحمة حركات التحرر في اليمن الجنوبي وفي الحرب ضد الحوثيين، انضمامه الى المتظاهرين. وفي اعلانه القيام بثورة عسكرية جزئيا، امر وحدات دباباته بحماية المتظاهرين حتى في الوقت الذين اعدت فيه قوات الحرس الجمهوري بقيادة احمد صالح نفسها واتخذت مواقع لها حول مجمع الرئاسة الضخم. وما يخشاه الاصلاحيون هو ان يتخفى الذئب في ملابس الحمل.

فما هي السناريوات المحتملة للايام، او الاسابيع، او الاشهر المقبلة؟ يتردد منها القليل، ومعظمها كارثي. ويستطيع المتمردون الاشتباك مع الحرس الجمهوري المجهز باسلحة اميركية ويقودها احمد علي صالح والقوات الاخرى التي يراسها اعضاء من عائلة صالح. كما ان انتصار علي محسن يرقى الى مرتبة الانقلاب العسكري على أيدي دكتاتور جديد لا يقل شعبية عن الرئيس صالح او ابنه. اما وقوع معركة مطولة فقد تؤدي الى تدمير البلاد او انهيار الدولة. اذ يمكن لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية السابقة ان تعلن سيادتها مرة خرى. كما ان بامكان التطلعات الاقليمية او القبلية الاخرى للحصول على حكم ذاتي ان تبرز على السطح. وقد تتكرر اوضاع الصومال، او الحال في ليبيا، اذ يمكن للثوار الاستيلاء على بعض الاراضي فيما يعمد النظام القديم الى افراز غضبه على السكان في تلك المناطق. ويستحيل التكهن بنتائج قتال النهائية، فيما عدا وقوع المزيد من سفك الدماء.

ويمكن لاي من هذه النتائج ان تحول احلام اليمنيين بالحرية الى كوابيس من الطغيان و/أو الفوضى. وسيصاب اصلاحيون اخرون في العالم العربي الذين يسعون وراء التحرير بخيبة أمل. كما ان اعمال القتال او الفوضى في اليمن يمكن ان تهدد بالتالي الاستقرار في المملكة العربية السعودية المجاورة، وان تشجع الجهاديين المتطرفين في شبه الجزيرة، وبالتالي تعرض للخطر مصالح الولايات المتحدة.

غير انه ليس هناك ما يدعو لان تنقلب الامور الى الاسوأ في اليمن وجيرانها واميركا. فما هي البدائل؟ يبدو ان افضل سياريو هو ان يسير صالح على هدي بن علي ومبارك وليس القذافي. فاذا هو استقال على الفور، فانه يمكن نقل السلطة الى حكومة انتقالية مدنية تكنوقراطية. ويمكن تنظيم انتخابات نيابية ورئاسية جديدة خلال أشهر. ويمكن لعملية الانتقال ان تكون ايسر بطريقة او باخرى من تجربة مصر، لان هناك احزابا محلية منظمة ومشروعة في اليمن. ويمكن اعادة الحياة الى العملية الانتخابية المتعددة الاحزاب حيث انها عُطلت ولم تستأصل.

وقد يكون من المرغوب فيه تعديل الدستور، اذ ان صالح نفسه عرض اخيرا ان يفعل ذلك عن طريق تنازلات ضئيلة، مثل ان يتولى النظام البرلماني التحكم في ادارة البلاد بدلا من النظام الرئاسي. وخلافا لما هو عليه الوضع في مصر، فان اليمن لا يحتاج الى تغيير الدستور قبل عقد الانتخابات. فبدلا من تعديلات جزئية، يستطيع اليمنيون اعادة الدستور في صيغة معاصرة للحوار الوطني للقوى السياسية الذي عقد مؤتمرات جماعية وورشات دراسية في انحاء البلاد في العام 1993 وفي اوائل العام 1994، عرض بعدها مقترحات دستورية وتعاقدا اجتماعيا، اطلق على اهم بنوده ميثاق الالتزام والاتفاق. ويمكن اعادة الحياة الى هذا المجهود الذي فشل في القضاء على الحرب الاهلية العام 1994 بحيث يضم المحتجين المنتشرين في الطرقات في اطار محادثات يمنية اصيلة حول الاصلاحات الضرورية والمساعدة في رؤية الطريق الوطني نحو حكم مدني ديمقراطي وشفاف ومسؤول.

وهذا شأن طويل الامد، لكنه ممكن. انه افضل سيناريو بالنسبة الى اليمنيين الغاضبين الذين يضعون حياتهم على المحك وان كانت تعتمل الامال في نفوسهم، وبالنسبة الى الحركة المتهالكة والمؤيدة للديمقراطية، وبالتالي بالنسبة الى اميركا. لقد انفقت الولايات المتحدة في استراتيجيتها لمكافحة الارهاب خلال السنتين الماضيتين مئات الملايين من الدولارات لدعم دكتاتورية عسكرية فاسدة تراجعت عن الاصلاحات وكممت الصحافة وكتمت التطلعات الشعبية، ولجأت الى اعتقالات غير مشروعة بل واعدامات.

ان دعم حالة راهنة غير قابلة للحياة اقتصاديا وسياسيا وبيئيا واثنيا لا يجعل الاميركيين أكثر امنا او يُكسبهم القلوب والافئدة في شبه الجزيرة العربية. ولكنها تضع الولايات المتحدة في الموقع الخطأ من التاريخ، بل ويمكن ان يكون ذلك سببا في ارتياح اسوأ اعدائنا. وعلى ادارة اوباما والحكومات الغربية الاخرى ان تعل توقفا فوريا للمعونة العسكرية الى حكومة صالح، وان تبذل كل الضغوط الدبلوماسية الممكنة لاقناع الرئيس صالح ان الوقت قد حان لكي يتخلى عن السلطة.