استقالة خنفر بين الفشل في سورية و اقتحام السفارة

 

 غالب قنديل .وكالة الشرق الجديد


أحيطت استقالة مدير عام قناة الجزيرة وضاح خنفر بكمية كبيرة من التكهنات والتعليقات وقد لفت الكثير من المحللين والمراقبين الذين تعاملوا مع الموضوع إلى أمرين:

 
الأول هو ما كشفته وثائق ويكيليكس عن ارتباط خنفر بالاستخبارات الأميركية وبالتالي اعتبار ذلك مبررا لإبعاده عن إدارة قناة الجزيرة
الثاني هو الانطباع بأن سياسة القناة إزاء الأحداث التي شهدتها البلاد العربية لم تكن موفقة في جوانب منها خصوصا فيما يتعلق بالوضع في سورية .
التزامن بين إزاحة خنفر عبر استقالته واستقالة المسؤول عن الجزيرة مباشر في مصر يرجح وجود صلة بين الاستقالتين تتعلق بخط الجزيرة وأسلوبها في العمل والأصح بالتقدير السياسي للدولة القطرية الذي ألمح إليه خنفر في كتاب استقالته عندما أورد عبارة : "ومصلحة المؤسسات كمصالح الدول تحتاج إلى تداول وتعاقب، فتحا لرؤى جديدة، واستجلابا لأفكار مبدعة " ،  في دلالة على كون مغادرته مؤشرا إلى توجه قد لا يظهر مباشرة ولكنه قيد الإعداد والتحضير فاقتضى الأمر كبش فداء كما قال بعض المعلقين.

أولا: إن ما يمكن الجزم به بصورة حاسمة هو أن علاقة خنفر بالمخابرات الأميركية تجسد في نظر الدولة القطرية وقادتها عنصر قوة لصالحه ، فالإمارة بأسرها موضوعة في تصرف الخطط والسياسات الأميركية بجميع مرافقها ومواردها ومؤسساتها ، وعلى رأس القائمة قناة الجزيرة وبالتالي فليس ارتباط خنفر بالمخابرات الأميركية عاملا ينتقص من أهليته لإدارة القناة في نظر صاحبها أمير قطر ومعاونيه.
لكن يمثل انكشاف ارتباط خنفر بالمخابرات الأميركية عاملا يضعف صورة الجزيرة التي تريد أن ترسمها لنفسها لدى المشاهدين ، من خلال إدعاء الموضوعية والحياد والاستقلال عن الارتباطات الخارجية، ولكن وقائع كثيرة حملها سلوك الجزيرة تشير إلى العكس تماما ،سواء بالنسبة لاحتلال العراق والأحداث التي أعقبته ،أم في محطة الاعتذار لإسرائيل وكذلك فإن سلوك الجزيرة في التعامل مع أحداث ما سمته بالربيع العربي يشير إلى كونها أداة سياسية بيد أمير قطر ومن خلف تلك اليد مخططو السياسات الأميركية في المنطقة ، و بالتالي تبقى واقعة ويكيليكس عنصرا ثانويا قد يتصل بالتوقيت لا أكثر فما انكشف و احترق خصوصا في الموضوع السوري هو صورة الجزيرة و مصداقيتها و ليس فحسب شخص مديرها العام.

 

ثانيا: تشير الأحداث الجارية على الأرض السورية إلى تراجع ملحوظ في إيقاع التحركات والاحتجاجات التي حولتها القوى المنظمة للمعارضات في الداخل و الخارج ،إلى ميدان للعمل المسلح وللهجمات الإرهابية ،والى مادة للتدخلات الأجنبية .
عاجلا أم آجلا ستظهر نتائج سياسية كثيرة ، بعد فشل الرهان على إسقاط النظام السياسي المقاوم في سورية و بفعل صمود الدولة الوطنية السورية في وجه المخطط الجهنمي الذي موله أمير قطر وشاركت فيه الجزيرة بصورة غير مسبوقة بقيادة خنفر ، الذي توغل بعيدا مخالفة الأصول المهنية، عبر تحول القناة إلى مؤسسة متخصصة في تصنيع الأكاذيب والشائعات وفي التحريض ضد الرئيس بشار الأسد والدولة السورية وجيشها وقواها الأمنية ، و مع تحزب الجزيرة الفاضح  و بثها خطبا تحرض على الفتنة منذ بداية الأحداث ، وبعيدا عن أي توازن أو مسؤولية مهنية لدرجة أن قنوات أخرى متورطة في الحملة على سورية تباهي بأنها أقل حماسا و انحيازا من الجزيرة ، كالعربية و البي بي سي و فرانس 24 ، لدرجة ان كاتبا سعوديا اعتبر استقالة خنفر مناسبة للكلام عن مهنية العربية و هو يرتكب تجاوزا خطيرا في ذلك لكن زاوية المقارنة النسبية التي اعتمدها ليست بعيدة عن الواقع ، ذلك كله يطرح أسئلة عن مستقبل الموقف السياسي لأمير قطر عندما سيأتي زمن فتح الحسابات ومراجعة الدفاتر في دمشق.

ثالثا  يذكر كثير من المطلعين أن أمير قطر نفسه عندما حاول أن يبلغ إلى القيادة السورية موقفا ينكر فيه مشاركته في التآمر على الرئيس الأسد وعلى سورية ،جوبه موفده بجواب سوري مفاده : إننا نعرف موقفكم من سلوك الجزيرة التي تخترع المظاهرات والأخبار وتقوم بالتحريض لإثارة الفوضى في البلد بعيدا عن أي توازن وتضمن الجواب السوري آنذاك وقائع عن الأشرطة المزورة التي بثتها الجزيرة وعن فبركة شهود العيان و التدريبات التي أجرتها القناة قبل شهر آذار لمن سمتهم فيما بعد بالناشطين و ظهروا على شاشتها ،وعن الشائعات والأكاذيب وحملات التحريض وعن رفض إدارة التحرير في الدوحة بث العديد من رسائل مكتبها في دمشق، بالإضافة إلى معلومات موثقة عن ما وزعته الجزيرة داخل سورية من مناظير و أجهزة هاتف الثريا و من ثم من أجهزة اتصال بالأنترنت بواسطة الأقمار الصناعية تحضيرا للحملة السياسية و الإعلامية التي تورطت بها و راهن عليها حمد و رئيس وزرائه و بشروا زوارهم بقرب سقوط النظام،عندها تقول المعلومات إن المسؤول القطري أجاب في تلك المكاشفة القاسية ،بأن وضاح خنفر هو من يقرر سياسة الجزيرة فكان الرد السوري : طالما الأمور هي كذلك فحين سنرغب في دعوة الحاكم الفعلي في قطر لزيارة دمشق سنوجهها إلى السيد خنفر ،و يصح السؤال :هل استقيل المدير العام لفتح طريق الاستدارة أمام الأمير ؟.

رابعا هذه الواقعة تبرر السؤال عن علاقة الاستقالة بتحضير قطر نفسها لمرحلة جديدة من التعامل مع الأوضاع السورية لن تظهر مبكرا ولكن يبدو أنها مقبلة بفعل الانسداد الدولي والإقليمي أمام المغامرة بأي تدخل في سورية ،وعلى الرغم من الصراخ العالي الذي تقوده الولايات المتحدة ،فإن العديد من المصادر يؤكد أن الموقف الأميركي يقارب اليأس من جدوى الرهان على تحقيق انجاز جدي في مجابهة سورية و رئيسها ، مع كل ما ينفق على المعارضة السورية بمجالسها ومؤتمراتها المتنقلة عبر العواصم ، وما يجري تهريبه من أسلحة إلى الداخل السوري ،فليس بعيدا الوقت الذي تنحصر فيه الأزمة داخل سورية ضمن نطاق عمليات إرهابية تنظمها جماعات مدعومة من الخارج ،كما بينت تطورات الأيام الماضية وفي هذه الحالة ستكون الدولة السورية في موقع القوة شعبيا وسياسيا وحتى خارجيا ضد جميع خصومها.
لا شك أيضا في أن الموضوع المصري ليس بعيدا عن إقصاء خنفر فقد اعتبر قادة المجلس العسكري وتنظيم الأخوان في مصر أن الجزيرة مباشر من مصر لعبت دورا في تأجيج التحرك الشعبي الذي استهدف السفارة الإسرائيلية في القاهرة من خلال النقل الحي لما حصل من تحركات شعبية وشبابية عارضها الأخوان المسلمون وجنرالات المجلس العسكري الحاكم جهارا وبالتالي اعتبار إدارة الجزيرة مشاركة في التسبب بورطة سياسية دخلها تحالف الأخوان والمجلس العسكري على صعيد علاقته بالشارع المصري ، و على الرغ7م من حرص القناة في الدوحة على استصدار فتاوى تحريم اقتحام السفارة الإسرائيلية من متحدثين استضافتهم و أطنبوا الكلام عن التقيد بالتزامات السلف و عهوده و ووصفوا السفارة و طاقمها بالضيوف لكن البث الحري في الجزيرة مباشر من مصر كان له وقع معاكس و لذلك استقيل مديرها مع خنفر.


التغيير في إدارة الجزيرة ليس سوى تغيير وظيفي و ما يستوجب المتابعة هو الموقف السياسي القطري و سلوك القناة في مختلف المواضيع التي تشغل الرأي العام العربي ، و الأكيد أن ما خسرته المحطة من المصداقية لا يعوض بتبديل أسماء ، فأمير القطري كان يشرف شخصيا على كل ما يعد حول سورية في الاستديوهات بمعونة عزمي بشارة مستشاره الأقرب .